الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

بوابة الشغف

 

سلوى عباس
تندلع الأغاني على السهوب ، تلونها وتراقص في الأرجاء طيوبها.. تمتد الغبطة كالنور على كل المساحات تزين زهور الجنائن الشوارع والبيوت، ويلفح الضوء ليالي العتمة المديدة، فعلى امتداد الزمن يعود التاريخ إلينا كل عام ليروي للأجيال حكايات لا تنتهي عن سورية التي يرتسم المجد على جبهتها عبر احتفالات كثيرة اعتاد الناس أن يضبطوا نبض أرواحهم على موعدها مع كل صيف، فما إن أسدل معرض دمشق الدولي ستائره منذ أيام حتى بدأت فعاليات معرض الكتاب الدولي الذي اعتاد الناس عليه في موعده الدائم والذي اقترن اسم مكتبة الأسد به، إذ تزامن افتتاحها عام 1984، مع انطلاق الدورة الأولى من المعرض، وأصبحت المكان الذي يحتضن خزائن التاريخ المتوالد عبر العصور، وإذا توقفنا عند الشعارات التي تطرح في كل دورة من دورات المعرض نرى أنها جميعها تصب في مجرى الارتقاء بالإنسان عبر الكتاب، وفي هذا العام كما كل عام كانت واضحة الجهود التي بذلها القائمون على إغناء المعرض بالعناوين الجديدة والمهمة عبر دور نشر محلية وعربية ودولية، وتقديم إضافات وقيم للفعاليات التي تقام على هامشه وتنوعها بين ندوات فكرية وأدبية وفنية وأفلام سينمائية بما يلبي حاجات كل الشرائح ولتحقق شعار المعرض في التنوير وبناء العقل، إضافة لحفلات توقيع الكتب لعدد كبير من الكتاب والتي تعبّر عن تنامي عملية النشر وتشكل حالة احتفائية بالكتاب.
والزائر للمعرض يلحظ الاهتمام بكتب الأطفال انطلاقاً من فكرة أن الكتاب هو القنديل الذي يقودها للغد، وتوفر الكتب للأعمار كافة مثل الكتب المخصصة لأعمار دون الخمس سنوات كالألعاب والأدوات التعليمية المبسطة التي تناسب هذا المستوى العمري، وتنافس دور النشر لتقديم كتب تخاطب اهتمامات الأطفال بما يجعلهم على علاقة قوية مع الكتاب إضافة إلى الاهتمام بدور الشباب وتخصيص جناح للناشرين الشباب يتيح لهم الفرصة لنشر كتبهم، فلا أحد يمكنه أن ينفي أهمية الكتاب كمنبت أول للمعرفة، وكل الأسباب التي يمكن أن تشير إلى أزمة القراءة والانصراف عن الكتاب، يبقى هناك قارئ حقيقي متتبع للكتب مؤمن بمتعة القراءة رغم التقنيات المتوفرة، وأن القراءة تمثل ظاهرة حضارية، وما يعيشه الكتاب الآن هو جزء من هذه الأزمة الحضارية الشاملة، لكن الأهم هو المستقبل فلا بد من العمل على تشكيل جيل جديد يُدرب على ثقافة القراءة وحرفيتها يتذوقها ويحس بمتعتها وصولاً إلى إدراك قيمتها العظيمة وهذا الجيل سينقلها إلى الأجيال الأخرى. ليبقى الكتاب الرافد الأهم لأية ثقافة، وأزمة الكتاب لم تصل إلى أفق مسدود لا يمكن حله، بل إن الكتاب موجود شرط البحث عنه وطلبه، وما نراه من إقبال على معارض الكتاب سواء معرض مكتبة الأسد أم المعارض التي تقيمها دور النشر بالتعاون مع وزارة الثقافة خلال العام يؤكد حضور الكتاب، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مصداقية الكتاب وأهميته، إذ لا يمكن للعولمة مهما تعددت وسائلها أن تلغي المتعة والحميمية التي يوفرها الكتاب، ومن الضروري أن تشكل معارض الكتاب طقساً دائماً ومستمراً ليبقى الكتاب بناء للعقل وخير جليس للناس.
هذه هي سورية التي ترسم أحلامنا، ويدخل اسمها في وقع أيامنا من بوابة الشغف، لتفتح قلوبنا على الحياة، وحالما نغلق جفوننا عليها ينهمر المطر، فتجلي النهارات وتورق الليالي، ويميل الكلام عن اللغو وتزهر الحروف ويضوع بعطره الصمت، ليحضر قول سعيد عقل في معرض الكتاب وغيره من الأمسيات الثقافية والفعاليات:
أيّامَ عاصمة الدنيا هنا ربطت
بعزمتَيْ أمويٍّ عزمة الحِقَبِ
هذي لها النصر لا أبهى فما هُزِمَتْ
وإن تَهدَّدها دهرٌ مِنَ النُّوَبِ.