دراساتصحيفة البعث

الأقليات في أمريكا تتقارب مع اليسار في انتخابات 2020

 

ترجمة: لمى عجاج
عن موقع الايكونومست 22/9/2019

بعد مرور عقد من الزمن على أحداث الحادي عشر من أيلول وصلت أمريكا إلى طريق سياسي وفكري مسدود فيما يتعلّق بالمهاجرين الذين يعيشون داخلها، فلا يزال العديد من الأمريكيين يخشون جيرانهم المواطنين من البلدان الإسلامية فكيف غيّرت أمريكا المسلمين؟!.
قبيل الانتخابات الرئاسية في عام 2000 قام أحد مستشاري جورج دبليو بوش بدفعه بقوة للذهاب خلف فئة معيّنة من الناخبين المسلمين والسعي للحصول على أصواتهم. أخذ السيد بوش بالنصيحة ونجح في السباق الرئاسي لعام 2001، حيث وجدت دراسة استقصائية للمسلمين الأميركيين (بما في ذلك أولئك الذين لم يدلوا بأصواتهم أو لم يعطوا إجابة واضحة) أن 42٪ قالوا إنهم صوّتوا لصالح بوش مقابل 31٪ لمنافسه الديمقراطي آل غور بين أعداد المهاجرين المتزايدة، وكان كثير منهم من المهنيين وأصحاب الأعمال، وكانت نسبة التصويت الجمهوري أعلى بكثير.
أما اليوم وبعد أن اشتعل لهيب المشاعر المعادية للأقليات بين مؤيدي دونالد ترامب الذي لم يبذل أي جهدٍ يُذكر في إخمادها، بل بالعكس عمل على تزكيتها، أصبح هذا الحب ذكرى في طيّ النسيان، حيث اكتسب المسلمون الأمريكيون رؤية سياسية مختلفة دفعتهم إلى التقارب أكثر مع يسار الطيف السياسي، وأحد أسباب هذا التحوّل هو حصول امرأتين مهاجرتين (رشيدة طالب وإلهان عمر) على مقعدين في الكونغرس، واللتين تعرضتا إلى الكثير من السخرية من جانب ترامب ومؤيديه إلى جانب زميلتين ديمقراطيتين يساريتين لهما.
لقد كان التغيير الكبير واضحاً في السباق الرئاسي لعام 2004، وتأكد هذا التغيير في انتخابات 2008 التي فاز بها باراك أوباما، فبحلول عام 2007 اتجه نحو 63٪ من المسلمين الأمريكيين مثالاً نحو التصويت للديمقراطيين مقابل 11٪ فقط للجمهوريين. لم تتغيّر هذه الأرقام كثيراً منذ ذلك الوقت إلى اليوم، وذلك حسب أحد استطلاعات الرأي التي أُجريت في بيو ريسيرش على المسلمين الذين صوتوا في السباق الرئاسي لعام 2016 والذين اختار 8٪ فقط منهم السيد ترامب (الذي أعلن أن “الإسلام يكرهنا”) و78٪ لهيلاري كلينتون. حيث قدّر منظمو الحملات الانتخابية بأن المشاركة السياسية للمسلمين وصلت إلى أكثر من مليون صوت تمّ تسجيلها في السباق الرئاسي لعام 2016، وأن انتخابات الكونغرس قد شهدت ارتفاعاً ملحوظاً العام الماضي في أعداد المسلمين الذين يتوجهون إلى صناديق الاقتراع رغم أن بيو ريسيرش قدّر أن نحو 3.5 ملايين مسلم يعيشون في أمريكا، أي أنهم يشكلون نحو 1٪ من تعداد السكان في البلاد وذلك في عام 2015 أي أن أعدادهم أكبر من الهندوس (0.7٪) وحتى البوذيين (0.7٪) حتى أن عدد اليهود يفوق عددهم (1.8٪)، لكن وعلى الرغم من ذلك فإنه من المتوقع أن تتغيّر هذه الأرقام وتتغيّر الصورة بشكلٍ سريع مع تضاعف حصة المسلمين بحلول منتصف القرن.
