تحقيقاتصحيفة البعث

بحثاً عن الحلول استراتيجية التصدير.. أولويات وبرامج بحاجة للتفعيل.. ومتطلبات غارقة في التهميش

البحث في ملف التصدير ليس أمراً سهلاً، فهو يحمل في طياته الكثير من التعقيدات والإشكالات التي مازالت عالقة، بل تزداد تعقيداً نتيجة ارتباط هذا الملف بالعلاقات السياسية والأمنية مع الكثير من الدول المجاورة، وغيرها، ومع ذلك فإن واقع التصدير في سورية قابل للتطوير وإيجاد الحلول المتعلقة به ضمن إجراءات حكومية تلبي حاجات المصدر، وتكشف مواطن الخلل في هذا الملف، وبات من الضروري الإسراع لدراسة واقع التصدير في سورية، والاهتمام بأهم قطاع يؤمن القطع الأجنبي، ويزيد من إيرادات الخزينة، والأهم من ذلك تأمين تصريف المنتجات السورية، وعدم تلفها، والاستفادة منها، خاصة المنتج الذي يتصف بسرعة التلف كالمنتجات الزراعية، وغيرها، لذلك من الأولوية تحسين واقع هذا القطاع، والبدء بالتحرك الفوري لدعم الجهود، وتطوير واقع العمل فيه، خاصة بعد المؤشرات العالمية التي تدل على الانخفاض الكبير في حجم الصادرات خلال الفترة السابقة التي ذكرت أن حجم الصادرات بلغ في عام 2016 ما يقارب 680 إلى 801 ألف دولار فقط، وفي 2017 بلغت 464 و773 ألف دولار، أما في عام 2018 فقد كانت تتراوح ما بين 780 إلى 713 ألفاً.

 

البعد عن المسار

تشير هذه الإحصائيات إلى الوضع الذي وصلت إليه الصادرات السورية، وهو غير مطمئن بالنسبة لمقارنتها مع دول الجوار التي لا تملك صناعات أو زراعات، كما في سورية، ومنها لبنان، والأردن، وبحسب مدير هيئة المشاريع الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر فإن هذه الإحصائيات ضعيفة، وتبدو الأرقام هزيلة جداً، لكن السبب يعود لعدم وجود رؤية اقتصادية جادة وحقيقية لمراقبة الصادرات السورية، وعدم وجود برنامج واضح للفترة المستقبلية يشجع الصادرات السورية، فما فعلته الحكومة في الفترة الأخيرة حول نيتها تشجيع الاستيراد من خلال مؤسسة  التجارة الخارجية لا يوحي بأن لديها الأفضل، لأن تشجيع الاستيراد عبر مؤسسة التجارة الخارجية يتعارض مع الطموحات المتعلقة بدعم الإنتاج  الوطني، وزيادة حجم الصادرات، وعليه لا نتوقع في الفترة القريبة أي تغيير حقيقي في كم ونوع الصادرات السورية، والدليل الأكبر يكمن في الأرقام التي رصدت حجم الصادرات، والذي يشكك في عمل الكثير من الجهات للارتقاء بواقع هيئة دعم الصادرات، وهنا لابد من وجود دراسة الواقع، ومعرفة حقائق تفعيل  الصادرات، ومدى مصداقية العمل على دعم هذا القطاع، وعلى سبيل المثال فإن دولة لبنان تعاني مشكلات مختلفة اقتصادية، واجتماعية، وتسويقية، وغيرها، وبلغ حجم صادراتها في عام 2018حوالي 4 ملايين دولار، أي حوالي 6 أضعاف ما تصدره سورية، علماً أن لبنان لا يمتلك إنتاجاً محلياً كالذي لدينا، وهذا يؤكد أن إدارة العملية التصديرية ليست على المسار الصحيح، وخاصة أننا نعوّل على الصادرات تحسين الواقع الاقتصادي، لأنها تؤمن القطع الأجنبي، وتساهم في استقرار سعر الصرف، كما تعمل على جلب الاستثمارات، وتحقيق فرص العمل، ولا يجب أن ننسى قيمة الصادرات في رسم هوية سورية في المحافل الاقتصادية، فالدول تعرف بصناعاتها ومنتجاتها الرائجة في العالم.

مقومات الخروج

لن ننكر نوايا الحكومة في تحسين واقع التصدير، وسعيها الدائم لتصريف منتجاتنا المختلفة، إلا أن العمل في هذا السياق يبدو غير واضح، ولم يأخذ طابع الجدية في التعاطي معه، فالمتطلبات تحتاج إلى خطة عمل معروفة الملامح، ونشرها عبر برنامج يشجع الصادرات، ويوصلنا إلى النتائج المأمولة منه، وأصبحت المسؤولية الآن أكبر في ظل المشكلات  الاقتصادية الكثيرة التي تعاني منها سورية، والتي يبدو فيها تطوير الإنتاج الوطني، وتعزيز  الصادرات أحد أهم مقومات الخروج من حالة الاستقصاء، ويرى اسمندر أن ثمة أموراً تساعد على التصدير، أهمها زيادة حجم الإنتاج الوطني، مع الحفاظ على الجودة والمواصفات العالمية للسلع المصدرة، وتحسين الكم ليتناسب مع متطلبات تلك الأسواق، بالإضافة إلى زيادة العمالة السورية لتصبح الإنتاجية أعلى، مع الاعتماد على التكنولوجيا  العالية، وامتلاك  الخط والسياسات الواضحة  للحكومة لتبني المزيد من اتفاقات التعاون مع الدول الصديقة لتشجيع الصناعات التي لها هوية تراثية، وتمتلك ميزة تنافسية.

