اقتصادصحيفة البعث

ما زال يواجه الكثير من المعوقات الطاقات المتجددة قطاع استراتيجي لتعويض النقص والهدر في الطاقة التقليدية

 

 

لا يزال الاستثمار في قطاع الطاقات المتجددة محدوداً -إن لم نقل خجولاً- ويواجه الكثير من المعوقات على الرغم من تطور التقنيات العلمية الهادفة إلى استثمارها ووضعها موضع التنفيذ، إلى جانب ارتفاع عوائد الاستثمار في هذا القطاع الحيوي بكافة دول العالم لما يشكله من خيارٍ استراتيجي لتعويض الهدر والنقص الهائل في مكامن الطاقات التقليدية، إلا أنه لا يزال في طور المراحل الأولى في سورية؛ فلا تزال تطبيقاته محدودة على بعض التطبيقات، كتسخين المياه والإنارة رغم الحصار الاقتصادي الذي أدى إلى اختناقات في سبيل تأمين حوامل الطاقة بالتوازي مع ظهور أزمات معيشية صعبة جراء ذلك.

هدر مثبت
على الرغم من أن الاستثمار في الطاقات المتجددة هو خيار استراتيجي هام، وتتصدر أولويات اقتصادات دول العالم لمواجهة تحديات المستقبل كونه يمثل رصيداً متاحاً ومجانياً يضخ لزيادة الإنتاجية وتلبية الاحتياجات التنموية للدولة وسد احتياجات المواطنين، إلا أنه لم يتصدر الأولويات في السياسات الحكومية الحالية، فهل يبقى استثمار الطاقات المتجددة خارج الخطط والتطبيق بالشكل الأمثل، ومتابعة هدر تكاليف مالية على الطاقة التقليدية..؟!
في هذا السياق بين الخبير الاقتصادي في مجال الطاقة الدكتور زياد عربش أن إعادة تأسيس البنية التحتية يشكل تحدياً هاماً أمام الحكومة للاستثمار الأمثل للطاقات المتجددة، ولاسيما أن لدينا توازنات غير مستدامة في مجال الطاقة منذ سنوات ما قبل الأزمة، وبالتالي يجب أن تكون البداية معالجة اختلالات ما قبل الأزمة وخلالها، ومن ثَم التوجه إلى المستقبل. فعلى سبيل المثال الفاقد في مجال الكهرباء في الفترة السابقة للأزمة بلغ نحو 25%، في حين ارتفع اليوم إلى 50% تقريباً، وبالتالي يجب التخلي عن آلية التفكير الحالية بإدارة الموارد التقليدية والتوجه إلى الاستثمار في الطاقات المتجددة، وإن كانت في البداية بتكاليف عالية إلا أنها تحصد نتائج مباشرة وغير مباشرة أكبر من العوائد المالية، وتحقق عوائد مالية مستدامة وعالية بعد وضعها في التطبيق.
وأكد عربش أنه بالرغم من أن إنتاج الطاقة الكهربائية من خلال الطاقة الشمسية مكلف قياساً بإنتاجها من الفيول أو الغاز، إلا أن الاستثمار في الطاقات المتجددة بالرغم من تكاليفها الأولية الهائلة، لكنها تدفع لمرة واحدة فقط، كونها لا تستلزم فيما بعد تكاليف تجديد أو صيانة التي تدفع دورياً وتستنزف الأموال في الطاقة التقليدية، وعلى سبيل المثال بين عربش أن التكلفة اليومية لإنتاج الطاقة التقليدية تقارب يومياً 1.200 مليون دولار للنفط، وتُستهلك دون ناتج محلي موازٍ لهذا الاستهلاك، وبالتالي هناك هدر طاقي ومالي كبير، فازدياد عدد السيارات يتطلب استهلاك كميات أكبر من مادة البنزين دون إنتاج ودون كفاءة في الاستخدام.

تأكيد وإثبات
لاشك أن الأرقام الهائلة التي تصرف في إطار الدعم والتي تقارب 800 مليون دولار لقطاع الكهرباء كفيلة بإقامة مشاريع طاقات شمسية توفر هذا الهدر وتعوضه في السنوات القادمة، وبالتالي يجب دعم الكفاءات المحلية والخبرات العلمية بشكل مباشر لإقامة هذه المشاريع وتطبيقها، بالإضافة إلى ما تحمله من فوائد جمة، أولها التوفير المادي وتشغيل اليد العاملة، والاستفادة من الطاقات المتجددة المتوفرة في البلد، فالمتر المربع في سورية يستقبل من الطاقة الشمسية ما يقارب احتراق برميل نفط، أي بقيمة 100 دولار بحسب ما أكده عربش؛ لذلك المرحلة تقتضي الانتقال من الحلول الإسعافية إلى الحلول المستدامة بسرعة قصوى، والقضاء على الاستنزاف الطاقي الحالي بإعادة تنظيم البيئة الناظمة وتطبيق الحوكمة لتشجيع الانتقال إلى الاستثمار في هذا المجال، وتشجيع القطاع الخاص للمساهمة فيه.

