دراساتصحيفة البعث

لهذه الأسباب.. ما من حرب على إيران

ترجمة: هيفاء علي
عن موقع ناشيونال انتريست 22/9/2019

في أعقاب الهجوم على منشأة إنتاج النفط السعودية “أرامكو” في بقيق، تمّ توجيه أصابع الاتهام الأولى مباشرة نحو إيران. وعلى الرغم من إعلان المقاومة اليمنية مسؤوليتها عن الهجوم، إلا أن مسؤولين أمريكيين مجهولي الهوية أخبروا الصحافة أن إيران أطلقت صواريخ جوالة وطائرات دون طيار من أراضيها.

في ظلّ انخفاض إنتاج النفط السعودي إلى النصف وارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة، لجأ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى رفع الرهان، عبر التحذير من أن الولايات المتحدة مستعدة للردّ بعد ما تمّ التعرف على مرتكب الجريمة. نتيجة لذلك، تعدّدت الأصوات التي تدّعي احتمال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة وإيران، ولكن فيما يلي خمسة أسباب تبيّن لماذا من غير المرجح وقوع ذلك.
على الرغم من توتر العلاقات الإيرانية الأمريكية على مدى أربعة عقود، وشعبية شعار “الموت لأمريكا” في إيران، إلا أن الشعب الأمريكي ببساطة لا يحبّذ محاربة إيران، حيث كشف استطلاع للرأي أن أغلبية قوية من الديمقراطيين (86 بالمئة) والمستقلين (81 بالمئة) والجمهوريين (81 بالمئة) يفضّلون دعم قرار رئاسي لا يتخذ أي إجراء تصعيدي، بينما حصدت الخيارات العسكرية تأييداً أدنى بكثير. وعليه، من غير المحتمل أن تؤدي الهجمات على منشآت تكرير النفط السعودية إلى محاولة ممارسة الضغط حتى يُردّ الفعل، إذ يتوجه الدعم الشعبي، بما في ذلك أعضاء القاعدة السياسية للرئيس دونالد ترامب، نحو الخيارات غير العسكرية.
ورغم كل ما قدّمه من صخب، أعرب الرئيس ترامب عن تفضيله مواصلة المفاوضات مع إيران بدلاً من العمليات العسكرية. كما عُرف عن ترامب التهديد باستخدام القوة ثم التراجع عن كلامه بسرعة، فقبل شهرين فقط، أعلن ترامب عن إلغاء هجوم ضد إيران في اللحظة الأخيرة، معبراً عن أمله في أن ينضمّ إليه الزعماء الإيرانيون على طاولة المفاوضات. ويعكس هذا التغيير في الاتجاه تصرفات ترامب في سنة 2017، حيث هدّد في مناسبات عدة بتدمير كوريا الديمقراطية، ثم قرّر في نهاية المطاف معارضة الخيار العسكري، ليصبح بذلك أول رئيس أمريكي يعبر المنطقة المجردة من السلاح نحو كوريا الديمقراطية.
وحتى الأسبوع الماضي، كان جون بولتون، الذي لقبه وزير الدفاع السابق جيمس ماتيس بـ”الشيطان المتجسد”، على رأس منصب مستشار الأمن القومي لترامب، وقد أضعفت إقالته نفوذ ما يُسمّى “فريق الفاشلين” المؤلف من بولتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد. وبغضّ النظر عن أنه أحد أهم مؤيدي غزو العراق سنة 2003، عُرف عن بولتون أيضاً أنه أكثر مستشاري البيت الأبيض عدوانيّة، والذي يأخذ الرئيس الأمريكي رأيه بعين الاعتبار. لقد كان بولتون يدعو إلى سياسة المواجهة مع كلٍّ من كوريا الديمقراطية وروسيا وسورية. كما برز بولتون باعتباره أحد الخصوم الرئيسيين لخطة العمل الشاملة المشتركة، المعروفة أيضا بالاتفاق النووي الإيراني.
في شهر تموز، أعرب الجنرال مارك ألكسندر ميلي لمجلس الشيوخ عن شكوكه بشأن نشوب حرب كبيرة مع إيران، وخلال جلسات استماع لإقرار تعيينه رئيساً لهيئة الأركان المشتركة، أوضح ميلي، وهو جنرال برتبة فريق، أن الجيش الأمريكي يركّز على إستراتيجية تنافس القوى العظمى، وقد يؤدي الصراع مع دولة قوية مثل إيران إلى زعزعة هذه الخطط. وأكّد مراسلو صحيفة “وول ستريت جورنال” أن هذه الآراء لا تزال سائدة في البنتاغون، لذلك وفي أعقاب الهجوم حثّ الضباط العسكريون على توخي الحذر وضبط النفس.
مع ذلك، يواصل المخطّطون الإستراتيجيون الأمريكيون إدارة المناورات الحربية لحرب محتملة مع إيران. وتأخذ التصورات بعين الاعتبار وجود 900 ألف جندي إيراني في خدمة الجيش وفي قوات الاحتياط، احتمال زرع ألغام في مضيق هرمز، ترسانة من الصواريخ الباليستية، وأسلحة الدفاعات الجوية محلية الصنع والأسلحة روسية الصنع، واستعداد الشعب لحمل السلاح في وجه الغزاة. وبناءً على ذلك، يدرك الجيش الأمريكي أن معركته لن تكون سهلة، وذلك رغم تفوقه العسكري الهائل مقارنة بإيران وقدرته على نشر القوات.
من جهته، صرّح المرشد الأعلى علي خامنئي أن إيران لا تسعى للحرب مع الولايات المتحدة، إذ لا يزال شبح الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) راسخاً في أذهان الإيرانيين. ففي تلك الفترة، شهدت إيران خسائر بشرية تقدّر بنحو مليون شخص في حربها مع العراق، أي ما يقارب 2 بالمئة من إجمالي سكانها في ذلك الوقت، الأمر الذي أثّر على جيل بأكمله.
وعليه، لا يكمن هدف إيران الحقيقي في استدراج الولايات المتحدة إلى الحرب، وإنما تمارس بدقة وحذر لعبة شطرنج تسمح للحكومة الإيرانية بتعزيز موقفها التفاوضي، وذلك بإبراز قدرتها على فرض شروطها الخاصة على كلّ من الولايات المتحدة وحلفائها. على هذا النحو حقّقت طهران ما ترنو إليه عبر سلسلة من التصعيدات المحدودة والمتقلّبة.
إذن، في الوقت الذي يعبّر فيه الخبراء وصنّاع القرار عن قلقهم المتزايد من خطر نشوب حرب عرضية، فإن تجنّب تصعيد غير مقصود يبدو ممكناً تماماً في هذه الحالة. وبناء على ذلك، من غير المرجح أن يخطئ البلدان التقدير عندما يتعلق الأمر بحرب مفتوحة ستكون تكاليفها باهظة لكليهما.