أخبارزواياصحيفة البعث

ارتدادات الزلزال مستمرة

د. مهدي دخل الله

نقرأ في التاريخ أنه على هذه الأرض الشامية ولدت وماتت الامبراطوريات، وعبر هذه الأرض سارت الجحافل الدولية شرقاً وغرباً، وكأن هذه البقعة المتوسطة من العالم مصنع التاريخ الذي لا تتوقف آلاته!..

«الزلزال السوري» الحالي هو آخر نسخة لصناعة التاريخ!… وربما ظن بعض المتابعين أن الرئيس الأسد يبالغ عندما تحدّث في بداية الحرب عن الخط الزلزالي الذي يمر في سورية وعندما قال: «بأن المساس بهذا الخط سيؤدي لزلازل لن تتوقف ارتداداتها في سورية ولا عند الجوار، بل ستذهب لمناطق بعيدة ». وفي عام 2014 قال سيادته في خطاب القسم: «عندما سمع البعض هذا الكلام قالوا: إن الرئيس السوري يهدد العالم….إننا قريباً سنرى أن الدول العربية والإقليمية والغربية التي دعمت الإرهاب ستدفع هي الأخرى ثمناً غالياً»…

وسرعان ما تحققت نبوءة الأسد القارئ للتاريخ والعارف بأن سورية مركز الارتدادات التاريخية بسبب موقعها واهتمام العالم المذهل بها.

اليوم، الحلفاء المعادون لسورية يتصارعون صراعاً مريراً، فما تبقى من الوهابية تصطدم بالأخوانية المتحالفة مع العثمانية الجديدة. وحدة الخليج تزعزعت إلى محورين: قطر من جهة، والسعودية والإمارات من جهة أخرى.

أما تركيا التي كانت تفخر بحالة «صفر مشاكل» أصبحت اليوم «سلة مليئة بالمشاكل»، نظامها الذي كان مستقراً أصبح يعاني من عدم الاستقرار. سعر صرف عملتها تدنت بنسب كبيرة، وحاكمها الذي حاول تصدير أزماته عبر العدوان على سورية «ربح» أزمة جديدة تضاف إلى تلك الأزمات المتراكمة في الداخل التركي.

جامعة الدول العربية البائسة أصبحت «صفراً على شمال الرقم الصحيح»، مؤسسة مرتبكة تثير الضحك الساخر والبكاء المرير في آن معاً. الهزات والتوترات انتقلت إلى الجوار بكامله، أما أوروبا فعانت وتعاني من الإرهاب، وأضحت مسألة الإرهاب واحدة من أولوياتها.

هل نتحدث عن أمور أخرى؟؟.. إنها كثيرة. في زمن الحرب على سورية وبسبب ارتدادات الزلزال ظهر أكبر شرخ بين أوروبا والولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية، فقد اختلف الطرفان اختلافاً كبيراً حول موضوع دولي مهم هو الاتفاق النووي الإيراني، واختلفت أوروبا مع بريطانيا حول عضوية الاتحاد..

ومن ارتدادات هذا الزلزال أمور إيجابية، فقد تعزز دور روسيا كقوة عالمية، وبدأ توازن دولي جديد يولد من رحم الأم السورية، والصين أيضاً تعززت استقلاليتها عن «القطب الأوحد» عبر الفيتو في مجلس الأمن (حول سورية بالذات)، ناهيك عن الحرب التجارية التي لا تقوم إلا بين الأنداد.

هذا غيض من فيض، ما يحدث بسبب محاولات إلغاء «الاستقرار السوري» الذي هو ضروري لاستقرار المنطقة.. والعالم. إنه بالضبط ما تحدّث عنه السيد الرئيس في 28/6/2012 عندما قال: «إن سورية بما تشكّله من أهمية جيوسياسية وتركيبتها الاجتماعية هي خط التقاء الزلزال، وإذا تم التلاعب بهذا الخط، فسينتقل الزلزال باتجاهات مختلفة وبعيدة، لذلك فإن هذا الموضوع أكبر بكثير من حسابات البعض»..

mahdidakhlala@gmail.com