ثقافةصحيفة البعث

“اعترافات زوجية”.. تكثيف لحالات إنسانية وأسئلة فلسفية مختلفة

 

كما العادة أنتظر بفارغ الحب والترقب، قدوم عمل مسرحي من أي محافظة أخرى، أو أي بلد آخر، لم أسأل نفسي يوما عن سبب كل هذا الشغف، ربما لأنني أرى بالآخر القادم جمالية حوار افتقدتها في هذه المحافظة، أو ربما التلاقي يخلق نوعا من تلاقح الأفكار قد يثمر عن أعمال محسنة فنيا وفكريا، وعلى مستوى المشهد البصري أيضا.
“اعترافات زوجية” عرض مسرحي، شرّف خشبة المسرح القومي في اللاذقية، عرض جاء بمستوى صانعيه، إخراجا وتمثيلا.
أنا الآن أكتب من خلال رؤيتي كفنانة مسرحية وحسب، وغايتي هي الوصول لدرجة من الحياد المنصف أولا، والابتعاد عن كل ما ينطوي تحت كلمة (النقد) بمفهومها المشوه في وسطنا الثقافي ثانيا، فأنا مشاهدة جيدة ولست بناقدة.
يتناول العرض قصة زوجين يشبهان الكثير من الأزواج، في أسلوب تعاملهم وطريقة حياتهم التي غالبا ما تكون مليئة بالعديد من المشكلات والقضايا والحالات.
العرض من إخراج الفنان مأمون الخطيب، وهو مأخوذ عن نص للكاتب الفرنسي إريك إيمانويل، إلا أن الرسالة التي حملها النص، جاءت مفتوحة على الزمان والمكان من خلال سلسلة الأسئلة الفلسفية عن الزواج والعلاقات الحميمة، والحياة المشتركة ببن الزوجين بحلوها ومرها، فإنسانية الفكرة لم تقيدها بما يخص اختلاف المجتمعات.
مرت 60 دقيقة من الزمن بمنتهى السلاسة حيث بقينا مأخوذين ومشدودين بما يبدعه الفنانان بإحساسهما العالي والتناغم الجميل والمقنع بين الحوار ولغة الجسد، إذ أدت الفنانة القديرة والمتمكنة من أدواتها رنا جمول شخصية الزوجة التي رافقت زوجها الفاقد للذاكرة من المستشفى إلى البيت، مهيئة له كل ما يلزم لخلق جو من الحب والاسترخاء، متحايلة عليه وعلى ذاتها بأنه أصبح إنسانا آخر، قادرة على تكوينه كما يروق لها من جديد، وبدأت بأسلوبها العفوي المميز تؤكد له بأنه كاتب مهم معجون بالإنسانية والحب واللاأخطاء (زوجا مثاليا) كما تريده أو تتخيله ربما.
جسدت الزوجة حالات التوتر الداخلي، والانفعال والرغبة الأنثوية بحرفية عالية، حيث قدمت شخصية مضبوطة خالية من الإضافات التي لا تحمل أي قيمة تذكر. ما لفت انتباهي أيضا أداء الفنان الراقي مالك محمد، فهي المرة الأولى التي أشاهده فيها على خشبة المسرح، حيث أدى دور الزوج الفاقد للذاكرة، المسكون بالشك، بسبب الأشياء التي تدّعيها زوجته بشخصيته، التي لم يعد يتذكر منها شيئا، فجسد الشخصية بخفة ورهافة، دون أي إفراط انفعالي أو حركي لا يخدم نمط شخصيته تلك، وأنا بشكل خاص وجدته أكثر إقناعا وتمكنا على خشبة المسرح. أما بالنسبة لموجودات الخشبة من ديكور بسيط يخدم مضمون العرض جدا، وإضاءة موظفة بشكل مدروس جيدا، وموسيقى أعطت روحا جميلة للعرض، إضافة للأغراض الشخصية لكل ممثل، أوجدها المخرج مأمون الخطيب، ليصنع لنا فضاء دراميا مسرحيا مقنعا ورهيفا وجميلا.
لينا أحمد نبيعة