دراساتصحيفة البعث

“البريكست” تحت رحمة الصقور

ترجمة: علاء العطار

عن موقع “ذي أميريكان كونزيرفاتيف” 2/9/2019

لا تزال معضلة البريكسيت تهيمن على الأجواء في بريطانيا، وعقارب الساعة تدقّ منذرة باقتراب الموعد النهائي لمغادرتها الاتحاد الأوروبي دون أن يتغيّر في الحال شيء سوى وجه رئيس الوزراء البريطاني، وما التداعيات التي ستتبع الخروج، بصفقة أو من دونها، سوى أن المملكة ستبدل “النير” الأوروبي بآخر أمريكي؟!.

عبر تحريره لندن من النير الأوروبي، سيطلق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من دون صفقة العنان لتحوّل هائل في التحالفات العالمية، وقد يؤدي بدوره إلى تمكين قبضة واشنطن ويساعدها على الوصول إلى “أقصى درجات الضغط” على إيران. وتغيّر الأحداث هذا مثير للسخرية في نظر الشعبويين في المملكة المتحدة، الذين يدعمون البريكسيت بحكم أنه سيسمح للشعب البريطاني بتحديد مصيره. لكن الأمر في نظر واشنطن هو أن البريكسيت يمثّل فرصة ذهبية للتفاوض مع المملكة المتحدة غير المثقلة بالأعباء الأوروبية، إذ اعترف وزير الخارجية مايك بومبيو بذلك عندما سُئل عما إذا كان البريكسيت سيُمتّن علاقتنا مع المملكة المتحدة.

تجدر الملاحظة أنه أتى على لسان بومبيو ذكر “القطاع الأمني” عندما سرد الطريقة التي سيساعد بها البريكسيت الولايات المتحدة، وهذا أمر يحمل الآن أهمية خاصة من حيث أن إدارة ترامب كانت تضغط على الدول الأوروبية لتدعم انسحابها من الصفقة الإيرانية وإعادة فرض العقوبات على إيران، لكنهم مازالوا يمانعون القيام بذلك حتى الآن.

زعمت الولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة أن إيران كانت مسؤولة عن الهجمات التي طالت ناقلات النفط في خليج عمان ومضيق هرمز وعن إسقاط طائرة أمريكية مُسيّرة، وبناءً على طلب من واشنطن، احتجزت البحرية الملكية البريطانية ناقلة نفط إيرانية أثناء دخولها البحر الأبيض المتوسط، ثم قامت الولايات المتحدة بمناورة فاشلة لمنع المملكة المتحدة من الإفراج عن الناقلة.

وبعد أن فوّتت تيريزا ماي، رئيسة الوزراء آنذاك، موعدين نهائيين للتفاوض مع الاتحاد الأوروبي حول الخروج، انتخب رئيس الوزراء بوريس جونسون على خلفية وعد بأنه سيفي باستفتاء حزيران عام 2016 القاضي بانسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، بصفقة أو من دونها.

وقرار جونسون بتعليق عمل البرلمان الأربعاء الماضي يجعل الموعد النهائي الحالي للبريكسيت المحدّد في 31 تشرين الأول يبدو أمراً محتوماً، لأنه قلّل فعلياً قدرة خصومه على عكس نتائج الاستفتاء عبر سنّ القوانين بفعل انقضاء المهلة المحدّدة.

جادل البريطانيون لفترة طويلة أن لندن ستتمتّع بحرية أكبر بكثير في التفاوض على الاتفاقيات التجارية بعد مغادرتها الاتحاد الأوروبي الذي يضمّ 28 دولة، لكن النتيجة قد تدهشهم، فإذا غادرت بريطانيا الاتحاد الأوروبي من دون صفقة، فمن المرجح أن تجد نفسها أكثر عرضة للضغط الأمريكي.

ذلك لأن المملكة المتحدة بخروجها من دون صفقة ستحتاج إلى الإسراع في تأمين صفقة تجارية مع الولايات المتحدة، ويُحتمل أن ترافق هذه الصفقة قيود، إذ ربما تطلب واشنطن أن تتخذ بريطانيا موقفاً أكثر صرامة تجاه إيران، أو أن تشاركها جهودها في تضييق الخناق على شركة الاتصالات الصينية هواوي، التي تعدّها الولايات المتحدة خطراً على أمنها القومي.

وفي حين ما زالت طريقة جونسون في إدارة السياسة الخارجية غير واضحة المعالم، هناك مؤشرات مبكرة على أن لندن ستلتزم بمسار واشنطن. فقد وافقت حكومة جونسون في أوائل آب على الانضمام إلى الولايات المتحدة في عملية “الحارس”، وهي مهمّة يفترض بها أن تؤمن حرية الملاحة للشحن التجاري و”ردع الاستفزازات” في مضيق هرمز، تبعاً لوزير الدفاع الأمريكي مارك إسبير. وزعمت الحكومة البريطانية في بيان لها أن “المهمة ستشهد عمل البحرية الملكية إلى جانب البحرية الأمريكية لمرافقة السفن التجارية عبر مضيق هرمز”. وأضافت: إن القوات البريطانية ستلعب “دوراً قيادياً” في العملية. كما دعت المملكة المتحدة الحكومات الأخرى للمشاركة، واصفة إياها بأنها “مشكلة دولية حقيقية”، وفي إشارة تُنذر بحدوث مأزق، تتمّ “إعادة هيكلة” المهمة على أمل تشجيع مزيد من الدول للمشاركة، وحتى الآن، لم ينضم سوى أستراليا والبحرين كقوى داعمة.

حالياً يعمل العديد من الدبلوماسيين الأوروبيين، والسياسيين البريطانيين، وخبراء السياسة الخارجية في صميم عملية صنع سياسة البريكسيت وإيران، على النظر بجدية في إمكانية أن يجبر البريكسيت لندن على الانصياع لواشنطن فيما يخصّ السياسة الخارجية. ودون ريب، يُدرك جون بولتون، صقر الحرب على إيران ومستشار ترامب للأمن القومي، كيف سيزيد البريكسيت من نفوذ واشنطن، وأعرب عن دعم الإدارة الكامل للخروج من دون صفقة، مضيفاً: “نحن مستعدون للمضي قدماً بسرعة كما البريطانيين”.