تحقيقاتصحيفة البعث

مع انتهاء الموسم السياحي شواطىء طرطوس.. تراكم بالقرارات والإجراءات وابتعاد عن التنفيذ ومسلسل الخطط مستمر

 

مسافة قصيرة كانت تفصلنا عن الشاطىء البحري في محافظة طرطوس قبل أن يستوقفنا شاب عشريني، ويسأل بنبرة التائه عن الطريق المؤدي إلى البحر، لم يكن السؤال المفاجىء مزاحاً، ولم يكن الشاب كذلك غريباً عن المحافظة، فهو ابن إحدى القرى الجبلية البعيدة نسبياً عن البحر، لكن ظروفه وصعوبة المواصلات بالنسبة له لم تسمح بالتعرف على المياه الزرقاء مسبقاً، والمؤكد أن سؤالاً كهذا يترك لنا مؤشراً حزيناً مع انتهاء الموسم السياحي عن واقع سياحة خجول ساهمت في ترسيخه ظروف الحرب، والواقع الاقتصادي السيىء، وظروف التنقل الصعبة حتى ضمن المحافظة الواحدة، وكذلك غياب الكثير من الخدمات المطلوبة لتمكين السياحة الشعبية، على الرغم من كل ما قيل عن خطوات وإجراءات اتخذت مع بداية الموسم السياحي.

درس سباحة
رغم ذلك تبدو السياحة الشعبية متنفساً للكثيرين بأشكال وطرق مختلفة، ساعات الفجر الأولى توقيت مناسب تماماً لدرس سباحة صباحي يمكن أن تمضي إليه برفقة بعض الأصدقاء أو الأقارب، ممتلئاً بهمة عالية ونشاط شديد، فتعبر من شوارع مدينة طرطوس الهادئة، وزواريبها الضيقة إلى “كورنيشها” البحري، هناك ستشهد حركة خجولة لبعض الأشخاص الذين تستهويهم رياضة الركض أو الجري برفقة صدى الأمواج، ومنظر البحر الجميل في تلك الساعة.
تكمل المسير لتدخل عمق المكسر البحري، وعلى بعض الصخور المتراصة تودع ما لا تحتاجه من ملابسك، ثم تمضي عبر شاطىء رملي بسيط شكّلته حركة الأمواج المتعاقبة لسنوات منذ انتهى العمل بالكورنيش، أخيراً تسلّم نفسك برضى إلى مياه البحر الهادئة، فتحتضنك أمواج لطيفة، باردة قليلاً، تزيل عنك كل تعب وهم، وتخفف من عبء الرطوبة العالية والحرارة الشديدة التي يعرفها جيداً سكان المدينة في مثل هذا التوقيت من العام، حيث أصبحت السباحة عند معظمهم طقساً لابد منه ونشاطاً شعبياً درج في ذلك الموقع للكثير من سكان عروس الساحل السوري.

طقس اجتماعي
وبخلاف منظر الكورنيش الذي يشهد حركة خفيفة، فالصورة في المياه مختلفة تماماً، وأعداد السكان الهاربين من موجات الحر والرطوبة كثيرة، يبدو المشهد للمراقب أشبه بطقس اجتماعي يجمع فئات مختلفة من سكان المدينة صباحاً، فتشاهد المدرّس، والطبيب، والمهندس، وبعض الطلاب الجامعيين، وفئة لابأس بها من المتقاعدين، وسواهم من فئات المجتمع الأخرى، الملفت أن معظم من كان هناك يحفظون وجوه بعضهم البعض، ويتبادلون تحية الصباح، وطقوس “البريستيج” الاجتماعي (صباح الخير يا أستاذ.. أهلا بالمعلم)، الجميع يستمتعون بالرياضة التي اعتادوا عليها يومياً قبل أن يمضوا إلى أعمالهم حين ينقضي وقت السباحة الجميل.
يوضح المهندس عبد السلام أحد الأصدقاء الذين كنا برفقتهم: طرطوس مدينة صغيرة، ومعظم منازلها قريبة نسبياً من البحر، لذا يمكن لأعداد كثيرة من السكان أن يمارسوا هذا النشاط، والرياضة الصباحية المجانية التي تتطلب فقط مقداراً عالياً من الهمة والإرادة للاستيقاظ المبكر، ويؤكد عبد السلام أنه اعتاد السباحة بشكل شبه يومي ابتداء من شهر آذار وحتى أوقات متأخرة من شهر تشرين الأول.
تبدأ الشمس بالارتفاع تدريجياً، تغادر المياه وأنت في شوق إليها، ربع ساعة إضافية مطلوبة لتجفف نفسك في الهواء الطلق بعد أن تغسل رأسك فقط بمياه حلوة ونظيفة، تشير الساعة إلى السابعة والنصف إلا خمس دقائق، موعد المغادرة إلى نقطة الانطلاق في أحد البيوت الشعبية لطرطوس التي تختفي خلف الواجهة البحرية، هناك يمكن أن تحظى بدوش سريع قبل أن تستكمل الروتين اليومي، وتنطلق إلى عملك كما يفعل من اعتاد هذا النشاط من سكان مدينة طرطوس.

