أخبارصحيفة البعث

جونسون.. هزائم بالجملة

ضاق الخناق على رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون منذ جاء إلى “داوننغ ستريت”، فكانت هزائمُه البرلمانية الست والتي توجت بهزيمة قضائية كبرى على يد المحكمة العليا التي أبطلت قراره تعليق البرلمان، ثم اتهامات صريحة له بتضليل الملكة في موضوع التعليق. واعتبر مراقبون قرار المحكمة قراراً تاريخياً وغير مسبوق ويشكل رسالة واضحة مفادها أن القانون فوق الجميع، بمن فيهم حكومة جونسون، التي غدت الآن ذات خيارات أقل وهامش مناورة أضيق وسلطة أضعف، مما كانت عليه قبل أيام فقط.

وبعودة مجلس العموم للانعقاد،  يتوقّع أن تتجدّد الاشتباكات مع حكومة جونسون، الذي بات على رأس حزب لا يملك الأغلبية البرلمانية، ولذلك لا يستبعد مراقبون أن يستقيل جونسون، ولا سيما بعد توالي الدعوات له بترك السلطة. وفي السياق، أشار الوزير الأول الويلزي مارك دايكفورد إلى أن ما حدث يعد انتصاراً لقوة القانون، ومن الأجدى لأي رئيس وزراء مثل جونسون أن يقدّم استقالته بعدما حاول التلاعب بالدستور. والدعوة ذاتها وجهتها لجونسون زعيمة حزب الديمقراطيين الأحرار جو سوينسون التي قالت: إنه “لا يصلح للحكم بعدما اتضح أنه حاول إسكات صوت البرلمان وصوت الناس الذين صوتوا لنوابهم”. من جهتها، قالت رئيسة الوزراء الاسكتلندية نيكولا ستيرجن: إن استمرار جونسون في منصبه “أمر لا يمكن تخيله”. أما زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، وهو الخصم اللدود لجونسون، فقد عزّز دعوته له كي يستقيل، واصفاً جونسون بأنه “سيكون رئيس الوزراء الأقصر حكماً في تاريخ البلاد”.

على ضوء هذه التطوّرات، يدعو أنصار بريكست لانتخابات عامة مبكرة، واصفين ما يحدث بالمواجهة الشرسة بين البرلمان كمؤسسة مناصرة للاتحاد الأوروبي وبين رئيس للوزراء من واجبه تنفيذ رغبة المصوتين في استفتاء 2016 الذي قضت نتائجه بضرورة خروج المملكة المتحدة من كتلة الاتحاد الأوربي. وفي حال تحقق سيناريو الانتخابات المبكرة، فقد يسفر عن فوز الحزب الذي يتزعمه جونسون حالياً، إذ أشار استطلاع رأي نشرته صحيفة “الأوبزرفر” في الآونة الأخيرة، إلى أن حزب المحافظين ما زال يتمتع بشعبية أكبر من نظيره العمالي الذي حصل على تأييد 22% مقابل 37% للمحافظين.

جاء تعليق البرلمان بعد طلب تقدم به جونسون وأخذ صبغة قانونية تنفيذية بنيله الموافقة الملكية. ورغم أن الملكة لا سلطة تقديرية لها في هذا الملف بحسب الأعراف، فإن المراقبين يرون أن جونسون بافتقاده شرعية الوصول للحكم عبر انتخابات عامة قد أثر سلباً على قرار التوقيع الملكي على طلبه القاضي بتعليق البرلمان. وقد أكدت رئيسة المحكمة بريندا هيل، أثناء نطقها بقرار الحكم، أن تأثير تعليق البرلمان على أسس “ديمقراطيتنا كان بالغاً”. أما رئيس الوزراء السابق جون ميجور فقال إنه لم يوجد رئيس وزراء في تاريخ بريطانيا “عامل الملكية والبرلمان بهذا الشكل”. وسلط هذا الحدث الضوء على زوايا معتمة في علاقة رئاسة الوزراء بالملكية، وهي علاقة كانت تحكمها الأعراف والاتفاقات غير المكتوبة، لترتفع الأصوات المطالبة بضرورة توثيق هذه العلاقة.

من جانبه، علق جونسون على قرار المحكمة قائلاً: إن القرار لن يجعل مهمته في تنفيذ عملية بريكست سهلة، مضيفاً أن “البرلمان قد ناقش موضوع الطلاق البريطاني الأوروبي منذ ثلاث سنوات، وقد حان وقت التوصل لاتفاق مع الاتحاد الأوروبي والخروج منه في الموعد المحدد”. ولم يشر جونسون إلى رغبته في تقديم أي اعتذار، مؤكداً أنه غير مقتنع بالحكم القضائي، ولذلك يستبعد كثيرون سيناريو هذا الاعتذار إلا إذا مورست ضغوط أكبر على جونسون بعد اتهامه بتضليل الملكة.

ورغم كل هذه التحديات المتربصة بجونسون، لا تزال أمامه فرصة تتمثل في توصله لاتفاق مع الزعماء الأوروبيين في قمتهم المرتقبة في بروكسل يوم 17 تشرين الأول الحالي، وإقناع النواب البريطانيين بالتصويت لصالح مثل هذا الاتفاق. أما ما تبقى من خيارات فتبدو أقرب للاستحالة، مثل تحدي جونسون للقانون وإخراج بلاده بالقوة من الكتلة الأوروبية بحلول 31 من الشهر الحالي، وحينها سيلجأ المعارضون له إلى القضاء مرة أخرى. وإذا صوّت النواب حالياً لسحب الثقة من حكومة جونسون فقد ينادى بضرورة إجراء استفتاء ثانٍ على بريكست، وليس بالضرورة لانتخابات عامة.

وهكذا سيبقى مشروع الطلاق البريطاني الأوروبي رهينة معارك سياسية ضارية داخل البلاد، لتبقى كل السيناريوهات مفتوحة وتبقى العيون في أسواق المال والأعمال هنا معلقة على ردهات ويستمنستر وداوننغ ستريت.

هيفاء علي