دراساتصحيفة البعث

طوق النار يحاصر الإرهابيين و”الإسرائيليين”

سمر سامي السمارة

لم يستعد الجيش العربي السوري مدينة خان شيخون ذات الأهمية الاستراتيجية مؤخراً فحسب، بل قام بذلك مستخدماً النموذج العسكري الروسي الكلاسيكي حيث طوق أعداءه وقطع طرق إمداداتهم واتصالاتهم. ويُعرف هذا التكتيك بالمصطلح العسكري الروسي باسم طوق النار. هذا الطوق الناري سيكون الأول ضمن عدة أطواق ينفذها الجيش السوري وروسيا أثناء خوض المعارك في إدلب لتحرير المحافظة التي ترزح تحت سيطرة الإرهابيين المرتبطين بتنظيم “القاعدة” ممن يغيرون أسماءهم و وولاءاتهم كما يبدل المرء ملابسه.

لكن الطوق الناري الحقيقي لا يتشكل في سورية بل في “إسرائيل”، فقد أصبح لدى المتشددون في إسرائيل- بقيادة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو- رئيس أمريكي يتعهد بالتزام كامل إلى جانبهم. لقد غير ترامب سياسة الولايات المتحدة من تدمير سورية لزعزعة استقرار روسيا وإبقاء منطقة آسيا الوسطى بحالة من الفوضى إلى سياسة الاستثمارات بشكل صريح  لجعل “إسرائيل” دولة عظمى.

قلب ترامب الموازين في واشنطن من مجرد نشر الفوضى بهدف إعاقة تحقيق خطط الاندماج الطويلة الأجل لروسيا والصين وإيران لخطة تستطيع من خلالها “إسرائيل” تحقيق رغبتها في السيطرة على شرق أوسط مقسم وخاضع.  لكن مع كل انتصار يحققه الجيش العربي السوري  كانت هذه السياسة تتراجع بوصة بعد بوصة، فكلما تقدم الجيش العربي السوري وحقق المزيد من الانتصارات على الإرهاب في ميدان المعركة، كلما زاد الدعم الأمريكي- الإسرائيلي- السعودي- البريطاني للإرهابيين المعروفين في الإعلام الغربي باسم “المتمردين المعتدلين” وازداد الضغط على حلفائهم الثانويين-قطر وتركيا والإمارات وفرنسا وألمانيا.

يمكن القول: إنه على مدار السنوات الأربع الماضية، أي منذ وصول روسيا إلى سورية متحدية الولايات المتحدة علناً، تراجعت إلى حد ما  كافة تلك الدول عن دعمها لعملية تغيير السلطة في سورية، وبقيت تركيا آخر المعاقل في ظل الرئيس أردوغان تواصل لعبها بين فصيلين قبالة بعضهما البعض للتمدد في  إدلب وحلب ومنبج.

أصبح مسلسل كذب أردوغان واضحاً وجلياً خاصة بعد إبرامه اتفاقاً ضمانياً مع الولايات المتحدة لاحتلال أرض شرق نهر الفرات، بينما كان يحاول في الوقت نفسه استخدام الاتفاق الذي أبرمه مع بوتين لإقامة منطقة منزوعة السلاح حول إدلب لإعادة دعم المسلحين للحيلولة دون تطويق الجيش السوري لهم.

كان القصف الجوي الروسي الذي استهدف قافلة الإمداد العسكرية القادمة من تركيا رسالة صارمة لأردوغان لمعرفة حدوده. ومن المرجح أن تكون معركة تحرير إدلب أقل دموية مما كان متوقعاً في الأصل لأنه يتعين على أردوغان التخلي عن أحلامه فيها. إذاً، على تركيا الاستعداد للعودة للفترة التي سبقت تحرير حلب عام 2016، حيث سيتم الآن تفكيك منهجي للجماعات الإرهابية في إدلب بعد أن حررت القوات السورية خان شيخون، ولن تخاطر تركيا بحرب مفتوحة مع روسيا حول هذا الموضوع.

