تحقيقاتصحيفة البعث

الاتكالية في حياة الشباب.. التربية الخاطئة تتحمل مسؤولية الفشل في التخطيط المستقبل

 

أصبحنا نشاهد في كثير من الأحيان شباباً غير آبهين للمستقبل، يلعبون الألعاب الالكترونية، أو يمضون معظم أوقاتهم على برامج التواصل الاجتماعي دون هدف، أو في المقاهي، واللهو، في حين نشاهد آباءهم، رغم تقدمهم في السن، يؤمنون لهم معظم احتياجاتهم، أو حتى يقومون بخدمتهم، وبشكل قد يؤثر على صحة الآباء، وهذا يؤدي بالضرورة لخلق جيل فاشل سيصطدم بالحياة بعد زواجه، أو خروجه للحياة العملية، واضطراره لتلبية متطلباته اليومية، واحتياجاته بنفسه، وسيكون ذلك عملاً مستحيلاً بالنسبة له، ويصل إلى حد الشعور بالإعاقة أحياناً، وعدم القدرة على تحديد مستقبله الدراسي، أو العملي، فما سبب تفشي هذه الظاهرة؟.

تبدأ منذ الطفولة
يتوجب على الأبوين اتباع الأساليب التي تساعد في تربية أبنائهم على تحمّل المسؤولية منذ الصغر، ودون أي تأخير، والابتعاد عن الاتكالية منذ الصغر، وبشكل تدريجي، فيجب على الآباء التوقف عن الاهتمام المفرط بشكل مستمر بأطفالهم، والظن أنهم مازالوا صغاراً، والحذر من الاستمرار كثيراً في ذلك لأنه يؤدي لنشوء شخص اتكالي لا يعتمد على ذاته في أداء أبسط الأشياء، بحسب ما أكدته الدكتورة منى كشيك، كلية التربية، جامعة دمشق، التي حمّلت الأبوين المسؤولية الكبرى في نشوء جيل اتكالي غير قادر على الاعتماد على النفس، وأن الطفل في سن صغيرة يكون مستعداً لتعلّم أشياء جوهرية أهمها تحمّل المسؤولية، فيبدأ ذلك من خلال تعليمه ترتيب ألعابه، وأدواته الشخصية، وألبسته، وتنشئته على تحمّل المسؤولية التي هي إحدى أهم القيم المتضمنة المعنى الحرفي للتكليف بإنجاز مهمات محددة موكلة للطفل، ويجب لومه في حال إخفاقه في أدائها، وأن المسؤولية تبدأ من الأسرة الصغيرة، وتمتد وصولاً لبناء الحضارات، وهي ليست فردية، بل يتشاركها كل أفراد المجتمع.

أعمال كبيرة
وأشارت إلى ضرورة الانتباه لعدم تكليف الطفل بأعمال كبيرة لا تتناسب مع عمره، وطاقته، فتكرار فشله فيها سيسبب شعوره بالإحباط، والابتعاد عن فكرة الاعتماد على النفس، كما يجب الابتعاد عن تقديم المساعدة الكبيرة له خلال تعليمه، لأن ذلك سيفرغ التجربة من محتواها، ولا ننسى تقديم عبارات الشكر والمديح للطفل عند نجاحه بتنفيذ ما كلّف به، وفي حال تقصيره توجيه الانتقاد الخفيف للجانب السلبي في عمله، ولكن بعد المديح، بحيث لا تتزعزع ثقته بنفسه، وتقديم الهدايا له، ولكن بصورة غير مبالغ بها، فالمجتمع في النهاية لا يقدم الحوافز للفرد في كل مرة يقوم فيها بعمل جيد، ويمكن استخدام عقوبات خفيفة بحق الطفل في حال تقصيره كمنعه من استخدام الألعاب الالكترونية، ويجب أن يتعلّم كيفية التفكير بالمشاكل، واستشارته في أمور الأسرة، ووضع الحلول المناسبة، لأن ذلك سيساعده في التخطيط لمستقبله بالشكل الأمثل، كما يجب تعليمه تحديد جدول لنشاطاته، وكتابته بشكل دقيق، والالتزام به، بحيث يتضمن الدراسة، والأعمال المنزلية الخفيفة المتناسبة مع عمره، وفي الوقت نفسه تحديد وقت للعب، وممارسة الهوايات المفيدة، فهذا سيعلّمه أن يرتّب حياته بشكل جيد، ويعطي كل شيء حقه، ووقته المناسب، ويجب أيضاً إشراك الطفل في النوادي، والرحلات، والنشاطات الاجتماعية، والتعليمية المتنوعة، لأن ذلك يساعده في تحمّل المسؤولية الجماعية، واتخاذ القرار مع رفاقه بعيداً عن أفراد أسرته، وبشكل يزيد من استقلاليته، ويرفع من مستوى ثقته بنفسه، واعتماده على ذاته، كما يجب التركيز على تربيته منذ الصغر على المشاركة، والتبرع، وعمل الخير، والعطاء، فذلك يعزز حس المسؤولية الاجتماعية لديه، حتى لو تبرع بأشياء بسيطة كألعابه، وملابسه، وقصصه، وبعض المال الذي يجمعه، وتعويده على الاعتراف بأخطائه، والاعتذار، وتصحيح أخطائه بنفسه، وليس انتظار الأهل لتبرير أخطائه، وإصلاحها.

تحمّل المسؤولية
الدكتورة هناء برقاوي، قسم علم الاجتماع، كلية الآداب، جامعة دمشق، أوضحت بأن الموضوع في منتهى الأهمية، وشائع في المجتمع، لأن العديد من الأسر تعتقد أن الطفل لا يمكنه تحمّل المسؤولية، ولكن من الضروري البدء بتعليم الطفل تحمّل المسؤولية بأسرع وقت ممكن، ولا يجب الانتظار حتى يصبح الطفل مراهقاً، أو قادراً على تأدية الأعمال الكبيرة بشكل فوري، فتربية الطفل على تلبية مطالب حياته اليومية يجب أن تبدأ منذ الصغر من خلال تدريبه على أمور حتى لو كانت بسيطة، ولكنها تؤثر في بناء شخصيته، وتطور الذات لديه، كمساعدة الأم في ترتيب طاولة الطعام، كما أنه يجب توزيع وتقسيم الأدوار بين جميع أفراد الأسرة، وعكسها في المرات القادمة ليتمكن الجميع من النجاح في جميع الأعمال، وتابعت برقاوي: علينا ألا نترك الزمن أمام الطفل مفتوحاً، وإتمام تحديد زمن محدد لكل عمل، ولابد للأسرة من مساندته عندما يخطىء.

بشار محي الدين المحمد