زواياصحيفة البعثمحليات

النّار وفاجعة التّكرار..!؟

أن تضرب أرجوحةُ النّار وألسنةُ اللّهب ثمانين موقعاً حراجيّاً وزراعيّاً، من جناننا وغاباتنا على امتداد سلسلة جبالنا السّاحليّة، وفي أربع محافظات في آنٍ معاً، ملتهمةً آلاف الدّونمات الحراجيّة والزّراعيّة، في ظلّ عجز رسميّ تشي به الجهود المُضنية والإمكانات المتواضعة لرجال الإطفاء الذين تُرفع لهم القبعة؛ على تفانيهم وبسالتهم؛ في عمليات إخماد هذه الحرائق التي استنزفتهم عدة أيام، دفعنا خلالها شهيدين من الجسم الإطفائي، ننحني لروحيهما بجلالٍ وإكبار؛ لَأَمْرٌ يشي بخللٍ كبير قوامُه: بدائيّة المعالجة وارتجاليتها وافتقارها إلى أدنى مقوّمات التّنظيم والمأسسة. والذي لم يعُد سرّاً؛ إذ أشارت إليه تصريحات مسؤولي أفواج الإطفاء في المحافظات المعنيّة، بقدر ما يكشف عن تقصير منقطع النّظير من قبل المسؤولين عن حراجنا في وزارة الزراعة؛ ألفُ باء تجلياته: فاجعة التّكرار، في حضور مسلسل النّار، وعدم الإفادة من دروس حرائق الأعوام السابقة التي أتت نيرانها على مساحات شاسعة من أخضر غاباتنا، وعدم وجود “خطّة وطنيّة” أو “إدارة تشاركيّة متكاملة” لحرائق الغابات التي لطالما كانت عنواناً برّاقاً لعشرات المؤتمرات والنّدوات وورشات العمل التي لم تتجاوز كونها منصّات تنظير لا ارتسامات أو إسقاطات لها على أرض الواقع.

خللٌ تكشفه معاناة رجال الإطفاء الذين يصطلون نار الحرائق بصدور عارية من بزّات واقية لم توفّرها الوزارة؛ ما يجعل حياتهم على أكفّهم، وكذا الشحّ الشديد في الصّهاريج والآليات والتجهيزات، والتلكّؤ في اعتماد نظام الإطفاء بالبودرة بدلاً من المياه، ناهيك بعدم توافر المسطّحات المائية الكافية ضمن الغابات للاعتماد عليها في عمليات الإطفاء.

ليغدو من الملحاحيّة بمكان أن ترمّم وزارة الزراعة أداءها الحراجي وعلى وجه السّرعة؛ من خلال الاستئناس بما تعتمده الدول من تقنيات متقدمة في الإنذار المبكر عبر فرق الإطفاء الجوّالة المجهّزة والمدرّبة، وفتح المزيد من خطوط النار الواسعة والعريضة قبل كل موسم للحرائق مزوّدة بشبكات آبار ومناهل للمياه، إضافة إلى تدريب قادة ميدانيين للحرائق؛ لا تتدخل أية جهة في عمل قائد الحريق أثناء قيامه بعمله، مع تأمين كل مستلزمات الدعم له، وكذا التدريب على تقنيات التدخل السريع في مكافحة الحرائق، وإنشاء مراصد وأبراج مراقبة للغابات، إضافة إلى تشييد غرف عمليات للدفاع المدني في قلب الغابات، ومشاركة بلديات القرى المتاخمة للغابات في عمليات التدخّل السريع، وتمكينها من تقديم الدعم اللوجستي لرجال الإطفاء.

وإذ أكّد وزير الزّراعة خلال تفقّده عمليّات الإطفاء في إحدى بؤر النّار: (وجود عقوبات رادعة لكلّ من يتسبّب بحرائق الغابات في البلاد، لافتاً إلى أن هناك خبراء ولجاناً مختصّة في المحافظات، ستعمل على تبيان أثر الحرائق التي اندلعت خلال الأيام الماضية)؛ فإنّه لا بُدّ لوزارة الدّاخلية من تحمّل مسؤوليتها في التّصدّي الحازم والصّارم لظاهرة تحطيب الغابات أو تفحيمها، والتي باتت -بكلّ أسف- مهنة يمارسها الكثير من ضعاف النفوس، فضلاً عن ضرورة تزخيم جهود المجتمع المحلّي بمفاصله كافة؛ في مكافحة استشراء ظاهرة افتعال الحرائق في الغابات تمهيداً لعمليات التّفحيم التي حوّلت غاباتنا ومناطقنا الحراجية إلى مناجم تدرّ ذهباً؟!

أيمن علي

Aymanali66@hotmail.com