ثقافةصحيفة البعث

مكونات البنية الدرامية وتطورها في الشعر السوري المعاصر

 

لم تنفرد دراسة نقدية بدراسة مكونات البنية الدرامية في الشعر السوري المعاصر كما تفرد بها الكتاب الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب “مكونات البنية الدرامية وتطورها في الشعر السوري المعاصر” لمؤلفه د.جمال أبو سمرة، فضلاً عن رصد حركة تطورها عبر ردح من الزمن، مما يتيح تلمّس جوانب هذا التطور، عبر مقارنة نقدية حقيقية تمكن من استقصاء الآليات والتقنيات الدرامية التي لم تأخذ حظها من الدراسة والنقد والتحليل.
ويرجع تحديد حدود البحث بالشعر السوري المعاصر، الذي يشتمل على مدة زمنية لا يستهان بها من حيث الإنتاج الشعري الغزير، وعدد الشعراء المبرزين إلى أسباب عدة كمحاولة الإحاطة بإنتاج عدد من الشعراء الذين لم تلتفت الدراسات الأدبية والنقدية إلى نتاجاتهم الإبداعية، إذ إن مثل هذه الدراسات ظلت حكراً على إنتاج الشعراء الرواد ومن تلاهم من جيل الستينيات، كأدونيس ومحمد عمران وممدوح عدوان…، ومن هنا تبرز أهمية البحث في تقصي إنتاج هؤلاء الشعراء جنباً إلى جنب مع الشعراء الذي تلوهم من الأجيال اللاحقة وصولاً إلى جيل التسعينيات، الأمر الذي قد يؤدي للوصول إلى نتائج جديدة نطمح إليها.
إن دراسة مكونات البنية الدرامية وتطورها في الشعر المعاصر تقتصر على دراسة نتاج الشعراء في سورية بحدودها الحالية، الأمر الذي يخرج الشعراء الذين يعيشون في سورية من غير السوريين من دائرة البحث وإن كانوا ينتمون إلى سورية ولادة وثقافة. لا يحفل البحث بالنصوص الشعرية ذات البناء الغنائي الخالص، وهي كثيرة قياساً إلى القصائد الدرامية مما يضيق من دائرة هذا البحث ويعمق النظر في طبيعة بنية القصيدة ذات الاتجاه الدرامي.
إن اقتصار البحث على الشعر المعاصر من مجمل الشعر السوري يُخرج غير قليل من النتاج الشعري السوري من عباءة هذا البحث، إذا يتبنى البحث المعاصرة بمفهومها القائم على الاستجابة لمتطلبات العصر الحالي فيما يتعلق بالشعر على مستوى الفنيات والمضامين، وبناء عليه فإن اهتمام البحث ينصب على الشعر الحديث “التفعيلة- قصيدة النثر” بقيمه الفنية والرؤيوية، انطلاقاً من أنه كان الحامل الفني للتعبير الدرامي.
وقد سعى هذا البحث في محاولة حثيثة وجادة إلى تقصي التقنيات الدرامية التي وظفها الشاعر السوري المعاصر في قصيدته عبر إفراد فصل دراسي لكل تقنية درامية على حدة، فجاء البحث مكوناً من مقدمة ومدخل نظري وخمسة فصول وخاتمة، وفق الآتي: المدخل النظري: تناول فيه الكاتب المصطلحات والمفاهيم الواردة في العنوان “البنية- الدرامية- المعاصر”، كما ميز بين مصطلحي الدراما والدرامية، وحدد علاقة الشعر بالدراما، والإضاءة على مراحل تطور الشعر وصولاً إلى التعبير الدرامي.
تضمن الفصل الأول تتبع درامية الحدث عبر الكشف عن موقع الشاعر منه، إذ يمكن أن يكون الشاعر هو الراوي للحدث، ويمكن أن يستعين بأصوات أخرى يبتدعها تقوم هي برواية الحدث، وبناء عليه رصد أبو سمرة أثر ذلك في إكساب الخطاب الشعري منحى درامياً، يتواتر صعوداً وهبوطاً بحسب موقع الشاعر منه، كما رصد أنواع الحدث من حيث هو حدث بسيط أو حدث مركب والتجليات التي حضر بها كل نوع، فضلاً عن رصد الآلية التي بنى بها الشاعر السوري الحدث “الحبكة”، كل ذلك في إطار تجلية الصراع وحركة الفواعل في النص الشعري.
وتتبع الكاتب في الفصل الثاني أنماط حضور الشخصية في الشعر السوري المعاصر، ورصد أثر هذا الحضور في درامية القصيدة، من خلال تحديد موقع الشاعر من الشخصية وموقفه منها، فهو إما أن يتحدث عنها وإما يتحدث إليها، وإما أن يتحدث بلسانها فيتقنّع بها، كما تقصى في هذا الفصل تقنية القناع التي يستخدمها الشاعر بوصفها وسيلة درامية تنأى به عن الوقوع في الغنائية والمباشرة. وتناول جمال أبو سمرة في الفصل الثالث تقنية الحوار الدرامي التي وظفها الشاعر المعاصر في سبيل تظهير الدراما عبر مسرحة الأفعال والأفكار لتجلية عنصر الصراع الذي تحفل به الأحداث والشخصيات، وتم في هذا الكشف عن المستويات التي يتمظهر فيها الحوار الدرامي وآليات توظيفه في القصيدة.
وفي الفصل الرابع تقنية تعدد الأصوات في الشعر المعاصر التي رفدته بمكونات ووسائل لم تعرفها القصيدة من قبل، وتم استقصاء الكيفيات التي تجلى عبرها هذا التعدد الصوتي.
وتناول المفارقة في الفصل الخامس وأنواعها وتجلياتها في الشعر السوري ووظيفتها الدرامية فيه بوصفها تعكس الصراع الذي تمور به النفس، فضلاً عن استجلاء نوعيها الرئيسين، المفارقة اللفظية ومفارقة الموقف، وتتبع الصور والأنواع التي تتفرع عن كل منهما.
وخصصت الخاتمة للنتائج التي توصل إليها البحث، وأشار الكاتب إلى أمرين مهمين أولهما المكونات الدرامية التي تم عزل كل منها في فصل مستقل، هي مكونات شديدة التداخل فيما بينها، وعزلها عن غيرها لم يكن إلا بهدف البحث والتمحيص وإجراء الدرس النقدي وقد تم رصدها في إطار التفاعل مع المكونات الدرامية الأخرى، وبيان أثرها في البناء الدرامي ككل عبر تضافرها مع غيرها من المكونات، وثانيهما أن ترتيب هذه الفصول والعناصر الجزئية فيه، تم في إطار لحظ التطور الحاصل في استخدام هذه التقنية أو تلك، وإجراء موازنة ضمنية بين الأجيال الشعرية المتلاحقة في كل فصل ابتداءً من جيل الرواد وحتى جيل التسعينيات من حيث استخدامها المكونات الدرامية، فضلاً عن رصد استمرارية استخدام المكون الدرامي وتقنياته عند شعراء الجيل الواحد.
جمان بركات