اقتصادصحيفة البعث

معرض دمشق الدولي..الرهان على الدورة 61 مرتفع والاقتصاد السوري متأهب!

في الأول من أيلول من عام أربعة وخمسين وتسعمئة وألف كانت الانطلاقة الأولى من قلب أقدم عاصمة سطر التاريخ حروفها من ذهب في سفر الحضارات العريق…

انطلاقة اتخذت من التجدد المستمر منهجاً لأهم حدث دولي يجمع الفعاليات الاقتصادية  المحلية والعربية والعالمية على منصة واحدة، قربت المسافات بين شعوب الأرض الذين باتوا على موعد سنوي ثابت يجمعهم ليس بقصد تمتين التعاون الاقتصادي فيما بينهم فحسب، بل الثقافي والإنساني أيضاً، ليضحي معرض دمشق الدولي بالنتيجة بنسخه المتوالية عبر عقود من الزمن ليس مجرد حدث عابر تُمسحُ آثاره مع إطفاء أنوار آخر ساعاته، بل إن آثاره تبقى حاضرة مع من تفاعل معه سواء من خلال الاتفاقيات التجارية المتمخضة عن نشاط قطاع الأعمال، أم من خلال زيارته والاطلاع على ما جادت به دوراته المتلاحقة من مخرجات اقتصادية وغيرها..

ليس كما بعده

وما تكرار مقولة “ما قبل المعرض ليس كما بعده” على ألسنة المفاصل التنفيذية ورجال الأعمال والإعلام، عقب انتهاء الدورة التاسعة والخمسين –التي كانت بداية لمعاودة إطلاق نسخ المعرض بعد توقف دام ست سنوات-سوى تأكيد يصب في منحى جملة من متغيرات قد تطرأ على المرحلة القادمة نتيجة استمرار آثار هذا الحدث على الصعيد الاقتصادي..

منسوب مرتفع

وإذا ما اعتبارنا أن النسخة الستين حملت في طياتها الرهان الأكبر على معاودة الانطلاق وإثبات قوة الاقتصاد أكثر من الرهان على ما حققته من مخرجات اقتصادية فعلية رغم أنها كانت أكثر من مشجعة، وتصب في منحى تعطش الفعاليات الخارجية قبل المحلية للاستثمار في سورية وتعزيز التبادل التجاري معها، يمكن القول: إن منسوب الرهان الاقتصادي على نسخة اليوم مرتفع جداً، لاسيما إذا ما علمنا أن رجال أعمال من وراء البحار شدوا الرحال لزيارة المعرض، في ظل تأهب الاقتصاد السوري للولوج إلى مرحلة إعمار يراهن على أن تكون استثنائية بكل المقاييس، ولاسيما في ظل مشاركة 1700 شركة محلية وخارجية من القطاعين العام والخاص تمثل 38 دولة عربية وأجنبية وبحجوزات تجاوزت مساحتها 100 ألف متر مربع لأول مرة في تاريخ المعرض.

مقومات

تجدر الإشارة إلى مسألة غاية في الأهمية تتمثل بأنه ما كان لمعرض دمشق الدولي أن يستمر خلال العقود الماضية، ومعاودة تنظيمه بعد توقف لأسباب استثنائية قاهرة معروفة للقاصي والداني، لو لم يكن لدى الاقتصاد السوري مقومات استثمارية وتجارية جاذبة في حقيقة الأمر، فالمعرض بالنتيجة هو مؤشر يعكس حالة النشاط الاقتصادي ككل ويروج لها…

ولعل أحد الأسباب الدافعة بكثير من الدول وبعض المنظمات الدولية التي تتأهب لأن يكون لها دور في إعمار سورية هو مراهنتها على الغنى الطبيعي لهذا البلد في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية، وهذه  المراهنة بلا شك لم تأتِ من فراغ، وإنما جاءت بعد دراسات لمقومات سورية الطبيعية أفضت بالنتيجة إلى شبه قناعة بنجاح رهانها..

فسحة

بات معرض دمشق الدولي يشكل فسحة حقيقية لتلاقي السوريين، وفرصة للاطلاع على منتجات العالم وما تعكسه من ثقافة منتجيها، قبل أن يكون نافذة للتسوق الشعبي وما يعد به من أسعار منافسة، وهذه النقطة على غاية من الأهمية كونها تصب باتجاه تغذية الروح الإنسانية المتعطشة دائماً إلى المعرفة والاطلاع، وبالتالي صقلها بما يتواءم مع التطلعات السامية التي تصبو إليها البشرية… وهذا الأمر يشكل تحدياً للفعاليات المحلية المشاركة في المعرض العامة منها والخاصة، الخدمية والإنتاجية والثقافية، لجهة إظهار ما جعبتها من منتجات حالية، وما تصبو إلى تحقيقه من رؤى وأفكار تساهم بإغناء الإرث الإنساني العالمي، وهذا يحتم الانتقاء المحكم لما سيعرض من قبل هذه الفعاليات، لتعكس أرقى ما في جعبتنا التراثية والاقتصادية، وعرضها بشكل ينم عن حضارة سورية الضاربة في القِدم.

حسن النابلسي

hasanla@yahoo.com