تطبيقات أولية
تعتبر الطاقات المتجددة ركيزة اقتصادية جديدة، ويتم استعمالها في المجال الزراعي، الصناعي، التجاري، العسكري والمنزلي، ولكن تكاليف التأسيس المالية العالية تشكل عثرة في مسار التطبيق بحسب نائب مدير مركز بحوث الطاقة الدكتور سنجار طعمة، إلا أنه يمثل خياراً مهماً ورخيصاً بالنسبة للتفكير الاقتصادي الصحيح، وغير مكلف مقارنة مع غيره من مصادر الطاقة التقليدية، ولكن من عيوبه عدم ديمومته كون الكثير من المشاريع الاقتصادية تتطلب طاقة على مدار اليوم، وبالتالي تكمن الإشكالية في تفعيل أنظمة التخزين المكلفة والتي تتطلب تكاليف استثمارية كل عدة سنوات، ومنه اتجه المركز إلى تطبيقات الإنارة من الطاقة الشمسية للمؤسسات الحكومية، والفائض يضاف إلى الشبكة السورية للكهرباء، وبين أن التوجه إلى القطاع العام كونه تم تخصيص ميزانية لهذا الغرض، وتم تنفيذ بعض المشاريع كباكورة لنشر هذه التطبيقات ونقل المعرفة والخبرة اللازمة لها، وتشجيع كافة القطاعات على الانضمام إلى هذه المنظومة. ولفت إلى بعض المشاريع المنفذة مع وزارة الزراعة و الإصلاح الزراعي لضخ المياه، وهي مشاريع لا تحتاج إلى تخزين، بالإضافة إلى مشاريع تسخين المياه ومشاريع التبريد بالطاقة الشمسية التي لا تزال مكلفة، ولكن لها مزايا اقتصادية وديمومتها عالية.
وبين أن المركز عمد إلى تنفيذ مشاريع ريادية للتوسع باستثمارات الطاقات المتجددة، ولكن ظروف الأزمة حالت دون ذلك لاحتياجها لمساحات واسعة وآمنة، وبالرغم من هذه الظروف هناك استثمارات للقطاع الخاص، وأصدرت عدة قرارات لتعرفة استجرار الكهرباء من استثمارات القطاع الخاص، وكشف سنجار أن القرار وحد التعرفة وحددها بـ8.5 سنتات للكيلو واط الساعي، وهي تعرفة مشجعة برأيه، وبين أن الكهرباء تكلف الحكومة 65 ليرة سورية للوقود التقليدي، بينما تستجر من مشاريع الطاقات المتجددة بـ37 ليرة، كما أن هناك مشاريع في القطاع الخاص باستطاعة إجمالية تبلغ 10 ميغا واط، منها 62 مشروعاً مرخصاً، و22 مشروعاً قيد الترخيص، وهناك مشاريع مرخصة على المستوى الوطني وهناك الكثير من المشاريع العديدة، وتعمل منذ زمن واستطاعتها تقارب 18 ميغا واط.

إشكاليات متجذرة
ولفت سنجار إلى إشكاليات الاستثمار التي تتمثل بعدم وجود الأماكن الآمنة وتقلب سعر الصرف، إلا أن البيئة التشريعية مشجعة وتتميز بالمرونة وتتناسب مع طبيعة المشاريع المزمع إقامتها، وتعالج المشاكل الطارئة التي تصادف المستثمر في مراحل مشروعه، لكن الإشكالية الأكبر بحسب رأيه تتمثل بوجود الكهرباء الرخيصة وثقافة الاستهلاك العامة التي تتجه للاستهلاك غير المدروس، ويلزمها توعية بقيمة الطاقة المتاحة وإرشاد المواطنين إلى سلوكيات مرشدة للطاقة، ونشر ثقافة الترشيد إلى جانب تركيب أنظمة طاقة شمسية تخفف من استهلاكها، بالإضافة إلى رفع الكفاءة باستبدال الأنظمة الموجودة بأدوات كفوءة طاقية.
فاتن شنان