ثقافةصحيفة البعث

الرسم الصيني.. موسيقا لقصائد بالألوان

معظم الشعوب معجبة بتراثها تأخذ منه جمره ورماده، ولكن الشعب الصيني يمتلك ميزة أنه يأخذ الجذوة الملتهبة ينتعش بسحرها وتكون حافزاً متجدداً له، ويترك الرماد يذهب هباءً، الرسم الصيني التقليدي لا ينفصم عن الشعر وفن الخط والختم، فهو المنظومة الفنية التي تجمع بين الشعر والرسم والختم. هذا التراث الصيني العظيم من الرسم الصيني التقليدي الذي كان ومايزال له مفعول السحر في ذاكرة الإنسان الصيني.

أمام الفن التقليلدي الصيني وقف الكاتب “زكريا شريقي” بين سجلات تاريخ الفن الصامتة، وأصغى إلى عظمة موسيقا ألوان اللوحات المدهشة، وبين روعة الفن الصيني وجهل الكثيرين بكنوزه الفنية والحضارية كانت فكرة هذا الكتاب الذي حمل عنوان “الرسم الصيني إبداع في قصائد صامتة” الذي صدر عن وزارة الثقافة الهيئة العامة السورية للكتاب.

يعرفنا الكاتب في القسم الأول من الكتاب على بدايات الرسم الصيني التقليدي حيث ترجع إلى التصاميم المختلفة والرسوم البشرية والحيوانية الملونة التي امتشفت في الصين ويعود تاريخها إلى العصر الحجري قبل /5-6/ آلاف عام، تنقسم لوحات الرسم الصينية، من حيث الموضوع والمضمون، إلى ثلاثة أنواع تتمثل في لوحات الزهور والطيور، لوحات الجبال والأنهار، ولوحات رسم الإنسان فيها بمواضيع متعددة (البورتريه).

التكامل بين السماء والإنسان

طور الفنان الصيني نظرته إلى الطبيعة من منطلق اشتياق قلبه وروحه إليها والدخول في روحانياتها، واتخاذها عنصراً هاماً لمواضيعهم في العصور اللاحقة، لذلك تسابق الفنانون والمثقفون والشعراء للاقتراب من الطبيعة والتعمق فيها بأعمالهم، ودعا إلى ذلك فلاسفة صينيين من فكرة “التكامل بين السماء والإنسان معتقدين أن الإنسان يمكنه أن يشعر بالطبيعة بقلبه الصافي”.

بما أن أسس الخلق والإبداع في الفن الصيني التقليدي لا تطالب الرسام التقيد بالتقليد أو الالتصاق الصارم بالحقيقة أو التقيد بالمنظور هذا كله، أدى إلى أن يتمتع الرسام الصيني بحرية تامة في تركيب موضوعه وتكوينه وأسلوب تعبيره في العمل، فكان الرسام من أجل إبراز الموضوع الرئيسي لعمله يترك خلفية اللوحة بيضاء كلها معتمداً على إيجاد تكوين خاص بتنوعه وإيقاعه يؤمنان له وحدهما التنوع والتوازن ويجعلان أسلوبه يزداد غنىً بإضافة الشعر أو النثر أو الختم.

الرسم الصيني والمؤثرات الأجنبية

أحدثت البوذية في الصين انقلاباً في شؤون الفن ليس أقل شأناً وتأثيراً منه في شؤون الدين الذي جاءت به من الهند، ودخل معها أفكار فنانيها وفلاسفتها وأسلوب رسم اللوحات الجدارية ورسم المعابد في الكهوف ورسوم الكائنات الطائرة.

وصلت رسالة بوذا إلى الصين من الهند لتلقي بالأساليب والطرق الصينية القديمة لتشكلا مع الأفكار الكونفوشيوسية والتاوية أرضاً خصبة لها، وكان الفن الهندي يهتم بتصوير العواطف ويهتم بداخلية الناس والأشياء والأرواح أكثر من اهتمامه بالصور المادية.

ولم تكن البوذية الشيء الوحيد الذي تأثرت به الرسومات الصينية بل يعتبر القرن السابع عشر والثامن عشر فترة التبادل الثقافي الكثيف بين الصين وأوربا، حيث لعب المبشرون المسيحيون الأوروبيون دوراً هاماً في هذا التبادل، ولعبت المنظمات التبشيرية دوراً في الاحتكاك المباشر بين ثقافة الغرب الفنية والفن الصيني التقليدي، وكان أشهر هؤلاء المبشرين الرسام “ماتيو ريتش” والرسام المبشر الإيطالي “جيوسيب كاستيجليون” الذي دخل إلى البلاط الإمبراطوري في عهد أسرة مينغ واستطاع أن يترك أثراُ كبيراً في رسم البلاك من خلال محاولة بعض الرسامين الصينيين الذين اطلعوا على أعماله وعلى الفن الغربي وحاولوا تحقيق علاقة بين الرسم الصيني التقليدي والرسم الغربي.

بعد حركة الرابع من أيار عام 1919 وإلغاء الحكم الإمبراطوري تدفقت المؤثرات الأجنبية إلى الصين، الأمر الذي جعل الفنان الصيني يقف أمام ذاته مطولاً، وكانت حافزاً لأكثرهم للبحث عن وسائل وأساليب لتطوير الفن الصيني التقليدي الخاص بالصين، حيث بدأ جيل تلك الفترة بتقبل الثقافة الغربية الجديدة وبدأت عقولهم تتحرر من قيود الماضي.

أما التغيير الجذري الذي حصل كان عند انتصار الثورة الاشتراكية وقيام جمهورية الصين الشعبية عام 1949 وهذا التغيير طال مختلف نواحي الحياة العامة والخاصة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، وشمل الحياة الثقافية والفكرية والعلمية بما في ذلك الرسم، هذه التأثيرات التي استطاع الرسامون أن يستغلوها ليطوروا فنهم بجرأة بما يتلاءم مع تطلعات الشعب والثورة وكان من أشهرهم الرسام “كي باي شي”  الذي ورث أساليب الرسم الصيني التقليدي القوية وغير المقيدة لرسم الزهور والطيور، كان قادراً على ربط الأسلوب المعبر عن الجرأة مع الاهتمام الكبير بالتفاصيل واستطاع أن ينجز أسلوباً عميقاً وجلياً في تطوير الفن الصيني التقليدي.

علا أحمد