دراساتصحيفة البعث

خداع بوريس جونسون

ترجمة: عناية ناصر
عن موقع نيويوكر 23/8/2019
في مقال في الفاينانشيال تايمز في عام 1953، قال ديفيد ماكويليامز، كاتب المقال، عندما كان وينستون تشرشل رئيساً للوزراء للمرة الأخيرة، ذهب 91 في المائة من الصادرات الإيرلندية إلى المملكة المتحدة. اليوم هذا الرقم هو 11 في المائة وهو في تراجع. وتشرشل معبود بوريس جونسون كما هو معلوم. كان لدى تشرشل الفاعلية، لكن إيرلندا اليوم تمتلك الفاعلية، فماذا ترك مؤيدو المغادرة؟ مجرد تخبّط وعدم اتفاق.

من المقرّر أن تتخلى المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي في 31 تشرين الأول دون وجود قواعد مطبّقة تتعلق بالتجارة والسفر ومشاركة البيانات، وبشكل أساسي، بحقوق ملايين المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون في المملكة المتحدة. لقد تمّت تغطية هذه المجالات وغيرها في اتفاقية الانسحاب التي فاوض عليها سلف جونسون، تيريزا ماي، مع الاتحاد الأوروبي، لكن البرلمان رفض هذا الاتفاق ثلاث مرات. إن كل ما فعله جونسون تقريباً خلال الفترة الأخيرة أنه جعل خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة أكثر احتمالاً وضرراً. ففي المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقدته أنجيلا ميركل مع جونسون في برلين، أخبرته “المستشارة أنجيلا” -كما سمّاها- أن أمامه ثلاثين يوماً للتوقف عن السخرية. لكن هذا لن يكون بالوقت الكافي.
انطلقت جولة الاضطرابات هذه، عندما أرسل جونسون خطاباً إلى دونالد تاسك، رئيس المجلس الأوروبي، يصرّ فيه على أن كل شيء سينجح إذا وافق الاتحاد الأوروبي ببساطة على التخلي عن أحد المكونات المركزية لاتفاقية الانسحاب، والمعروفة باسم “شبكة الأمان في اتفاق بريكست”، والتي تتعلّق بالحدود الإيرلندية. هذه قضية طويلة الأمد، ومشكلة شبكة الأمان باختصار هي أن الحدود البرية المستقبلية للمملكة المتحدة مع الاتحاد الأوروبي سوف تمرّ عبر جزيرة إيرلندا، التي تفصل جمهورية إيرلندا، التي هي جزء من الاتحاد الأوروبي، عن مقاطعات إيرلندا الشمالية، إذ يقول جزء من مؤيدي الخروج من البريكست في المملكة المتحدة إنهم يريدون حدوداً حقيقيّة مع الاتحاد الأوروبي، مع فرض قيود على حرية الحركة ونظام تنظيمي وتعريفي مختلف. كما يقولون أيضاً إنهم يريدون احترام اتفاق سلام الجمعة العظيمة أو “اتفاق بلفاست” لعام 1998، والذي اعتمد حدوداً مفتوحة فعلياً على الجزيرة. ولا يريدون أن يكون هناك أي ترسيم يجعل إيرلندا الشمالية أقل من غيرها من أجزاء المملكة المتحدة. ستبقي خطة شبكة الأمان بكاملها المملكة المتحدة في اتحاد جمركي مع الاتحاد الأوروبي حتى يتمّ حلّ مشكلة الحدود الإيرلندية، وهذه المهمّة ليست بهذه البساطة كما يُظنّ للوهلة الأولى، بل تبدو مستحيلة.
لكن جونسون ومؤيدي الخروج من الاتحاد الأوروبي يظنون أنه من الممكن، بل من السهل الحصول على كل شيء!.
لا تكمن المشكلة في إبقاء الحدود الإيرلندية مفتوحة بحيث تكون خالية من الاحتكاكات بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وهو ما وعد جونسون به، وفي المؤتمر الصحفي مع ميركل، قال: “إن حكومته لن تنفّذ تحت أي ظرف عمليات التدقيق على الحدود في إيرلندا الشمالية، وإنها ستبقي الحدود بلا احتكاك”. وبينما يحترم وضع إيرلندا كعضو في الاتحاد الأوروبي، يدرك جونسون جيداً هذا الاعتبار، حتى إذا كان هو وغيره من مؤيدي الخروج يميلون إلى تجاهله. كيف يفترض أن يتمّ الحفاظ على هذا الوضع إذا أصبحت حدود إيرلندا مع المملكة المتحدة مشكلة في الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي؟. على حدّ تعبير ماكرون، هناك هدف مزدوج: “الاستقرار في إيرلندا وسلامة السوق الموحدة”.
يبدو أن العديد من مؤيدي البريكست يعتقدون أن الإيرلنديين سيحملون العبء عنهم، ورأيهم هو أنه لدى الجمهورية الكثير لتخسره أكثر من أي شخص آخر في أوروبا إذا تمّ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون صفقة، وبالتالي ستضطر لإقناع باقي الاتحاد الأوروبي للرضوخ لأشد المطالب الجونسونية. ويدّعي آخرون أنهم مستعدون ومتلهفون لعدم التوصل إلى اتفاق، ولكن، بالمقابل، وبهذا المعيار نفسه، فإن الإيرلنديين سيخسرون أكثر من أي شخص آخر من صفقة سيئة تعرّض مستقبلهم الأوروبي للخطر. والفكرة الشائعة بين مؤيدي المغادرة أن إيرلندا تعتمد اقتصادياً على المملكة المتحدة -وهي ستخسر بخروج البريطانيين– لكن هذه الفكرة ليست واقعية تماماً.