غير مخصص للسباحة
الملفت أن فئة كبيرة من سكان المدينة باتوا لا يعبؤون باللافتات المنتشرة على طول الكورنيش، والتي تشير إلى أن المكان غير مخصص للسباحة، ومعظم من سألناهم من الأصدقاء والسكان يبرّرون بأن ارتياد البحر بهذه الطريقة هو الحل الوحيد بالنسبة لهم لارتفاع أجور الشاليهات، وابتعاد الشاطىء المفتوح الذي خصصته المحافظة هذا العام عن المدينة، وبالنسبة لهم فمنازلهم قريبة من البحر، وإتقان السباحة من الأمور البديهية التي ينبغي عدم سؤالهم عنها، مع التذكير بأن الكورنيش توجد فيه بعض النقاط الطبية للمسعفين والمنقذين للتدخل في الحالات الضرورية، لكن التوضيحات الأخرى والأسباب الإضافية التي قدمت إلينا بشأن هذه التحذيرات أن منطقة الكورنيش والمكسر البحري منطقة خطرة تحتوي على صخور، وهي أيضاً مصب صرف صحي، وترتفع فيها نسبة المياه الملوثة والآسنة، لذلك ينبغي بشكل قاطع تجنّب السباحة هناك، لكن تبرير هذه الإشكالية حاضر أيضاً بالنسبة للسكان، فهم يعرفون أقل الأماكن تلوثاً التي يمكنك السباحة فيها دون أية مخاطر أو إشكاليات كما يقولون، حيث يوضح البعض أن البحر صباحاً يكون في حالة تجدّد وتنظيف، ولعل التفسير الأكثر منطقية الذي لمسناه لتحوّل هذه المنطقة من الكورنيش إلى منطقة سباحة شعبية هو قربها من المدينة، إضافة إلى الحالة المادية المتردية لمعظم السكان، وعدم تحمّلهم أعباء الحصول على سيارات أجرة لمناطق الشاليهات القريبة التي ترتفع أجورها أيضاً بشكل جنوني هذا العام.
شواطىء مفتوحة
وبالعودة لمديرية السياحة بيّن يزن الشيخ مدير السياحة في المحافظة نشاط المديرية خلال الموسم السياحي، وردّ على معظم التساؤلات المتعلقة بحالة النشاط السياحي خلال هذا العام، حيث تحدث عن شاطىء الكرنك السياحي الذي تم افتتاحه هذا العام من قبل مجلس مدينة طرطوس مع بداية الموسم، كما هو مخطط زمنياً له، مع العلم أنه تمت إضافة عدة فعاليات إليه مثل مطعم شاطئي، وملاعب كرة قدم عدد 3، إضافة إلى افتتاح موقعين للسياحة الشعبية الشاطئية في منطقة شاطىء الأحلام بجانب البلو باي.
وفيما يخص عمل مديرية السياحة بطرطوس لصيف هذا العام، أوضح الشيخ أن موضوع الرقابة السياحية الدائمة والمستمرة على المنشآت السياحية أتى بالدرجة الأولى للتأكد من الواقع الخدمي السياحي فيها، وجودة الخدمات السياحية المقدمة، والالتزام بآلية تقاضي الأسعار المعتمدة من وزارة السياحة، سواء في المطاعم أو الفنادق، كما بيّن عدداً من الأنشطة التي تم تنفيذ بعضها، والتحضير لبعضها الآخر هذا العام، مثل إقامة مهرجان التراث السوري في شهر نيسان بالتعاون مع اتحاد الحرفيين في مدينة طرطوس القديمة، والمشاركة مع محافظة طرطوس بمهرجان المغتربين في صافيتا، وتم التنسيق مع مجلس مدينة الدريكيش، ومجلس مدينة القدموس لإقامة فعاليات سياحية في كلتا المنطقتين هذا الموسم.