تشكل سورية الجزء الغربي من الطوق حول “إسرائيل”، وبمجرد توحيد إدلب تصبح قاعدة الولايات المتحدة بالقرب من المعبر الحدودي في التنف موضع التركيز. ومع رفض ترامب دعوة مستشاريه، “إسرائيل” والمخابرات البريطانية لبدء حرب مفتوحة مع إيران تشعر “إسرائيل” بالضعف بشكل خاص نظراً لمدى سير الأمور بمسارها الصحيح في الربط بين إيران والعراق وسورية. بالإضافة إلى ذلك، تكشف إيران النقاب عن منظومتها الدفاعية الصاروخية الجديدة، منظومة باور 373 ، التي تتميز بأداء يفوق أداء منظومة الدفاع الجوي الروسية اس 300. وهنا لا تدخل إيران في تجارة بيع الأسلحة العالمية فحسب، بل إنها تشكل أيضاً تهديداً صريحاً لـ “إسرائيل” بأن إرسالها لطائرات تقصف في جميع أنحاء المنطقة ستنتهي قريباً.

تحاول “إسرائيل” الحفاظ على قواتها الجوية ومهاجمة أهداف بشكل علني، لأن هذا يساعد الحرب الدعاية في الولايات المتحدة على كسب المزيد من الدعم داخل لجنتي العلاقات الخارجية في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، فضلاً عن الدعم في
” إسرائيل”. لكن هذا وهم، فالطوق يضيق ومع كل حادثة مثل الحادثة الأخيرة ، فإن رائحة اليأس تزداد قوة.

أما السعودية فقد خسرت في اليمن، لأن اليمنيين قاوموا بعد أن منحتهم منظومات الطائرات دون طيار القدرة على الضرب حيث يشاؤون ومتى يشاؤون، ما يهدد إنتاج النفط السعودي. وأعاد العراق فتح معبر البوكمال الحدودي بينه وبين سورية لأول مرة منذ سبع سنوات، وبدورها تعمل طهران على تحسين روابط الطرق السريعة بين إيران وسورية لتسهيل التجارة الأمر الذي يؤدي إلى انهيار للعقوبات البرية التي يفرضها ترامب على إيران وسورية. ومن المتوقع أن تبدأ الإمدادات البرية من كل من إيران والعراق الآن، كما أن الحظر الأمريكي على إعادة بناء سورية لا يتمتع بأي دعم دولي. لكن الخبر الأكبر هو أن طهران تقترح أيضاً على سورية الوصول إلى خطوط أنابيب لتأمين إمدادات الطاقة المستقبلية.

وبحسب المصادر، فإن خيارين لخط الأنابيب مطروحين على الطاولة، وهو خط أنابيب جديد طوله 1000 كيلومتر يمتد عبر العراق إلى سورية، أو إصلاحات يقوم بها الجانب الإيراني لخط أنابيب كركوك-بانياس ، وهو خط أنابيب بطول 800 كم تم تشغيله لأول مرة في أوائل الخمسينيات يمتد من شمال العراق إلى سورية ، ولكن تم إيقافه في عام 1982 أثناء الحرب العراقية الإيرانية وقد تضرر بشكل كبير جراء الغارات الجوية خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. ومن المقدر أن تبلغ الطاقة الإجمالية لهذا الخط حوالي 1.25 مليون برميل من النفط يومياً، وهو ما يمكن أن يمثل نظرياً ما يقرب من نصف صادرات البلاد من النفط الخام قبل العقوبات. وإن مثل هذه الخطط لن تكون مطروحة أو يتم مناقشتها بشكل علني إذا لم تكن هناك ثقة في أنها ستؤتي ثمارها.

أصبح تشكل طوق النار حول “إسرائيل” واضحاً، فالحليف السعودي في ورطة عميقة،  ومصر رفضت الموافقة على أي من خطط ترامب – الناتو العربي وصفقة القرن لذا يمكننا القول: إن ساحة اللعب تحولت بشكل أساسي ضدهم. لذلك يراهن نتنياهو بكل ما لديه على ترامب الذي فشل في تحقيق ما تم الرهان عليه فقد كانت المواجهة عند كل منعطف مع خصوم صبورين ودقيقين، استطاعوا قراءة ما وراء الأحداث بشكل أفضل ولم يستجيبوا  بشكل عشوائي للاستفزازات المتكررة،  بل تركوا الأحداث تأتي إليهم وانتظروا لحظة الالتزام الزائد.