اقتصادزواياصحيفة البعث

فليتّعظ المنظّرون..!

 

خلافاً لأوهام منظرينا الاقتصاديين ـ وما أكثرهم ـ فإن مصرف لبنان المركزي يعاني من عجز في احتياطاته بالعملات الأجنبية..!
هذا ما كشفته وكالة “ستاندر أند بورز” في أحدث تقرير لها عن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية..!
ولمن لا يعرف فإن هذه الوكالة تمتلك جميع البيانات النقدية لمصارف لبنان بما فيها المركزي يوماً بيوم؛ لأنها في قبضة وزارة الخزانة الأمريكية..!
والعجوزات في احتياطات المصرف المركزي اللبناني ليست قليلة؛ فهي تتجاوز 6 مليارات دولار..!
واللافت جداً أن احتياطات المصرف قاصرة عن تغطية 70% من حاجات لبنان التمويلية بالعملات الأجنبية للسنوات الثلاث المقبلة..!
طبعاً حاكم مصرف لبنان المركزي يحرص دائماً على الإعلان عن حجم الاحتياطات الإجمالية بالعملات الأجنبية “النظرية”، والبالغة 32 مليار دولار، وهي فعلاً كبيرة، لكنها ليست جميعها قابلة للاستعمال، وبالتالي فالمصرف يعاني من عجز لا من فائض كما يوهم حاكمه ـ أو يخدع ـ المستثمرين والمودعين..!
وتتجسد أزمة المصرف بأن الاحتياطات القابلة للاستعمال كانت 25.5 مليار دولار “نظرياً” في نهاية عام 2018، ومن المتوقع أن تتراجع ـ حسب الوكالة الأمريكية ـ إلى 19.2 ملياراً “نظرياً” في نهاية عام 2019.
ونقول نظرياً لأن الاحتياطي الفعلي القابل للاستعمال لا يتجاوز 7.3 مليارات دولار..!
وإذا ما عرفنا أن احتياطات مصرف لبنان بالعملات الأجنبية هي جزء من الودائع التي تستقطبها المصارف؛ فهذا يعني أنها ليست ملكاً لمصرف لبنان..!
أكثر من ذلك الحكومة اللبنانية لا تستطيع رفع أجور موظفيها، ولا تأمين أبسط الخدمات كالكهرباء والمياه والنظافة.. منذ تسعينيات القرن الماضي..!
وبقيت تعمل بلا موازنة لأكثر من ربع قرن، ولا يمكنها أن تؤمن احتياجاتها إلا بالاستدانة من المصارف..!
والأدهى من كل ذلك أن النمو في لبنان سلبي، واقتصاده ريعي بامتياز..!
ومع كل ذلك فسعر الدولار لم يتزعزع منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، وقد تعرض إلى “خضة” مؤخراً، لكنه سرعان ما عاد إلى سعره الثابت.. ترى لماذا..؟!
السؤال برسم منظرينا الاقتصاديين الذين لم يجيدوا تشخيص داء انخفاض سعر صرف الليرة الذي وصل لعتبة الـ660 ليرة..!
ولأنهم لم يتمكنوا من تشخيص الداء فقد أخفقوا بوصف العلاج، وهذه كارثة بحد ذاتها..!
الخلاصة: لبنان بلد احتياطاته ملك للغير، ولا تغطي 70% من حاجات الحكومة، ويجد صعوبة في تسديد فوائد أقساط الدين وليس أقساط الدين العام نفسه الذي يتجاوز حالياً 95 مليار دولار، ونسبة نموه صفر باستثناء المصارف، وليس لديه قاعدة إنتاجية، وعاجز عن تأمين الخدمات الأساسية لمواطنيه، ويستدين من المصارف لتأمين الموارد لاستمرار عمل مؤسسات الدولة.. ومع ذلك سعر صرف الليرة ثابت منذ ثلاثة عقود..!
وبالمقابل سورية بلد احتياطات مصرفه المركزي حقيقية وغير مدين بمبالغ خيالية، وقادر على تأمين المستوردات ودعم الصادرات، ولديه قاعدة إنتاجية وصناعية، قد لا تكون جيدة حالياً، لكنها مقبولة، وموارده تتيح زيادة رواتب العاملين كل بضع سنوات، ولا يزال يؤمن الحاجات الأساسية للمواطنين رغم الحرب، ولا يستدين من أي مصرف.. ومع ذلك سعر صرف الليرة ليس غير مستقر فقط، بل يتراجع كل بضعة أشهر.. ترى لماذا..؟!
بالمختصر المفيد: فليتعظ المنظرون مما سبق، ونتحداهم أن يجيبوا على السؤال في كلا البلدين: لماذا سعر الصرف مستقر في بلد اقتصاده على حافة الهاوية..؟
ولماذا سعره غير مستقر ويتراجع بحدة بين شهر وآخر في بلد اقتصاده يتعافى، ويستعد ليكون أكبر ورشة عمل في العالم فور انطلاق عجلة إعادة الإعمار..؟!
علي عبود