ثقافةصحيفة البعث

حكاية الجن..”مجرد كلام”!

 

 

مع أن (راوية) القرية الرابضة على وجع احتلالها منذ الخامس من حزيران 1967 وإلى الآن تحتل الغاية والهدف من (مجرد كلام) للأديب أحمد علي محمد ابن تلك القرية، إلا أن فضح وتعرية المخدوعين بحكايات الجن أخذ حيزا كبيرا، ربما استشعارا من خطر هذا الركون إلى الجن في تفسير حالات معينة تبدو غريبة عن نمط حياتنا ومدركاتنا، ففي قصة القرين وقد أخذت الصفحات 75 إلى 102 أي أنها قصة طويلة وتكاد أن تكون فصلا من رواية، في هذه القصة وبطلتها التي روتها طالبة جامعية عمانية شهدت بأم عينها نجاحات مرعبة للجن وقد تمثل لها بصورة شيخ كبير يقود سيارة ويسعف أباها الذي كانت تنتظره في منطقة خالية، وكذلك تمكنه من منع سالم ابن عمها من أن يتمم زفافهما، ما يعني أو يوحي أن القاص وهو من شخصيات القصة لا يكذب أو ينفي تفاصيل الحدث أو يعلله تعليلا يقترب من إدراكه وإدراك طالبته التي استأذنت قرينها بإخباره.
المهم عندي أن الجولان كان حاضرا في المجموعة القصصية الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب هذا العام، حاضرا بقراه التي تعرضت للعدوان الإسرائيلي وللاحتلال وربما التدمير الكلي، وحاضرا بحميدة بطلة القصة الأولى في المجموعة والتي جعلها الكاتب الضحية لجمالها مثلما كانت الجولان ضحية لبهاء حالها وجمال مناخها وأهمية موقعها، وخصوبة تربتها، ولكونها الخزان المائي المتدفق من أعالي جبل الشيخ وصولا إلى طبريا.
ضلت حميدة التي فقدت أباها والراعي الذي أوصاه أبوها بالبقاء معه، ضلت دربها ومازالت تنتظر عودتها إلى (راوية).
ومن الجان وما علق في أذهان المصدقين به، وبقدراته إلى الخاتم السحري الذي زعمت المستخدمة أنه قادر على تغطية عيون المدير وشل قدرته على مراقبة الامتحانات، وتهديدها له بأنها ستفسد تلك الامتحانات ما لم يعف أي المدير عن طالب انتهك قواعد الامتحان، مدعية أن الرحمة أفضل من العدل، وحين طالبها بتطبيق الأمر أو القاعدة ذاتها على خاتمها بحيث تعطيه لزوجها ليتمتع بالنساء رفضت.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل ترى فيه مسعورا لأن كلبا قد عضّه في طفولته، وظل تأثير ذلك قائما في ترويج للخرافة مشابه لما عليه الحال في قصة عين راوية، وتأثيرها السحري على النساء دون الرجال، بحيث تتلبسهن مياه النبع فينجبن، لأن ماء النبع ذكرا وليس أنثى، وكيف أن رجال القرية لا يحبون النبع ولا يرتاحون له. في “مجرد كلام” قصص أخرى تستحق التوقف عندها ليس لأنها امتلكت لغة سردية قريبة من لغة الرواية بل لما حملته من جديد كقصة نابليون ص 21 وأسباب تراجعه عن حصار عكا في قراءة جديدة لحدث تاريخي أعتقد أنه أخذ ما يستحق من اهتمام، ففي هذه القصة حديث مدرس تاريخ وما يعانيه من ضيق معيشي فاضح، لكنه يرى المشكلة بأن الدروس التي كان يعطيها لطلابه ليست ذات جدوى بعدما سخر منه تلميذه السابق أجير الفران ومما كان يعطيه من علم هازئا: أي تاريخ هذا وهل يطعم التاريخ يطعم خبزا؟
أما الموظفة التي تتدبر له راتبه التقاعدي فتسخر من قراءته للتاريخ ومن معلوماته عن نابليون الذي كان يراه قائدا عظيما حقق الانتصارات ولم يذق طعم الهزيمة وأن تراجعه عن حصار عكا كان لمعالجة أوضاع داخلية في بلاده فتقول له: نابليون كان أضحوكة وأنه تراجع وعاد إلى بلاده بسبب زوجته.
“مجرد كلام” عنوان المجموعة وليس عنوان قصة كما جرت العادة بحيث يختار الكاتب أفضل قصة من قصص مجموعته فتصير عنوانا للمجموعة ككل، ربما أراد الكاتب أن يتحاشى ملاحظات النقاد من زملائه حول التجنيس الأدبي لهذه النصوص والقصص الخمسة عشر نصا وقصة ومجرد سؤال فجعلها مجرد كلام، لكنه عندي كلام يستحق القراءة وبكثير من الاحتفاء.

رياض طبرة