ثقافةصحيفة البعث

الصوفية.. أعلامها وتياراتها

 

 

تحت عنوان “الصوفية.. أعلامها وتياراتها” صدر حديثاً عن دار نينوى كتاب ترجمه زياد الملا لمجموعة من المؤلفين: ج. ف ميلوسلافسكي، يو.آ .بتروسيان.م.ب ييوتروفسكي والكتاب عبارة عن موسوعة موجزة عن تاريخ التصوف وتشكله وتياراته ومدارسه وأفكاره وأعلامه .

الصوفية
جاء في مقدمة الكتاب أن ثمة فرضيات عديدة حول أصل مصطلح “الصوفية” وغالباً ما يعيد منظّرو الصوفية هذه الكلمة إلى جذر النقاء والطهارة، أما العلماء الأوروبيون فيميلون حتى بداية القرن العشرين إلى رأي مفاده أن كلمة الصوفية أصلها يوناني ومعناها “الحكمة” والرأي الشائع في هذا السياق هو وجهة النظر المعبَّر عنها من قِبل مؤلفي القرون الوسطى المسلمين التي تفيد أن الكلمة مشتقة من “الوصف” لأن رداء الصوف السميك يُعتبر منذ زمن بعيد الصفة الملازمة للزاهد، الناسك، المتصوف، ومن المحتمل أنهم كانوا يطلقون تسمية “الصوفي” منذ فترة بعيدة على الرهبان والنساك والزهاد المسيحيين الجوالين في سورية وشمال الجزيرة العربية والذين كانوا ينتمون إلى طوائف مختلفة .

الظهور والتشكل
وعن الظهور والتشكل أشار الكتاب إلى أن الأمزجة النسكية التي وصفت الأساس للتصوف ظهرت –تقريباً- في آن واحد مع الإسلام، وفي جميع الأحوال تعزيهم التقاليد والروايات إلى أبو الدرداء وأبو ذر وحذيفة (توفوا في النصف الثاني من القرن السابع) بيد أن بداية تشكل التيار النسكي-الصوفي في الإسلام يعود تقريباً إلى أواسط القرن الثامن وبداية القرن التاسع من المنحدرين من أوساط جامعي الحديث والجوالين والرواة وقارئي القرآن والمحاربين وراء الحدود مع بيزنطة والتجار الحرفيين وجزء من السكان المسيحيين الذين آمنوا بالإسلام، وفي هذا الوقت لم ينتشر مصطلحا التصوف والصوفية انتشاراً واسعاً، إذ عادة ما كانت تستخدم عوضاً عنهما كلمات مثل الزهد والنسك والتقشف والعفة .
ومن بين أسباب ظهور وتطور الاتجاهات الزهدية الصوفية أشار الكتاب إلى القلاقل والاضطرابات الاجتماعية والسياسية في القرنين الأولين من وجود الإسلام والتي ولَّدت أمزجة معينة وتعقيدات عامة في الحياة الدينية، مترافقة باستقصاءات فكرية وروحية عميقة وتأثير منظومة دينية-فلسفية أخرى .

سماتٍ أنموذجية
وحسب الكتاب كان التأمل في مغزى النص القرآني والتقيد الصارم بأسسه وأركانه وسنّة الرسول في الحياة اليومية والصلوات الإضافية كثيرة العدد والتهجد والصوم (النوافل) والانسلاخ عن كل ما هو دنيوي والتقوى في الحياة اليومية لا سيما الورع في التمييز المتناهي في الدقة بين المباح والمحظور ورفض التعاون مع السلطات الدنيوية والعسكرية والتوكل على إرادة الرب.. كان كل هذا سماتٍ نموذجية لممارسات الصوفيين المبكرين، وبدقة أكثر الزهّاد، إضافة إلى تقديس الفقر والأمزجة المرتبطة بالأخرويات والتوبة والاقتناع بنصيب الفرد في الأرض (الرضا) والصبر في تحمل الآلام والحرمان، وخلافاً للمحاكمات اللاهوتية المجردة للمعتزلة أو التقليد الأعمى لأصحاب الكلمة ولحرفية النصوص المقدسية للسلفيين فإن التعاليم الصوفية هي منذ البداية أنتروبوسينترية (الإنسان مركز الكون وغايته النهائية) فهم يتميزون بالتحليل العميق لأصغر حركات روح الإنسان والموتيفات المخفية لأفعاله والاهتمام بالمعاناة الشخصية والاستيعاب الداخلي للحقائق الدينية .

علم القلوب
وبيَّن الكتاب أنه ليس من قبيل المصادفة أن يتم اعتبار أحد مؤسسي التصوف الحسن البصري مبتكراً علم القلوب والخواطر والنيات البشرية، وقد ظهرت في آراء ومواعظ تلاميذ وأتباع الحسن البصري رياح بن عمر ورابعة العدوية والدرني (نهاية القرن الثامن وبداية القرن التاسع) موتيفات الحب النقي للرب والاشتياق السرمدي له والسعي إلى التقرب منه، وقد تحققت أثناء القرن التاسع معالجة نشيطة لنظرية التوسع وممارستها، وظهر عدد من المدارس الصوفية، والأكثر تأثيراً إلى جانب المدرسة البصرية هما البغدادية والخراسانية، وقد ظل ممثلوها كالسابق يولون جلّ اهتمامهم لحياة الصوفي الداخلية، إذ ثمة مواصفات تفصيلية لأحوالهم ومقاماتهم، وكما هي الحال في تعاليم صوفية أخرى فقد كانوا يرون في المدرسة البصرية طريقاً بحيث عندما يجتازه الصوفي يتطهر من الشناعات الدنيوية ويقترب من الرب.
تناول الكتاب تحت عنوان “أعلام” كلاً من محي الدين ابن عربي، ابن الفارض، االترمذي، الحلاج، السهروردي، الغزالي، النقشبندي، وغيرهم، مفصلاً التيارات والطرق الصوفية مثل الطريقة البدوية أو الأحمدية، التجانية، الحيدرية، القادرية، القلندرية، الشاذلية، المالاماتية، الكبروية، النقشبندية، المولوية، وغيرها .

أمينة عباس