اقتصادزواياصحيفة البعث

مرض مخملي!

 

سرعان ما يلحظ المتجول في أحياء المزة أتوستراد والمالكي والروضة وغيرها من هذه المناطق المخملية خلو نسبة كبيرة من مساكنها، لدرجة أنه ينتاب البعض شعور بأنها مهجورة!
يشي هذا المشهد بشكل أو بآخر بأن أصحابها إما أنهم مغتربون خارج القطر ولا يرتادونها إلا في بعض المواسم والأعياد الخاصة، أو أنهم يقطنون في مزارعهم المنتشرة بضواحي العاصمة وأطرافها.. ولربما (بعضهم لا يعرف ما يملك من شقق سكنية) فكثير منها مسجل بأسماء أولادهم وزوجاتهم وذوي القربى لاعتبارات تتعلق بالضريبة وما شابه!
قد يدفعنا ما سبق إلى تحميل أصحاب هذه العقارات الفاخرة مسؤولية تطرف سوقنا العقارية ولو بشكل غير مباشر، نظراً لتكريسهم –ولو بغير قصد- قاعدة (العقار هو الملاذ الآمن للحفاظ على السيولة) على اعتبار أن قسماً منهم يوظف جزءاً من أمواله في هذا المجال تخوفاً من أزمات محتملة ولو بعد حين، والقسم الآخر يحوِّل إيرادات أعماله إلى أصول عقارية فاخرة، بدلاً من توسيع استثماراته، ليصل الحال ببعض رجال أعمالنا إلى التركيز على المضاربة بالعقار على حساب الاستثمار في القطاعات الأخرى الخدمية منها والإنتاجية!
ليس هذا وحسب بل إن كثيراً ممن يملكون محاضر أو أجزاءً منها يبقونها على أمل أن ارتفاع الأسعار أكثر وأكثر، وتكون المحصلة الإخلال بمشهد قطاع أعمالنا، الذي يفضل رواده الظهور وبكامل بريستيجهم الاقتصادي والاجتماعي وكأنهم صناع اقتصادنا الوطني، في حين استثماراتهم الحقيقية تملأ الدنيا تحت مسميات أجنبية برّاقة!
يلاحظ من يسبر أغوار العقارات الفارهة وحيثيات أصولها، بأنها بمنأى عما آلت وتؤول إليه السوق العقارية، وما أصابها ويصيبها من اهتزازات، سواء خلال فترة الأزمة، أم قبلها، ما يؤكد أنها خارج إطار تجاذبات السوق العامة، وأنها تخضع لبورصة مخملية خاصة بكبار المستثمرين، ممن يعتبرون امتلاك المنزل الفخم ضرباً من البريستيج الاجتماعي، ومؤشراً يدل على مدى الملاءة المالية لدى مالكه، وليس حاجة ضرورية وملحة حسب ما هو متعارف عليه لدى بقية الفئات، وبالتالي لا يدخل في معادلة العرض والطلب في معظم الأحيان؛ لأن ملاك هذا النوع من العقارات لا يشترونها بغية المتاجرة بها وارتفاع أسعارها لاحقاً، وإنما بهدف (المباهاة) بها اجتماعياً في حفلاتهم وولائمهم الخاصة!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com