دراساتصحيفة البعث

القارة الإفريقية تستنسخ التجربة الأوروبية

عناية ناصر

بدأت مشاريع التكامل الإقليمي تزداد قوة في جميع أنحاء القارة الإفريقية منذ عام 2017 من خلال الاتحاد الإفريقي المتجدّد، وهو كتلة تجارية واقتصادية وعسكرية وسياسية معقدة تضم 55 دولة إفريقية.
يسعى الاتحاد الإفريقي اليوم لتحقيق هدف طموح للغاية يتمثّل في إنشاء سوق مشتركة دون حواجز تعيق حرية الحركة لعوامل الإنتاج الأربعة. يعرف هذا المشروع باسم منطقة التجارة الحرة القارية. إضافة إلى ذلك، يريد الاتحاد الإفريقي إنشاء اتحاد نقدي فعّال ببنك مركزي وعملة واحدة. ومن المتوقع أن تتحقّق جميع هذه الخطط في أقرب وقت ممكن في عام 2023، وهو أمر بالكاد يبدو قابلاً للتنفيذ. من الممكن أن يؤدي إدخال عملة موحدة إلى أزمات مالية وإقراض خطيرة، بالنظر إلى الفجوات الرئيسية في التنمية الاجتماعية والاقتصادية بين البلدان الإفريقية وضرورات تحقيق سياسة نقدية مشتركة. سيكون من المنطقي أكثر لأعضاء الاتحاد الإفريقي الابتعاد عن الدولار الأمريكي وتنسيق سياساتهم النقدية والمالية من أجل تقارب أفضل. في الواقع، هذا هو المسار الذي سلكه الاتحاد الاقتصادي للمنطقة الأوراسية، وتبدو هذه هي خطط الاتحاد الإفريقي في هذه المرحلة.
هناك أسباب عدة وراء هذا التسارع المفاجئ لعمليات التكامل في إفريقيا. يمكن أن يكون السبب الرئيسي هو تصميم الاتحاد الأوروبي على تحقيق مصالحه الإستراتيجية في القارة الإفريقية، فلا بد أن يؤخذ في الاعتبار أن ميزانية الاتحاد الإفريقي تتشكّل في المقام الأول من خلال “المساعدات الإنسانية” و”المساعدة الإنمائية” من الاتحاد الأوروبي، بدلاً من مساهمات الدول الأعضاء في الاتحاد الإفريقي، والتي تبلغ 0.2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لكل منها. إضافة إلى ذلك، هناك 14 فقط من 55 عضواً يوفون بهذا الالتزام حتى الآن. في عام 2018، شكّلت المساعدات الدولية 74 في المائة من ميزانية الاتحاد الإفريقي، والتي جاءت في معظمها من الاتحاد الأوروبي، في حين شكلت مساهمات دول الاتحاد الإفريقي الـ 26 في المائة المتبقية. في عام 2019، بلغت ميزانية الاتحاد الإفريقي 681.5 مليون دولار، بما في ذلك مخصّصات بقيمة 273.3 مليون دولار لعمليات حفظ السلام، و249.8 مليون دولار لبرامج الاتحاد الإفريقي و158.5 مليون دولار للميزانية التشغيلية.
قد يسعى الاتحاد الإفريقي، من خلال دعم إنشاء وتشغيل كتلة تكامل نابضة بالحياة في إفريقيا، إلى تحقيق الأهداف التالية: أولاً، من المقرّر أن تنتهي اتفاقية “كوتونو” بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة من البلدان من إفريقيا ومنطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ (مجموعة دول إفريقيا والكاريبي والمحيط الهادئ) في عام 2020، إذ توفر إطاراً لاتفاقيات الشراكة الاقتصادية التي تضمن وصول الصادرات الأوروبية معفاة من الرسوم الجمركية إلى مختلف البلدان الإفريقية. وهنا ترغب بروكسل في تغيير هذا الوضع بأسرع وقت ممكن، إن لم يكن عاجلاً، بإنشاء منطقة تجارة حرة مع الاتحاد الإفريقي بأكمله، وانطلاقاً من محتوى المشروع وعملية التفاوض، يعتقد خبراء من معهد حوار الحضارات ومقرّه برلين أن تحرير التجارة سوف يخدم في المقام الأول المصالح الأوروبية.
