دراساتصحيفة البعث

“الرجل الخفي”مستشاراً للأمن القومي

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع ستراتيجك كالتشر 22/9/2019
بطريقة هوليودية وصلت سيارة أجرة، لا يعلم أحد من بداخلها، إلى البيت الأبيض توحي أن حدثاً مهماً سيحصل، وبالفعل ترجّل منها روبرت أوبراين مستشار الأمن القومي الجديد للولايات المتحدة. يقال إن أوبراين متشدّد، بل إنه براغماتي ذو نفوذ ومفاوض، وأنه سوف يحسّن العلاقات مع روسيا وإيران، ويريد التركيز على مناهضة صعود الصين، لكن المستشار الجديد كان قد نشر كتاباً معادياً لزعماء روسيا وإيران، وكان يشيع عداء لا مبرّر له تجاه معظم الدول الكبرى الأخرى أيضاً.

يوصف أوبراين، المحامي، والضابط في الجيش الأمريكي، بأنه من أتباع التيار السائد بين الجمهوريين، وقد قام جون بولتون سابقاً بترقيته وترشيحه كسفير للرئيس جورج دبليو بوش لدى الأمم المتحدة، لكن لم يقرّه مجلس الشيوخ الأمريكي حينها بسبب خيال خبراء مجلس الشيوخ بأن تاريخ أمريكا على شفا الانهيار، وأن أوبراين ليس الرجل المناسب لهذا المكان بسبب كثرة تناقضاته المضلّلة.
في الواقع أوبراين شخصية ضعيفة، فقد وُضع في العديد من المواقف البارزة التي يمكن أن تتبلور شخصيته من خلالها، لكن لم يكن أبداً رجل الموضوعية والحكمة وراء الكواليس، وقد مُنيت الشخصيات الأكثر شهرة التي استشارته كمرشحي الرئاسة الجمهوري ميت رومني في عام 2012 وسكوت ووكر في عام 2015 بالخسارة بشكل مثير للشفقة.
لم يبد أوبراين ما يدلّ على قوة شخصية، فقد رضخ للرأي السائد للمحافظين الجدد، وأمريكا المتعجرفة ونزعتها العسكرية طوال حياته. ولم يبد أبداً أدنى رغبة للتشكيك في أي من الأفكار أو الاستراتيجيات السائدة في عصره. كما أنه ليس مديراً ذا خبرة أو كفاءة، حتى أن خبرته في إدارة أي قسم أقل من بولتون التعيس نفسه.
يقدّم الجيش الأمريكي عشرات الآلاف من الضباط عديمي الجدوى، ولكن يبدو أنهم غير ضارين مثل أوبراين. ومن المرجّح أنهم يأتون من الغرب الأوسط، حيث اللطافة السطحية والقدرة على الصمود لعقود لا تنتهي من الملل في النوادي، وهو شرط لا غنى عنه للتقدّم المهني والاجتماعي.
يتفق قرار أوبراين عندما ترك الجيش للحصول على شهادة في القانون مع هذا النمط من العمل الذي لا يحتاج لموهبة، ولكن لاجتهاد وطموح دون ذكاء أو رؤية حقيقية. إن الحصول على شهادات أكاديمية يضفي على هؤلاء الأشخاص طبقة من العمق الفكري والجدية غير الموجودة فعلياً. صحيح أن هذا الكلام قاسٍ وانتقادي، لكن من يقرأ كتاب أوبراين الصادر في عام 2016 بعنوان “بينما تنام أمريكا”، يدرك أن على أمريكا استعادة قيادة العالم إلى الأزمات.
لم يعرب أوبراين في هذا العمل الأخرق الطائش عن العداء فحسب، بل عن ازدرائه لروسيا ورئيسها الذي وصفه “بالمستبد”. وأشاد بالجماعات الأوكرانية التي تربطها علاقات قوية بالنازيين الجدد والتي عارضت الاتفاقية النووية مع إيران لعام 2015، وبذلك تصبح صورة هذا المتطرف الذي كان جون بولتون فخوراً به واضحة.
على أي حال، فإن سمعته الزائفة كمفاوض الرهائن التي تشكل مماحكة قانونية وقدرة على تقديم امتيازات قليلة تمّت الموافقة عليها مسبقاً من قبل الآخرين. وهو حالياً، يلبي بشكل أساسي أوامر وزير الخارجية مايك بومبيو الذي تأكدت هيمنته الكاملة على صنع السياسة الأمريكية الآن.
ومن المرجّح أن يكون أوبراين -الذي لا يمكن تصوره كما يبدو– أسوأ من بولتون، فهو مثل الشخصيات الرائدة في روايات “سينكلير لويس” و”جون أبدايك” الكلاسيكية في الغرب الأوسط الأمريكي، فالشيء الوحيد الذي يمكن لـ أوبراين القيام به هو الظهور بشكل سطحي مع الأشخاص الذين يشبهونه. وهذا يعني أنه سيكون له نفوذ أكبر بكثير على الرئيس ترامب من نفوذ بولتون المتعجرف. ومن المؤكد أن ذلك لا يعني أنه سيدفع باتجاه أي سياسات جيدة أو شجاعة أو ضرورية أو يدرك أي سياسات خطيرة. ولكن مع أن ترامب أدرك غطرسة بولتون الشخصية، ووعوده الجامحة بسرعة، فمن المرجح أن يأخذ مدة أطول بكثير مع أوبراين.
في الختام، يعدّ أوبراين مثالاً كلاسيكياً على ضئيلي الشأن الذين يصلون إلى القمة تماماً، لأنهم ​​ضعفاء ولا حول لهم. وهذا يوضح كيف أصبح روبرت أوبراين مستشار الأمن القومي للولايات المتحدة!.