لقد كانت الهجمات الإرهابية التي وقعت في 11 أيلول 2001 أحد الأسباب الرئيسية للتحوّل في المواقف ، وفي ظهور العداء الصريح تجاه الأقليات في شريحة متزايدة من الناخبين، وقد وضع ذلك الناخبين المسلمين في إطار دفاعي، لكن الديمقراطيين وبحكم تبنيهم للتنوع الثقافي كانوا الملاذ الأكثر أمناً ، علاوةً على ذلك كان هناك عامل آخر إضافي والذي، على الرغم من التقليل من أهميته والجدل حوله، كان من الواجب ذكره وهو أن المسلمين الأميركيين من الجيل الأصغر سناً صاروا أكثر ليبرالية حول المسائل الثقافية، وبالتالي أصبحوا أقل تكيفاً مع “القيم العائلية” التي ينتهجها النمط الجمهوري. أما بالنسبة للمسلمين الأميركيين من أصول إفريقية فإنهم (مثل المسيحيين السود) كانوا أيضاً أكثر تقارباً مع اليسار في خياراتهم في التصويت، ومع هذا فإن القول بأن المسلمين الأمريكيين قد تأرجحوا من طرف إلى آخر في الطيف الأيديولوجي السياسي سيكون تبسيطاً مبالغاً فيه. وبحسب العالم السياسي، يوسف شهود، في جامعة كريستوفر نيوبورت فإن المسلمين ليسوا يساريي الاتجاه بقدر ما هم هائمون على وجوههم حائرون يبحثون عمّن يستمع لهم ويعطيهم الاهتمام والاحترام الذي أعطاهم إياه الطيف اليساري، ومؤخراً في مؤتمر الجمعية الإسلامية لأميركا الشمالية الذي انعقد في 31 آب الماضي، والذي يطلق على نفسه أكبر منظمة إسلامية في البلاد، لم يُقبل سوى مرشحين للترشح للرئاسة الديمقراطية، وهما السناتور بيرني ساندرز الديمقراطي المعروف بأنه من المؤيدين لحقوق الفلسطينيين والمعارضين للحرب في العراق، وجوليان كاسترو.
كما يرى أحد المحاربين القدامى في هذه القضية، وهو الطبيب المقيم في أريزونا زهدي جاسر والذي شغل منصب نائب رئيس لجنة الولايات المتحدة للحرية الدينية الدولية، وهي هيئة مراقبة من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أن الإسلام كمجموعة من المعتقدات الميتافيزيقية والأعراف الأخلاقية يمكن أن يزدهر في أمريكا وفي أي مكان آخر بموجب مبدأ الفصل بين الكنيسة والدولة، أي أن المسلمين الأميركيين المحترمين هم حلفاء ضد الإسلاموية، لكن قادة الفكر المسلمين الأمريكيين، سواء أكانوا روحيين أم سياسيين، منقسمون فيما بينهم بشكلٍ واضح بطريقة تترك الناخبين المسلمين العاديين في حيرةٍ من أمرهم بعض الشيء، لدرجة أنهم يتشاجرون فيما بينهم بخصوص الأحداث في مواطنهم الأصلية.
يقول شادي حامد زميل معهد بروكينجز إن الشراكة المتعمّقة بين المسلمين والديمقراطيين لم تكن مبنية على قضايا السياسة الخارجية، بل على الشدائد والمحن، ومنها على سبيل المثال الذعر الذي أحدثته أفكار المذهب الأبيض التي باتت تطارد المسلمين أينما ذهبوا في هذه البلاد، فعلى الرغم من وجود توترات واختلافات بين النزعة الاجتماعية المحافظة لبعض المسلمين والأخلاق العلمانية للديمقراطيين، إلا أنهم يعملون من أجل السيطرة على مثل هذه التوترات، يدفعهم في ذلك الشعور المشترك بالخطر المحدق، فربما كان استمرار حكم ترامب سيؤجّج من التوترات الداخلية للتحالف الديمقراطي ويجعلها تطفو إلى السطح، لكن إلى أن يحدث ذلك فإن شعور المسلمين الأمريكيين بأنهم مطوقون سيجعلهم متقاربين مع الديمقراطيين، وعلى العموم فإن الناخبين المسلمين مؤمنون بفكرة أنه “مهما كان الديمقراطيون علمانيين فإن الديمقراطيين هم السند الفعليّ لهم”.