زواياصحيفة البعثمحليات

معضلةُ الرّواتب.. ورفع الدّعم..!

 

في لقائه أعضاء مجلس الاتّحاد العام للعمّال أكّد رئيس مجلس الوزراء: “أنّ الحكومة على قناعة تامّة بأنّ الدّخل الحالي لا يكفي المواطن، وأنّ الرّواتب قليلة ولا تقاس بتكاليف المعيشة، لكن طريقة حلّ هذه المعضلة تكمن في زيادة الإنتاج” مستطرداً:
“ولو تمّ الآن إلغاء الدّعم فإن ذلك يمكن أن يوفّر زيادة في الرّواتب تصل إلى 200 ألف ليرة شهرياً للموظّف، ولو تمّ التّمويل بالعجز أو الاعتماد على سندات الخزينة، فلن تُحلّ مشكلة الدّخل لأكثر من 3 أشهر، وبعدها سترتفع الأسعار”. متسائلاً: ” إن كان هذا هو المطلوب على الصّعيد الوطني؟ ونحن ندرك أن الواقع المعيشي صعب جداً، وحتّى لو كان هناك القليل من الفساد”..! إذاً لم يُخفِ رئيس الحكومة إشكاليّتها إذ وصّفها بأنّها: “معضلة”..!
وبالعطف على “اللازمة” المتكرّرة والمستمرة لوزير ماليتنا في خضمّ سرده لمآثر الحكومة ومناقبيّتها؛ وفحواها أنّ الحكومة تدفع كلّ صباح 4 مليارات ليرة لدعم الخبز والكهرباء والمشتقّات النفطيّة؛ ما يعني وبحسبةٍ بسيطة: أنّ مبلغ الدّعم يلامس ما نسبته نحو 45% من الموازنة العامة؛ يغدو من المشروعيّة بمكان السّؤال: هل من العدالة توزيع الدّعم بهذه الطّريقة المُجحفة: “من يستهلك طاقة ومشتقات أكثر؛ يحظى بدعم أكبر”!؟ أي إنّ جُلّ هذا الدّعم يذهب لجيوب كبار مستهلكي حوامل الطاقة بأنواعها.!؟
وكيف يستوي في هذا الدّعم ذوو الدّخل المحدود بذوي الدّخل المفتوح من أصحاب مهنٍ حرّة يواكبون بأجورهم لحظيّاً سعر الصّرف.؟ في حين بات فيه الدّخل اليومي في كثير من هذه المهن يزيد على الرّاتب الشهري لذوي الدّخل المحدود..!
ليخلُص المزاج العامّ إلى ما مفاده: بما أنّ الدّعم تعبيرٌ عن “أبويّة” الدّولة؛ فإلغاؤه خيرٌ من توزيعه بشكلٍ ظالم ومُشوّه لصورة الأب (الدّولة)..!
ومن الطّبيعيّ: تشبّث الشّريحة الأضيق، والأكثر استفادةً من هذا الدّعم به، تخوّفاً من رحيله، وعدم تهليلها بإعادة توزيعه على الجميع وبعدالة..!
وإذا ما علمنا أنّ الدّعم الحكوميّ في القواميس الاقتصادية: يهدف إلى التّصدي لخللٍ آنيّ، في قطاع ما، وتمكين الفئات الأقل دخلاً من الحصول على السّلع والخدمات الأساسيّة عبر خفض أسعارها وفقَ آلية تقوم على تسديد خزينة الدّولة للفارق بين السّعر الحقيقي للمنتج أو الخدمة، وبين السّعر الذي يُحدد تماشياً مع مستويات الدّخل الدّنيا، وهو ما يُسمى بالدّعم المباشر، وأنّ الدّعم ليس هدفاً لذاته، وإنّما هو آلية لحفظ التّوازنات الاجتماعيّة كمدخلٍ أوليّ إلى تقليص الفوارق في الدّخل، بما يمكّن من الانتعاش الاقتصادي الشّامل، والمقاربة بين مستويات الدّخل؛ عبر تمكين الفئات الأقلّ دخلاً من الحصول على السّلع والخدمات الأساسيّة من خلال خفض أسعارها.
يغدو من السّهل إدراك حجم الانحرافات والانزياحات الهائلة بين النّظريّة والتّطبيق، وبالتّالي كمّ الصّعوبات والمعوّقات التي تحول دون العودة به إلى السّمت الصّحيح: بإلغائه أو حتى تصويب مساره، بينما يعضّ عليه كبار المستفيدين منه بالنّواجذ، ويتشبثون به بكلّ ما أوتوا من تشابك مصالح وقوّة نفوذ..!؟
وفي المحصلة، نجد أنَّ النّسبة الكبرى من مخصّصات الدّعم تذهب لصالح الفئات الأقلّ حاجة إليها. وقد استبدَّ هذا الإشكال تحديداً باهتمام أصحاب القرار في عدد لا بأس به من الدّول التي قامت بإصلاح صناديق الدّعم الحكوميّة لديها، وحلّت الإشكال بإعداد لوائح على قاعدة الرّقم الوطنيّ مكَّنت من تحديد المستفيدين بالأسماء، وتزويدهم ببطاقات إلكترونيّة يُقدمونها عند شرائهم السّلع المدعومة. فيما عمدت بلدان أخرى إلى حلّ مؤقت عبر فرض تعويضات على المستهلكين الكبار للسّلع الاستهلاكيّة الأساسيّة. بينما لجأت بعض الدّول إلى نظام المُقايسة وتسعير السّلعة وفقاً لتقلّبات السّوق الدّولية برفع الدّعم الحكومي عن حوامل الطّاقة.
والحال أنّ أهل الاقتصاد يُجمعون على أنَّ الدّعم الحكوميّ ولاسيّما المباشر والمستمر منه؛ يُفترض أن يكون مرحلة انتقاليّة تنتهي برفعه، تمكيناً لفتح آفاق انتعاش الاقتصاد الكلّي، وأنّ زيادة الرّواتب والأجور وما يتمخّض عنها من زيادة في حجم الإنفاق العام، باتت خياراً مُلحّاً، يجوز -وفق اقتصاديّين- اللّجوء إليه والاعتماد عليه، من خلال تنفيذ حزمة سياسات وإجراءات هيكليّة، ديدنُها تحفيز العملية الإنتاجية وتطويرها، على التوازي مع تمكين الخزينة والموازنة العامة السّنوية من مطارحها الضّريبيّة، كمدخل أساس لتلمّس المعالجة الناجعة للمشكلة..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com