دراساتصحيفة البعث

لا لربيع عربي في أمريكا اللاتينية

ترجمة: علاء العطار

عن موقع فالداي 11/10/2019

سُمّيت أمريكا اللاتينية ذات يوم باسم “القارة المضطربة”، والأحداث الحالية، بما في ذلك حلّ البرلمان والسلطة المزدوجة في البيرو، والمواجهة المستمرة بين الحكومة والبرلمان في فنزويلا، إلى جانب الاحتجاجات وحالة الطوارئ في الإكوادور، كل ذلك يجعلنا نتساءل عن إمكانية نشوب “ربيع” في أمريكا اللاتينية، وليس ربيعاً عربياً.

تبدو أوجه التشابه وهمية، أولاً، أمريكا اللاتينية مجزأة، والتوترات التي أصابت عدداً من البلدان ليست مترابطة ببعضها بأي شكل من الأشكال، هناك القليل من القواسم المشتركة مع الشرق العربي الأكثر تجانساً، كما أن الأزمة البيروفية وأزمة الإكوادور والوضع الفنزويلي الأقدم نسبياً، كلها مختلفة من حيث القوى الدافعة، وتختلف دوافع اللاعبين فيها، بل ويسعون لتحقيق أهداف متباينة.

ولا يمكننا استبعاد ما لسقوط حكومة لينين مورينو في الإكوادور من أثر، ومن المرجح أن يحتفظ رئيس البيرو بمنصبه، والأزمة الفنزويلية في هذه المرحلة عموماً تعتمد على الأطراف الخارجية بشكل أكبر، لذا لا يمكن تطبيق نظرية الدومينو في هذه الحالة، والمشكلة التي يصعب حلّها تكمن في منطقة أمريكا الوسطى، خاصة الهندوراس ونيكاراغوا، حيث ترتفع مؤشرات انعدام الثقة وسط السكان ولم تختفِ عادة حلّ المشكلات في الشوارع.

واليوم تبدو أمريكا اللاتينية مختلفة كلياً من حيث أنظمة الحكم فيها، وتعمل الحكومات في شكلها الحالي على توجيه الاستياء الشعبي بإتقان وتوفر درجة كبيرة من التواصل السياسي بين النخب والمواطنين العاديين، ستحلّ الشعوب في أمريكا اللاتينية مشكلاتها في ظل الأنظمة السياسية القائمة، لذا من المرجح أن تفسح حكومة يمين الوسط في الأرجنتين الطريق أمام أحزاب اليسار المعتدل وأحزاب الوسط، وفي الأورغواي المجاورة سيكون من الصعب على اليسار الحاكم الاحتفاظ بالسلطة، ومن المحتمل أن تتجه البلاد نحو اليمين، ومن المرجح أن يُعاد انتخاب الرئيس البوليفي إيفو موراليس ويحافظ على اتجاه “التنمية البوليفارية” في البلاد.

نظراً لهذه التغيّرات السياسية المحتملة، لا يسع روسيا سوى أن تسأل كيف سيؤثر ذلك على مصالح موسكو؟. صراحةً، ليس هنالك ما يدعو للقلق بشكل خاص، فالحضور الروسي في الأرجنتين وتجارتها لم يتأثرا بتحول القيادة السياسية إلى اليمين الذي حدث منذ سنين عدة، ويمكن قول الشيء نفسه عن البرازيل، حيث تمّ عزل ديلما روسيف واستبدلت بزعامة ميشيل تيمر اليمينية، وفي عام 2018 تقلّد السلطة جير بولسونارو الذي يعدّ يمينياً أكثر تشدداً، ما وضع حدّاً لمحاولة اليسار العودة إلى كرسي السلطة، لم يؤثر ذلك في علاقات البلاد مع روسيا، فالأرجنتين والبرازيل يتبعان نهجاً براغماتياً، وعندما يتعلق الأمر بالفوائد الاقتصادية، سيتقبلانها بصدر رحب دون أن يدققا في جنسية شريكهما في التصدير، أما فيما يخصّ الأورغواي والإكوادور، بإمكان روسيا الاسترخاء دون قلق، إذ أن العلاقات الروسية مع الأورغواي والإكوادور لا تعتمد على الإيديولوجية، بل إنها تتطور ضمن إطار نموذج السوق، وبناء عليه، لن تؤثر الاضطرابات السياسية المحلية في روسيا بشكل مباشر، وعلى الرغم من وجود نقاط التقاء واختلاف فيما يخصّ مسائل السياسة الخارجية، لا يمكننا توقع انعكاسات حادة، بيد أن فنزويلا مسألة منفصلة، ففي حال حدوث تغيّرات سياسية واسعة في كراكاس، من المرجح أن تفقد موسكو حليفها الرئيسي في المنطقة، لذا من الجليّ أن روسيا مصمّمة على منع حدوث ذلك.