زواياصحيفة البعثمحليات

في غنى الفقير..

قبل الإدلاء بأي رأي أو تقديم أي موقف… لماذا لا نتجرد من لعنة السياسة ونغتسل بمياه البلد علّها تمسح غباراً علق في الصدور قبل الوجوه، فالأمور في بعض الأزمان لا تقاس بميزان “المع أو الضد”، بل بمسطرة الحقائق التي تفرض نفسها؛ لأنها حقائق قبل أن تكون أنظمة وتشريعات.

للأمانة التاريخية لم تكن الأزمة والحرب وجعاً بقدر ما كانت صفعة وقعت، فأصبحت واقعية والشطارة في الاستيقاظ والوعي ليس إلا، وهذا ما تجلى في تبعات السنين العجاف، ليغربلنا الواقع ويفرز الغث من السمين، ولأنه في الشدائد تمتحن معادن الشعوب فإن لهذا “الدرس” فعلاً قاسياً لم يكن موجهاً للساحة المحلية فقط، بل هي رسالة لمن يجيد القراءة فقط.؟

في مساحتنا هذه لا مكان للتنقيب في حقول السياسة وحلحلة تشابكات وعقد المعارك، ولكن هو وعاء متخم بالأسئلة المحيرة والألغاز المقفولة والتي تصب في خانة الاقتصاد والحياة المعيشية وعوالمهما الغريبة ومفارقاتهما العجيبة، بين نماذج عظمى لا ترحم من يقف بوجهها من درجة التاسع والعاشر بعد “الثماني الكبار”، فكيف الحال بتجارب نامية تندرج في أواخر القوائم ضمن التصنيفات الدولية، هو حال الخصوصية السورية التي أثارت حفيظة الكثيرين وأنبتت في جباه البعض الآخر قروناً، وأصابت الكثيرين بدوار وصداع “التناحة” و”يباسة الرأس”.؟!

ما يدعو للحيرة صراحة كيف لبلد نامٍ أن يصمد لأكثر من ثماني سنوات أمام أقذر أنواع الحروب الاقتصادية وهي الحصار والتجويع.؟ وكيف لتجربة هشة في ميدان تحرير القطاعات أن تستمر في تأمين حوائج الحياة وهي مقيدة.؟! وكيف لموازنة بسيطة أن تستمر لنحو سنوات بصرف رواتب العاملين والموظفين المقدرة بمليارات الليرات، ودولة عظمى كأمريكا تتخبط في عجز الترف والبطر لا تعرف كيف تصرف الرواتب والمعاشات؟ وكيف لصناعة أن تسرق وتحرق معاملها ومنشآتها، ولزراعة يتمت، وتجارة توقفت، وسياحة أعدمت، وخدمات عطلت، ومع ذلك يمكن القول إن البلد ما زال واقفاً على قدميه نوعاً ما.؟

هي مفارقة عجيبة قد لا يعرف أسرارها ومفاتيحها حتى من يدعي الاطلاع على خبايا ما يدور في غرف التحكم ودوائر صنع القرار الضيقة؟ وما دمنا في سياق التعاطي البانورامي للتجارب، فإن ثمة من يسوق لنقد محق في التفاصيل المحلية من قبيل رفع الأسعار وضيق الحال وتحليق الدولار.. وو.. من وجع يومي بات خبز المواطن في كل آن.

بكل الأحوال لا تأتي المنعة والقوة من فراغ وإن تعددت العوامل، ولكن لنعترف اليوم كما سابق الأزمة “نحن أغنى دولة في العالم”، و”أفقر دولة في إدارة الموارد وتمكين المؤسسات الإنتاجية”، ولكم أن تشرحوا وتترجموا وتحللوا كيف استحققنا الألقاب..؟

علي بلال قاسم