إضافة إلى ذلك، سيستفيد الاتحاد الأوروبي من سوق مشتركة على نطاق الاتحاد الإفريقي ومنطقة جمركية واحدة من حيث حرية حركة البضائع المستوردة من الاتحاد الأوروبي، وكذلك بسبب حقيقة أنه من الأسهل إبرام صفقة مع مقاول واحد بدلاً من 55، وهذا مهمّ بشكل خاص للاتحاد الأوروبي لأنه يعمل كراعٍ رئيسي لهذا المقاول الوحيد، و”من يدفـع أجر الزمـَّــار يختار اللحن”، كما يقول المثل.
ثانياً، إن إنشاء سوق إفريقية مشتركة للحركة الحرة لعوامل الإنتاج الأربعة سيحسّن من ازدهار الدول الأعضاء فيها بطريقة أو بأخرى. وهي البلدان نفسها التي يتوجّه إليها المهاجرون إلى أوروبا. وفي هذا الصدد، يمكن القول إنه قد يتم إغراء المفوضية الأوروبية لدعم التكامل الاقتصادي داخل الاتحاد الإفريقي على أمل أن يساعد ذلك على المدى الطويل في تخفيف عبء المهاجرين الأفارقة المتجهين شمالًا. زاد عدد السكان في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى بنسبة 11.3 في المائة بين عامي 2014 و2018. وتشهد إفريقيا التي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار نسمة طفرة سكانية وقد تصل إلى ملياري نسمة بحلول عام 2050.
ثالثاً، يمكن أن تكون المحاولات الاستباقية لمساعدة الاتحاد الإفريقي مدفوعة بالرغبة في معادلة النفوذ الإقليمي المتزايد للصين. في الواقع، زادت الصين استثماراتها الأجنبية بين عامي 2005 و2017، مع ظهور إفريقيا كثالث أكبر متلقٍ للاستثمار الصيني بعد آسيا وأوروبا. ووفقاً لمعهد “أمريكان إنتربرايز”، فقد بلغ إجمالي الاستثمار 248 مليار دولار خلال هذه الفترة. في ظل هذه الخلفية، غالباً ما يتهم الخبراء الأوروبيون الصين باختراع شكل جديد من أشكال الحكم الاستعماري الجديد. بحلول عام 2015، شكلت القروض الصينية ما يقرب من ثلثي الديون الجديدة المتعاقد عليها من قبل البلدان الإفريقية. وعلى وجه الخصوص، وجدت جيبوتي نفسها في محنة شديدة بسبب دين الاقتراض المفرط من الصين، حيث ارتفع الدين العام الخارجي كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي من 50 في المائة إلى 85 في المائة في غضون عامين. وتمتلك بكين ما يقرب من نصف ديون أنغولا الخارجية وأكثر من 70 في المائة من ديون كينيا الثنائية، بزيادة قدرها عشرة أضعاف منذ عام 2013.
إضافة إلى ذلك، تتنافس آسيا وأوروبا على القارة الإفريقية في التجارة. ووفقاً للبنك الدولي، احتلت أوروبا المرتبة الأولى من حيث التجارة مع إفريقيا في عام 2017، حيث تمثل 30 في المائة من الصادرات الإفريقية و31.3 في المائة من وارداتها. لكن منطقة آسيا والمحيط الهادئ تعمل على زيادة حصتها بشكل مطرد، وهي تحتل الآن المرتبة الثانية بنسبة 18.5 في المائة من الصادرات الإفريقية وحصة الواردات بنسبة 27.7 في المائة.