دراساتصحيفة البعث

هل خدش بولتون غرور ترامب؟

ترجمة: هناء شروف

عن موقع الغارديان 13/9/2019

لا يمكن لأي مراقب متعقّل للشؤون الدولية أن يأسف على إعلان دونالد ترامب إقالة جون بولتون، مستشار الأمن القومي، على الرغم من إصرار الأخير على استقالته، حيث أكد بولتون بأسلوبه المميّز المحب للجدل أنه هو من استقال.

مهما كانت طريقة رحيل جون بولتون -إقالة أم استقالة- فقد أعرب الكثير من المراقبين في واشنطن، من بينهم جمهوريون بارزون، عن سعادتهم لرحيل بولتون مثلهم مثل الكثيرين حول العالم ممن سيحتفلون بهذا الحدث، فإقالته حدث سياسي نادر لاقى ترحيباً لا مثيل له حتى ممن يكرهون ترامب ويحتقرونه.

الرحيل السياسي لصقر متشدّد متهور، والذي يتحمّل المسؤولية عن قدر كبير من السياسة الأمريكية الخارجية المروعة والخاطئة في الماضي، لاقى ترحيباً منقطع النظير، فهو الذي حاول حتى اللحظات الأخيرة توجيه الرئيس للقيام بالمزيد من السياسات المتهورة، وشجّع بقوة على شنّ الإدارة الأمريكية الربيع الماضي الحرب على كوريا الديمقراطية، معتمداً على مهاراته التكتيكية التي لا جدال فيها داخل الجهاز الحكومي، إضافة إلى الطريقة التي كان ينظر فيها إلى الحلفاء والشراكات طويلة الأجل والمعاهدات الدولية التي تتفق مع الرئيس في كثير من الأحيان.

لقد ساعدت معارضته الشديدة لاتفاقات الحدّ من التسلح في تجنّب معاهدة الأسلحة النووية المتوسطة المدى، فربما تكون إقالته فرصة لتجديد الأمل الضعيف ببداية جديدة؟ وربما كانت القمة الملغاة مع طالبان في كامب ديفيد، والتي أعلن عنها ترامب بتغريدة على تويتر في نهاية الأسبوع محفزاً لخروج بولتون. ووفق ما ورد فقد استبعد الرئيس الأمريكي بولتون من الاجتماعات الرئيسية بشأن أفغانستان، حيث كان معروفاً أنه يعارض الصفقة بشدة، لكن البيت الأبيض قال إن هناك “العديد من القضايا” الخلافية بين الرجلين وليس موضوع طالبان فقط. وقد ناقش الرجلان فكرة تخفيف العقوبات المفروضة على إيران كمقدمة لطرح إمكانية عقد لقاء بين ترامب وبين الرئيس الإيراني حسن روحاني على هامش حضوره أعمال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقرّرة في نيويورك، وهذا ما عارضه بولتون باندفاع وقوة، مما أدى إلى إصدار قرار إقالته في اليوم التالي. كذلك أكدت شبكة بلومبيرغ الإخبارية الأمريكية أن إقالة بولتون جاءت بعد خلافات عميقة مع ترامب حول رغبة الأخير في إحراز انتصارات دبلوماسية سريعة عبر عقد لقاءات مع روحاني وقادة طالبان ومعارضين آخرين للولايات المتحدة.

على أية حال، يُنظر إلى إقالة بولتون في الولايات المتحدة على أنها خطوة تمهّد الطريق نحو بداية لمرحلة جديدة من السياسات التصالحية مع معارضي الولايات المتحدة قبيل بدء السنة القادمة وهي سنة الانتخابات الأمريكية، حيث يسعى ترامب إلى تدشين حملته الانتخابية بالتركيز على أنه رجل صفقات دبلوماسية أكثر من كونه رجل حروب. لكن مهما كان الترحيب برحيل بولتون، فإن من يخلفه قد لا يكون أفضل منه. ربما لا يجب الترحيب بالأسلوب الفوضوي المفكك الذي تنتهجه الإدارة الأمريكية، التي يبتهج رئيسها بالانقسامات والتحزبات بين طاقمه والتي تسمح له بالحكم وفقاً لأهوائه وغروره.

ربما كان مستشار الأمن القومي جون بولتون هو الأكثر شراسة بين الأصوات التي تحثّ السيد ترامب على زيادة الضغط على إيران، والهجوم على كوريا الديمقراطية، وإلغاء مباحثاته مع طالبان، وبالمحصلة التشجيع على السياسات العدوانية في العالم، لكنه بالتأكيد لم يكن وحده. وأخيراً من المحتمل أن يكون بولتون قد أقيل لأنه خدش غرور ترامب، وليس لأنه كان غير كفء.