دراساتصحيفة البعث

بوتين رجل روسيا القوي

ترجمة: لمى عجاج

عن موقع “سي ان ان نيوز” 15/9/2019

صرّح وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في مؤتمرٍ صحفي في العاصمة الروسية يوم الاثنين الماضي بأنه حان الوقت لإنهاء الخلافات العميقة في حملة الغرب الاقتصادية ضد روسيا، وأن “الوقت مناسب” للمصالحة في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وموسكو.

تأتي هذه المبادرة الفرنسية  في الوقت الذي عاد فيه المشرّعون الأمريكيون إلى العمل وفي جعبتهم بعض المشاريع لفرض عقوبات ضد روسيا تشق طريقها عبر الكونغرس، لكن صنّاع السياسة والنقاد يتساءلون عن جدوى فرض المزيد من العقوبات أحادية الجانب، وهل تعدّ رد فعلٍ فعالاً ومناسباً ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين المعروف بثبات مواقفه؟. هذه العقوبات عزّزت مخاوف الساسة الأمريكيين من احتمال إلحاق الضرر بالعلاقات مع الشركاء التجاريين الأمريكيين والحلفاء، والتي كان أولها عندما أصدرت الولايات المتحدة وحلفاؤها مجموعة من العقوبات الاقتصادية في عام 2014 تهدف إلى معاقبة روسيا على ضمّ شبه جزيرة القرم، لكن بوتين تحدّى أمريكا في أوكرانيا ومنذ ذلك الوقت وحتى اليوم عمل صنّاع السياسة في موسكو على بناء حصنٍ نقدي ومالي يعطي الأولوية للاستقرار على النمو، ويعمل كدرع حماية للسيادة الروسية ودعامة لمساندة الكرملين في التغلّب على العقوبات الاقتصادية بمساعدة من التكنوقراط المهرة مثل إلفيرا نابيولينا رئيس البنك المركزي الروسي، حيث قام بوتين ببناء مؤسّسة مُصمّمة لعزل الكرملين عن الضغوط الخارجية مثل العقوبات وتعزيز قدرة الاقتصاد الروسي على التغلب على العواصف الاقتصادية المستقبلية، سواء كانت في تراجع أسعار النفط أو الركود العالمي.

قد يكون للرئيس الأمريكي دونالد ترامب علاقات شخصية حميمة مع نظيره الروسي، لكنّ التوتر ما زال سيد الموقف، فعلى الرغم من الخطاب الودي بين الرجلين فقد تصاعد التوتر مع تصاعد سباق التسلح الجديد. وفي وقت سابق من هذا الشهر قال بوتين إن روسيا سوف تقوم بتصنيع صواريخ كانت محظورة بموجب المعاهدة الروسية الأمريكية بشأن الصواريخ قصيرة المدى، وفي أواخر آب وعد الرئيس الروسي “بردّ مماثل” بعد أن أجرت الولايات المتحدة اختبارات صاروخية كانت محظورة مسبقاً. في الحقيقة طوال فترة حكم بوتين شهدت روسيا سلسلة من الأزمات الاقتصادية، بدءاً من سقوط الاتحاد السوفييتي في أوائل التسعينيات حتى الانهيار المالي في عام 1998 والركود العالمي في عام 2008، وفي الآونة الأخيرة الركود في عام 2014، حيث يقول كريستوفر ميلر الأستاذ المساعد بجامعة “تافتس” التي تركز أبحاثها على الاقتصاد الروسي: “عندما ينظر بوتين إلى التحديات الاقتصادية أعتقد أنه ينظر إلى النمو بدرجة أقل، في حين يتطلع بشكلٍ أكبر نحو تخطي الأزمات ومواجهتها”، فمنذ عام 2014 زادت روسيا احتياطياتها من العملات الأجنبية إلى 500 مليار دولار (رابع أعلى مستوى في العالم) وسدّدت ديونها الخارجية “العائمة”، أو بعبارة أخرى خفض قيمة الروبل الروسي لتعزيز القدرة التنافسية الروسية لزيادة الصادرات، وكثّفت جهودها لوقف اعتماد اقتصادها على الدولار لعزل روسيا عن النظام المالي الأمريكي وموازنة نفقات الدولة وعائداتها. كما أن لدى روسيا أيضاً سعر نفط منخفض “التعادل” يتراوح ما بين 40 و45 دولاراً للبرميل، وهو السعر الذي تحتاجه الدولة الروسية لموازنة ميزانيتها كل عام، فالنفط هو إلى حدّ بعيد أكبر صادرات البلاد وأساس خزانة الدولة. علاوة على ذلك فإن  الكرملين يعتزم إنفاق تريليونات من الروبل على “مشاريع وطنية” لتحفيز الاقتصاد. وقالت أنجيلا ستانت الأستاذة بجامعة جورج تاون المتخصّصة في الشأن الروسي ومؤلفة كتاب “عالم بوتين.. روسيا ضد الغرب ومع بقية العالم”: يتطلع الرئيس الروسي إلى بدائل سريعة -نظام الدفع المصرفي العالمي في الغرب- وتعزيز علاقات أوثق مع الصين، ومن الواضح أن الابتعاد عن النادي الاقتصادي العالمي الغربي لا يهمّه كثيراً. لذلك سيكون صنّاع السياسة والسياسيون في أوروبا والولايات المتحدة مضطرين لمناقشة أفضل الطرق للمقاربة وحلّ النزاعات مع روسيا، لأنهم لن يكونوا قادرين على تجاهل المتاريس والحصون الاقتصادية التي بناها بوتين والكرملين وفي حال استمرت الولايات المتحدة بالتعهد بالمزيد من العقوبات الأحادية دون إجماع حلفائها وشركائها.