ثقافةصحيفة البعث

غاليري مصطفى علي تحتفي بالمايسترو نوري الرحيباني

 

في الأمسية الاحتفالية بالعيد الثمانين للمايسترو العالمي نوري الرحيباني وتكريمه بأمسية حوارية مع محبيه بإدارة الإعلامي ملهم الصالح في غاليري مصطفى علي، وفي لقاء لم يخل من عتب وشجون، رحب الرحيباني بمحبيه قائلاً”تجمعنا بلد حضارتها تعود إلى آلاف السنين وحينما نجد الفرصة نبدع”.

موسيقا رسمها القدر
بداية الحوار كانت مع أستاذه مصطفى كامل الصواف الذي أدخل التعليم الأكاديمي بشكل عملي بتدريس النوتة، وكوّن فرقاً موسيقية صغيرة لعزف الموسيقا الكلاسيكية، وألّف مجموعة أناشيد بعنوان”أناشيد الديار” سيقوم الرحيباني بتوزيعها على الكورال في العام القادم كما ذكر. واستحضر مع الصالح شريط الذكريات متوقفاً عند المحطة الأولى بعمله الموسيقي مع الكبير دريد لحام والمخرج ياسر المالح أثناء دراسته في كلية الحقوق بتكوين فرقة موسيقية، ثم أوفد إلى ألمانيا الديمقراطية لتحقيق حلمه بدراسة الموسيقا فدرس العزف على البيانو وقواعد التلحين، وفي عام 1968 قاد الفرقة السيمفونية في ألمانيا بدلاً عن القائد الأساسي لمرضه، فكانت هذه الحادثة بداية لطريق طويل رسمه له القدر فتابع دراسته بقيادة الأوركسترا، واكتسب الخبرة من العزف بدور الأوبرا الألمانية، إلى أن عاد إلى أرض الوطن عام 1975 فأسس فرقة إيقاعية للأطفال، ودرّس في المعهد العربي للموسيقا- صلحي الوادي- وأقام حفلات عدة في سينما الحمراء والمراكز الثقافية والمحافظات وتواصل مع د. صادق فرعون.
عمل الرحيباني على تنشيط الثقافة الموسيقية في الزمن الصعب، فحلم بتأسيس المعهد العالي للموسيقا وبتأسيس الفرقة الوطنية السيمفونية، لكنه لم يجد التعاون من قبل وزارة الثقافة فشعر بالإحباط الذي بدده بالعمل مع المخرجين بالموسيقا التصويرية مثل المخرج فواز الساجر، وغيره إلا أن شغفه الموسيقي دفعه للعودة ثانية إلى ألمانيا في عام 1980. وطوال سنوات بقي الحنين وهاجس الوطن يرافقان الرحيباني فكان لا يتوانى عن زيارته وتقديم الأمسيات، إلى أن رأى حلمه يتحقق بتشكيل الفرقة السيمفونية الوطنية عام 1993، ودُعي الرحيباني لقيادتها عام 2001 في قصر المؤتمرات.

التراث أوركسترالياً
ومن السرد الموسيقي إلى التجسيد الموسيقي بالعمل الهام الذي قام به الرحيباني لأغنية أسمهان” يا طيور” التي حوّلها إلى عمل أوبرالي ضخم موزع أوركسترالياً بصوت سوزان حداد، فعرض الصالح مقتطفات من العمل الذي سيعاد ضمن أمسية تكريم الرحيباني في دار الأوبرا اليوم الخميس، وتوقف معه الصالح عند المقدمة الموسيقية التي أضافها، فتحدث الرحيباني عن الدخول المباشر إلى اللحن بعد مقدمة قصيرة جداً والمباشرة بالحالة الدرامية للحن، فارتأى تأليف مقدمة تتناسب مع أبعاد اللحن وخصائصه ثم توزيعه بشكل متكامل مع الهارموني، وأشاد بالقصبجي الذي ألّف أوبرالياً هذا اللحن وبصوت أسمهان التي عدّها من أشهر مغنيات القرن العشرين، التي امتلكت صوتاً فريداً وغنت مقاطع أوبرالية.
كما وزع الرحيباني لحن “يا زهرة في خيالي”، لينتقل الصالح إلى المنعطف الهام بمسيرته بعمله على التراث الغنائي والموروث أوركسترالياً، بتوزيع موشح”لما بدا يتثنى” والأجمل كان بتفاعل الحاضرين مع مقطع الفيديو لتوزيع أغنية “بلدي يا بلدي” والبداية مع الآلات الإيقاعية الشرقية، ومن ثم التوزيع الأوركسترالي، ليعقب الرحيباني عن أهمية هذا العلم الذي يحتاج إلى دراسة وعمق وتطوير مستمر. ويبقى عمله الضخم” صور موسيقية من الشرق” هو الرابط بين الشرق والغرب.

