أخبارصحيفة البعث

دبلوماسية الإكراه

تسعى إدارة ترامب بقوة إلى فرض العقوبات الاقتصادية كأداة رئيسية للسياسة الخارجية الأمريكية التي استمرت إلى حد ما منذ عقود، لكن الكثيرين يشككون في نتائج هذه السياسات، حتى عندما يصرّ المسؤولون على أن العقوبات تحقق أهدافهم.

صحيح أن إدارة ترامب تستخدم الإكراه الاقتصادي كمنهج افتراضي في كل شيء تقريباً، لكن لا يبدو أن هناك أي دبلوماسية واضحة. هناك شيء اسمه “الدبلوماسية القسرية”، لكن لا يوجد دليل على أن ترامب ومسؤوليه يدركون أول شيء حول هذا الموضوع. إن الإدارة التي أرادت حقاً عقد اتفاقات دبلوماسية دائمة مع دول أخرى، لن تمارس الضغط إلا كوسيلة لتحقيق هدف محدد وقابل للتحقيق، لكن هذه الإدارة تخوض حروباً اقتصادية مدمّرة بحتة لا يمكن للدول المستهدفة أن تقبلها إلا في حال استسلامها. يتضمن وصف “الحد الأقصى للضغط” عدم الرغبة في تخفيف الضغط عن الجانب الآخر كي لا يبدو أنه استسلم.

إن الأمر لا يقتصر على كونه “مزيجاً من الكثير من العصي والأقل من الجزر”. سياسات إدارة ترامب هي جميعها عقابية ولا تحمل مكافأة. في حالة إيران، لم يكن الأمر خلاف ذلك، فقد اختارت الإدارة معاقبة إيران حتى لامتثالها لاتفاقية متعددة الأطراف لحظر الانتشار النووي، ورغم التزامها التام بالاتفاق، حسب تقارير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، تعرّضت لحرب اقتصادية قاسية. عندما تعاقب الإدارة الأمريكية دولة أخرى على فعل، لم ترغب الإدارات السابقة بفعله، لا يمكن لأي قدر من العقاب أن يجبر تلك الدولة على الثقة في الإدارة الأمريكية مرة أخرى.

وتقارب الإدارة كل القضايا الخلافية مع الدول الأخرى بالطريقة نفسها: فهي تفرض عقوبات، وتوجه تهديدات، ولا تنفّذ ما عليها من التزامات، وتطالب بمطالب بعيدة المنال لن تقبلها أي دولة تتمسّك بسيادتها وقرارها المستقل على الإطلاق.

ترامب يتعامل مع الحروب التجارية بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مع حملات “الضغط الأقصى” ضد الحكومات المعارضة لسياساته العبثية، ويفشل في كل مرة، لأنه لا يستطيع تصوّر اتفاقية ذات منفعة متبادلة، وبالتالي يرفض التسوية.

“دبلوماسية” ترامب ليست دبلوماسية على الإطلاق، ولكنها سلسلة من الإهانات والعقوبات والتعريفات والتهديدات التي لا تحقق شيئاً سوى التسبب في الاضطراب. ومما لا يثير الدهشة، أن حملة الضغط، التي تهدف إلى الإطاحة بحكومة ما أو إجبارها على التخلي عن كل ما لديها لا يمكن أن تنجح طالما أن الحكومة المُستهدَفة اختارت أن تقاوم، وستكون المخاطر بالنسبة لإدارة ترامب أعلى دائماً مما هي عليه بالنسبة للحكومات والدول المُستهدفة، ففي صراع الإرادات، يتمتع الجانب الذي يدافع من أجل الحفاظ على نفسه بالأفضلية.

عناية ناصر