مشاريع جديدة
وفيما يخص أهم المشروعات المتوقع دخولها حيز الاستثمار السياحي هذا العام، بيّن مدير السياحة دخول جزء من مشروع شاهين السياحي قيد الاستثمار الجزئي التجريبي، مع العلم أن المشروع من سوية أربع نجوم، ويضم قسمين: (استثماري وتنظيمي)، وهو عبارة عن قرية سياحية متكاملة الخدمات السياحية، والتجارية، والخدمية، والترفيهية على شاطىء البحر مباشرة جنوب طرطوس في منطقة الهيشة، وأكد الشيخ أن المشاريع السياحية التي يتم العمل فيها هذا العام تتجاوز قيمتها مليارات الليرات السورية، وحول الحجوزات الفندقية هذا الموسم بيّن الشيخ أنها جيدة وتتجاوز الـ 60% في غالبية المنشآت السياحية خلال أيام الأسبوع، في حين تصل إلى90% و100% في أوقات المناسبات والأعياد والعطل الرسمية.
وختم الشيخ الحديث بتوضيح ما يخص المشاريع السياحية المتعثرة هذا العام العائدة للقطاع السياحي، فقد تم إعداد ملاحق العقود الخاصة بها، وتتم دراستها مع المستثمرين، وهي في مرحلة التوقيع، حيث تم حل أغلب المشكلات التي تتعلق بها.

سياحة ولكن!
على كورنيش طرطوس مجدداً، وقبيل الغروب بلحظات يبدو المشهد أكثر حركة وحياة، نتأمل طائرات الورق التي تحلّق في الهواء عالياً على امتداد الشاطىء، والتي باتت مشهداً مألوفاً لسكان المدينة السياحية الصغيرة، وكذلك حال عربات الذرة و”البوشار”، وبعض الأكشاك والبسطات المتنقلة، أما منظر الكراسي والطاولات المصطفة في كل مكان أمام الواجهة البحرية مع “الشماسي”، فيبدو مثالياً جداً لحركة سياحية واعدة في عروس الساحل السوري، ولكن على الرغم من هذه التفاصيل المشجعة، والمنظر الجميل، يبدو للمراقب أن الطاولات وكراسيها في حالة عدم إشغال بنسبة كبيرة، وما إن حل الموسم الدراسي حتى اختفى جميع المصطافين، بالرغم من الجو الحار المناسب للسياحة، حتى المطاعم والاستراحات الموجودة هناك لم تحظ بحسب المشاهدة بنسبة إشغال، ما يثير أسئلة كثيرة عن الأسباب، خاصة عندما نرى أعداداً جيدة من السكان والمصطافين افترشوا الصخور، أو شغلوا الكراسي المجانية القليلة والمحطّمة بمعظمها، إضافة لمشهد الأوساخ الذي أصبح ملازماً لهذه المدينة بخلاف ما يتمنى أي ساكن وزائر، ولعل في جعبة الحرب الطويلة وسنواتها العجاف جزءاً وافياً من الإجابات بعد أن جعلت معظم الناس في أحوال معيشية متردية، إذ يقول بعض من قابلناهم على الكورنيش: من غير المعقول أن ندفع مبلغاً لا يقل عن 1500 ليرة فقط لاستئجار طاولة دون أية طلبات، لماذا لا تقوم المحافظة بالتدخل عبر تخصيص المزيد من المقاعد للعموم، وصيانة التالف منها، أو الضغط على أصحاب هذه الطاولات لتقديمها للمصطافين بأسعار رمزية مقبولة؟.. في المقابل لماذا تكون أسعار المطاعم خيالية، ويصبح ارتيادها حلماً عند الكثيرين؟!.
محمد محمود