تحقيقاتصحيفة البعث

بعد عودتهم إليها الطلبة.. استعادة تدريجية للحياة المدرسية

 

انطلق في الثاني من الشهر الجاري العام الدراسي الجديد بعد عطلة قضاها طلابنا بكل ما يسر نفوسهم، وأعطاهم الأمل والطاقة لمواصلة الرحلة التعليمية بشغف، فعادوا إلى مقاعدهم الدراسية لينهلوا علماً، ومعرفة، وأخلاقاً، وليحققوا ما يطمحون إليه لمستقبلهم الذي تؤتمن عليه المؤسسات التربوية بكافة مستوياتها، حيث تبذل الجهود لضمان سير العملية التعليمية في المدارس على أكمل وجه.

مسؤوليات كبيرة
المعلمون جزء لا يتجزأ من المنظومة التعليمية يتأثرون بها كما يؤثرون عليها، فأغلبهم يعاني من التوتر والارتباك، فيتطلعون للطلاب الذين سيتعاملون معهم، وهل سيكونون متعاونين ومتفاعلين معهم أثناء الحصص الدراسية على اختلاف قدراتهم، وبيئاتهم، والظروف المحيطة بهم، ويخف هذا التوتر بمرور الأسبوع الأول من العام الدراسي، وكذلك بحسب خبرة المدرّس، وعدد سنوات مزاولته المهنة، وما يزيد من مسؤولياتهم الأعباء الملقاة على عاتقهم تجاه عائلاتهم، بحيث يتوجب عليهم الموازنة بين حياتهم الشخصية في تأمين متطلباتهم الأسرية، والقيام بدورهم التربوي والمهني دون أي تقصير.
“نوار حسن” مدرّسة لغة عربية (38 سنة) أم لولدين، أكدت أنها تعاني من ضغط كبير في بداية العام الدراسي، فلا تستطيع الموازنة بين واجباتها كأم وزوجة، وبين عملها، فتضطر إلى التقصير تجاه عائلتها، والإحساس بالذنب في كثير من الأحيان كونها تقضي أغلب الوقت في المدرسة.
ومع تطور المناهج أضحى لزاماً على المدرّسين التحضير المسبق للدروس للتماشي مع الآليات والتقنيات الجديدة في إيصال المعلومة للطلاب، وخاصة في المراحل العمرية الأولى، برأي محمد إبراهيم، مدرّس لغة انكليزية (42 سنة)، أب لطفلة، أكد على الضغوط التي يتعرّض لها في بداية كل عام دراسي، وعلى مدار العام الدراسي، فالمهمة صعبة، وعليه تحضير الدروس بشكل يومي بعد عودته للمنزل.

العبء الأكبر
بعد انتهاء العطلة الصيفية التي قضاها الطلاب بممارسة هواياتهم، والأنشطة الترفيهية التي يستمتعون بها، تكون العودة إلى المدرسة صعبة للغاية، فيواجهون تحديات كثيرة حول إعادة تنظيم وقتهم، واتباع جدول دراسي يتناسب مع المنهاج، والتحضير اليومي للدروس، بالإضافة إلى خضوع أغلب الطلاب لدورات مساعدة بالمواد التي يواجهون صعوبة بفهمها، وتجهيز أنفسهم للاختبارات.
أحمد حسن، طالب في الصف العاشر، تحدث لنا: في اليوم الأول من المدرسة أشعر بالقلق، وأعيش في حالة ارتباك حتى أستطيع تنظيم وقتي، والالتزام بجدول الدراسة، وأحتاج لمساعدة عائلتي.
ومع كثافة المنهاج الدراسي، ومواكبته لأحدث طرائق التدريس، أصبحت على الطالب ضغوطات أكبر لاستيعاب ما يقدم له بفترة قصيرة، وأن يجمع بين الجانب العملي والنظري، والأنشطة الصفية واللاصفية، علي كوسا، طالب في الصف السابع عانى من التأقلم مع مدرسته الجديدة، يقول: كنت حزيناً جداً في اليوم الأول لأنني ابتعدت عن رفاقي وانتقلت لمدرسة أخرى، لكنني حاولت الاندماج مع رفاق جدد، والتعرف عليهم وكانوا لطفاء للغاية.
أما ليمار محمد، طالبة في الصف الثاني، فتقول: في البداية لم أحب معلمتي الجديدة، وأخبرت والدتي أنني لا أرغب بالذهاب ثانية إلى المدرسة، لكنها اصطحبتني في اليوم الثاني، وتكلمنا مع معلمتي سوياً، وشعرت بالارتياح لها.

حدث ولا حرج
يقع على الوالدين العبء الأكبر مع حلول الموسم الدراسي، حيث يواجهون صعوبات ليتأقلم أبناؤهم مع النظام الجديد، خاصة مع مرور العطلة الصيفية التي تقارب ثلاثة أشهر، ولا تقتصر المسألة على تغيير مواعيد النوم، والطعام فحسب، بل تزداد الأمور سوءاً بوجود مشكلات نفسية، أو اجتماعية لدى الطالب مثل عدم القدرة على تكوين الأصدقاء، والاحتفاظ بهم، أو الخوف والخجل عند الابتعاد عن الأهل، وكذلك هناك مشاكل تتعلق بالسلوك، فهناك بعض الطلاب العدوانيين الذين يتعمدون إيذاء الآخرين نفسياً، أو جسدياً.
ضحى أحمد (33 سنة) تروي لنا عن معاناتها مع طفلها، حيث كانت تصطحبه إلى المدرسة صباحاً، وتبقى معه إلى نهاية الدوام خلال الأسبوع الأول من العام الدراسي، وعانت معه كثيراً، إلا أنه اندمج مع رفاقه في النهاية.
وترى هلا المحمد، وهي أم لثلاثة أطفال في مراحل تعليمية مختلفة، أنه يتوجب على الأهل التعاون مع المدرسة، ومتابعة الطالب ومساعدته لحل ما “ينغص” عليه عامه الدراسي، وتلافي أية عقبة تقف بوجه تحصيله العلمي، وخاصة الطلاب الذين يدخلون المدرسة للمرة الأولى، فيعاني ذووهم من مخاوف كثيرة تبدأ بتكيف الطفل مع المدرسة، وأجواء الصف، وتنتهي باستيعابه للمنهاج الدراسي، وتجاوبه مع المدرّس، وتفاعله مع رفاقه، وتابعت: لا يتوقف دور العائلة بالشهر الأول من العام الدراسي فحسب، بل عليهم متابعة الطالب خلال العام بأكمله، ومناقشة أية صعوبات يتعرّض لها، والاستماع له، وحضور اجتماعات أولياء الأمور، والتعاون مع المدرسة والكادر التدريسي ككل.

درب طويل
لا شك أن المدرسة هي الخطوة الأولى من درب طويل لإنتاج جيل سليم جسدياً ونفسياً، وفي بداية كل عام دراسي يكون التحدي أكبر للنهوض بالميدان التعليمي، وذلك بالتعاون بين الأسرة والطالب والمدرسة، لنبعد عن طلابنا كل ما يخيّب آمالهم، ولنرفع قول نابليون بونابرت شعاراً في بداية عامنا الدراسي: “من فتح مدرسة أقفل سجناً”، فلنشد مدارسنا، ولنعل صروحها، ونرفع رؤوسنا بجيل واعد بكل خير.

يارا شاهين