عامل الزمن

مازال البعض متفائلاً في مستقبل ملف الصادرات، لكنه ينتظر مبادرات حكومية، لكن هذا التفاؤل لا يكفي، لأننا نتعامل مع ملف اقتصادي مهم “الصادرات”، الرافد الأهم للقطع الأجنبي، فهذا الملف يعتمد على عدة حلقات تبدأ بالإنتاج الزراعي وصناعاته “الصناعات التحويلية”، والإنتاج الصناعي بكافة أنواعه ومجالاته كالصناعات النسيجية، والألبسة، والصناعات الكيميائية، والهندسية، والصناعات الغذائية.. عضو اللجنة المركزية للصادرات المشكّلة من غرف التجارة خالد الطبل، وهو مصدر أكد أن هناك اللجنة الفاعلة حالياً ” لجنة مركزية”، والتي تم تشكيلها من اتحاد غرف التجارة، وهي معنية بكل ما يخص المصدرين، وهي الأولى بالتمثيل مع الوزارات الرسمية لحل مشكلات التصدير، ولكن من  الضروري وجود خطة استراتيجية للتصدير تدار من قبل لجنة فاعلة مؤلفة من القطاع الخاص، ومن يمثّله من مزارعين، وصناعيين، وتجاريين ضمن الفعاليات الموجودة كاتحادات غرف الصناعة، والتجارة، والزراعة، ويفضل أن يكون الممثّلون موجودين على أرض الواقع، أي يكونون مصدرين فعليين ومنتجين أيضاً، لا يكفي وجود ممثّلين من الغرف لا يملكون عملاً جدياً في هذا الموضوع، ولابد أن يكون هناك ممثّلون من الوزارات المعنية كوزارة المالية، والاقتصاد، والصناعة، والنقل، لأنها تؤمن وسائل النقل للتصدير، وتحتاج هذه اللجنة لمجموعة من الدارسين والمختصين في هذه الوزارات للكشف عن الواقع التصديري عبر اعتمادهم على الأرشيف السابق للصادرات، والموجود لدى الوزارات سابقاً، وتقديم آرائها في الوضع الإنتاجي والتصديري، فالأمر لا يمكن البت به بشكل نهائي، بل يحتاج لفترة طويلة، فمشكلات التصدير متجددة، وهناك مستجدات كل يوم على صعيد التصدير، لذلك لابد أن تكون هذه اللجنة مترقبة لهذه التغييرات، وأن يكون عملها دائماً لمراقبة المشكلات المتحولة، ويضيف الطبل: يجب أن تكون للجنة مصادرها الفاعلة على أرض الواقع لتستطيع اتخاذ القرار خارج نطاق الروتين الإداري غير المهتم بسرعة القرار وتطبيقه، وأهمية الوقت لدى المصدرين، لا نريد تشكيل لجنة ترفع المقترحات لتدرس بطريقة روتينية، وتعتمد على التسلسل الإداري الذي سيزيد من المشكلة، وارتفاع نسبة الضرر لدى المنتج والمصدر، أي تفاقمها دون حل، فمعظم المنتجات المصدرة تعتمد على الوقت والموسم، وهناك احتمال كبير أن ينتهي موسم السلع قبل البت بالمشكلات العالقة، فمعظم صادراتنا تعتمد على المواسم، أي الفترة الزمنية لتصديرها كالمنتجات الزراعية، وأيضاً الصناعات النسيجية لها موسم ربيعي وصيفي وشتوي، لهذا يجب أن تكون للجنة صلاحية في اتخاذ القرار وتطبيقه بشكل سريع وفوري.

أسواق جديدة

يرى معظم المصدرين أن أهم المشكلات المتعلقة بعملية التصدير هي الحفاظ على الأسواق التصديرية التي نتعامل معها حالياً، واستهداف أسواق جديدة في دول عدة لها قابلية في تصدير الصناعة السورية، وبحسب الطبل فإننا في ظروف القطر الحالية والحصار غير قادرين للوصول إلى أسواق الدول الأوروبية وحتى الصديقة، فهي متعثرة وبطيئة، أما فيما يتعلق بالمشكلات الأخرى فمعظمها مرتبط بالمشكلات والتعاملات البنكية والحوالات غير المتوفرة بسبب الحصار، ولعل آخر مشكلة تعرّض لها التصدير في سورية هي مشكلة رسم العبور الذي فرضته الأردن بحجة المعاملة بالمثل في الفترة الأخيرة، فقد كان مجحفاً بحق التصدير، ومكلفاً  جداً، بحيث لا يحتمله المنتج والمصدر، وربما كان الهدف منه هو تراجع حكومتنا عن قرار رسم العبور الذي أثر على التصدير بشكل كبير منذ تاريخه، وللتصدير مشاكل وهموم بشكل دائم ويومي، إلا أن الحلول ليست مستحيلة، ولكن تحتاج إلى تعاون من الوزارات والحكومة لتحقيق المرونة بالعمل والسرعة في الإنجاز.

ميادة حسن