دراساتصحيفة البعث

مخالب الولايات المتحدة في كل مكان

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع ناشيونال انترست 5/9/2019
مع استمرار المفاوضات بين الولايات المتحدة وحركة طالبان، أصبح واضحاً أنه حتى في حال إبرام اتفاق، فإن انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان سيكون جزئياً، وسيتمّ تخفيض عدد القوات الموجودة حالياً من 14000 إلى 8600، مع احتمال إجراء مزيد من التخفيضات إذا تمّ التوصل إلى اتفاق نهائي، لكن عدداً كبيراً من القوات الخاصة وأجهزة المخابرات والمتعاقدين العسكريين سيبقون إلى أجل غير مسمّى.

لعلّه من باب المبالغة في التبسيط توجيه اللوم لتأثير الصقور على رغبة ترامب في الإبقاء على بصمة عسكرية أمريكية في أفغانستان، فقراره يتماشى مع ما يزيد عن سبعة عقود من السياسة الأمنية الأمريكية في جميع أنحاء العالم. إذ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والولايات المتحدة تمارس نسختها الخاصة من عقيدة بريجينيف التي تعود إلى فترة الحرب الباردة والتي نصّت على إلزام أي دولة عضو في المعسكر الشيوعي البقاء في هذا المعسكر. كان الهدف من النسخة الأمريكية أنه حالما تصبح دولة معتمدة أمنياً على الولايات المتحدة، فعليها أن تبقى معتمدة أمنياً عليها بشكل دائم، وبمجرد أن تضع واشنطن موطئ قدم عسكري لها في أي بلد فإنها لن تغادره.
اللافت للانتباه أن هذا النمط ثابت ومستمر، إذ لا تزال الولايات المتحدة تحتفظ بقوات متمركزة في أوروبا واليابان بعد فترة طويلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية. حتى بعد انهيار حلف وارسو والاتحاد السوفييتي قلّصت الولايات المتحدة من وجودها في أوروبا دون إنهائه. وعلى هذا المنوال استمرت واشنطن بنشر ما يقرب من ثلاثين ألف جندي في كوريا الجنوبية، على الرغم من أن عدد سكان هذا البلد ضعفا عدد سكان كوريا الديمقراطية واقتصاده أكبر بنحو خمسين مرة من اقتصاد كوريا الديمقراطية، ولم يعد لسياق الحرب الباردة ثنائي القطبية أدنى أهمية. حتى في الحالات النادرة التي يوافق فيها القادة الأمريكيون على إنهاء وجودها العسكري، فإن هذه الخطوة تكون على مضض. وبمجرد أن استشعر المسؤولون الأمريكيون تهديد الإرهاب وصعود القوة العسكرية للصين، استغلوا هذه المبررات لاستعادة الوجود العسكري الأمريكي.
عندما شنّت واشنطن حرب العراق في عام 2003، أكد المسؤولون الأمريكيون لسكان الشرق الأوسط المتشككين أن لا نيّة لديهم بوجود عسكري دائم في تلك المنطقة. حتى أن الرئيس جورج دبليو بوش تفاوض لإبرام اتفاق مع الحكومة الجديدة في بغداد لسحب كافة القوات الأمريكية بحلول نهاية عام 2011 على الرغم من ضغوط الصقور المكثفة للتخلي عن هذا الالتزام والتفاوض على اتفاقية مركز القوات للحفاظ على القوات الأمريكية في العراق، احترم الرئيس أوباما موعد الانسحاب، لكن واشنطن تمسّكت على الفور بتهديد “داعش” لإرسال قوات إلى البلاد، كما أصبح تنظيم “داعش” أيضاً مبرراً لدخول القوات الأمريكية إلى سورية، وعلى الرغم من إصرار إدارة ترامب على أنه تمّ هزيمة “داعش” الذي أوجدته، فلا يوجد مؤشر على انسحاب قواتها بشكل كامل في القريب العاجل، وفي أحسن الأحوال هناك تخفيضات محتملة للقوات.
لسوء الحظ، هذا هو السيناريو المحتمل لمهمة القوات الأمريكية في أفغانستان أيضاً، خاصةً وأن الولايات المتحدة لم تعد تمارس النمط القديم للإمبريالية في حروبها، كإنشاء المستعمرات واستخدام الحكم المباشر. بدلاً من ذلك، أصبحت الإمبريالية الأمريكية تمتد عبر علاقات التبعية وفرض تلك السياسة من خلال شبكة عالمية من القواعد العسكرية. ومع ذلك، فهي سياسة إمبريالية وقد أصبح الوجود العسكري الأمريكي في دول العملاء دائماً، وما أفغانستان إلا أحدث ميدان يُستخدم فيه هذا النموذج.