تحقيقاتصحيفة البعث

استدامة الأعباء!

 

يبدو أن معاناة الناس ليست محددة بفصل معين، بل هي أشبة بالمتوالية الحسابية التي تندرج أرقامها وأعباؤها المعيشية في خانة الاستدامة، مع اختلاف الظروف والمتطلبات اليومية، فليس انتهاء فصل الصيف إلا بداية لرحلة جديدة في غمار موسم الشتاء بتكاليفه الباهظة التي تنال من حياة المواطن كمصاريف وهموم التدفئة، وتأمين المازوت، والقضية لا تتوقف عند المحروقات فقط، بل هناك الكثير من الاحتياجات التي باتت بعيدة عن ساحة التنفيذ بعد أن دخلت مزاد التلاعب والمتاجرة بشكل ساهم في رفع أسعارها، وتوطين الغلاء إلى حد لا يطاق، ويمكن التأكد من صحة هذا الواقع عند مقارنتها بالدخل الشهري للأسرة السورية ونفقاتها الأساسية التي تؤكد عدم وجود أي فرق بين برد الشتاء وحرارة الصيف في يوميات المواطن الذي بات كما يقول المثل: “بالع الموس على الحدين”؟.
وما يدعو للتفاؤل أنه بالرغم من تسارع موجات الغلاء، ووصولها إلى أرقام قياسية ثابتة مقابل دخل المواطن المتواضع أو المغيب قسراً في زحمة الأزمات، إلا أن الناس استمروا في ممارسة حياتهم الطبيعية، وتجاوز الصعوبات، والتأقلم مع الظروف الجديدة التي نالت من لقمة عيشهم، فتعالى أنين ليراتهم القليلة على ضجيج الصرف الذي ترافق مع حالة من الفوضى والعبثية في جميع الأسواق، ولكن هذه الحالة لا تلغي حقيقة الدور السلبي الذي يمارس تحت عناوين مختلفة: (الحرام، والعيب، وحق الجار)، وغيرها من الأدبيات التي تفهم بشكل خاطىء، وتقيد مجتمعنا، وتبرىء المخطىء والفاسد بطريقة اعتباطية، فما يحدث على الساحة الاقتصادية الحياتية لا يقع على عاتق الجهات المختصة، وخاصة (حماية المستهلك)، بل يقاسمها المواطن بكل تصنيفاته الاجتماعية والمهنية مسؤولية ما يجري في الأسواق، وبكل تأكيد ما نعيشه في مختلف الميادين يستدعي من الجميع المشاركة الفاعلة في رفع الغطاء عن كل المتاجرين بلقمة العيش، والمساعدة في تقديمهم للعدالة، وهنا يجب التأكيد على أن أية جهة لن تكون قادرة على ضبط السوق، وإخماد فورة الأسعار إلا عندما تلتزم اللجان والجهات الرقابية بواجباتها، ومسؤولياتها، وأدبيات عملها، وتتخلى عن مبادلة آمال المواطن بالمكاسب الخاصة تحت عنوان الرشوة، وبيع الضمير، وفي المقابل على المواطن المشاركة في حملات التنظيف والتطهير، وقبل ذلك كله عندما يطبق القانون على الجميع دون استثناء بشكل يحقق النزاهة الوظيفية، ويعزز ويدعم العدالة المعيشية في هذه المرحلة الحرجة بالأخلاق، والعمل الوطني الحقيقي والمسؤول.
بشير فرزان