التواصل مع الأجيال
شارك د. غزوان الزركلي بالحديث عن العلاقة الحميمة التي تربطه بالرحيباني منذ إيفاده إلى ألمانيا، ورأى بأنه لم ينصف وكان مؤهلاً لتأليف المناهج التعليمية الموسيقية ووضع استراتيجيات للمستقبل، ونوّه إلى أهمية التعليم الموسيقي والتواصل بين الأجيال الذي عمل عليه الرحيباني. وأثار الزركلي مسألة قلة مشاركة الرحيباني مع الفرقة السيمفونية الوطنية، وهو الذي عزف معها ما يقارب خمس مرات فقط.
قائد الفرقة السيمفونية الوطنية ميساك باغبودريان كان حاضراً وتحدث عن علاقته بالرحيباني الذي بقي بذاكرته منذ أن كان طفلاً ورأى على التلفزيون قيادته لفرقة الأطفال في ملحمة الربان والعاصفة التي جزء منها مستمد من حياة الفنان صفوان بهلوان، واستهوته الآلات الإيقاعية والنحاسية، وفي عام 1991التقى معه بمكتبة الأسد، إلا أن اللقاء الفعلي كان بقيادة الرحيباني الفرقة عام 2001 أثناء زيارة باغبودريان الوطن خلال دراسته بإيطاليا، فتحمس للعودة إلى أرض الوطن، وأشاد بالرحيباني الذي كان الضيف الوحيد الذي يقود الفرقة خلال سنوات الحرب.
د. كندة فرعون ابنة د. صادق فرعون كانت إحدى طالبات الرحيباني بفرقة الأطفال وكان اللقاء بينهما مؤثراً بعد سنوات طويلة، فاستعادت ذكرياتها منذ عام 1975من خلال استعراض الصور على الشاشة، وعلقت على التشدد بالتعليم والمواظبة وعلى إدخال آلة الإكسليفون التي كانت غريبة آنذاك. وأضاف أيضاً نعيم زابيطة المدرس في المعهد العالي للموسيقا عن حالة الفرح التي كان يعيشها الأطفال بالفرقة.

تقصير إعلامي
وقد أغنى الحاضرون الحوار بمداخلاتهم التي تعلقت بالاختلاف بين الصوت الطربي والصوت الأوبرالي وأهمية الجمع بينهما كما ذكر الرحيباني، وإشكالية الموسيقا بين السمعي والبصري، وكيفية الحفاظ على الهوية الشرقية بالتوزيع الأوركسترالي، وتقصير الإعلام بنشر الثقافة الموسيقية لاسيما التلفزيون.
خلال الأمسية عُرض فيلم توثيقي لمراحل حياته ومسيرته، إذ قاد العديد من الفرق السيمفونية مثل فرقة رايشنباخ وغيرها، وعن أعماله مثل تأسيسه فرقة الطبل الناري للموسيقا الإيقاعية، ومساهمته بالموسيقا التصويرية ومؤلفاته مثل صور موسيقية من الشرق وأنشودة السلام ولحن موسيقا أسطورة حرب الشفاه. واختتم الجلسة الفنان مصطفى علي بقوله”سورية محظوظة بقامات فنية وثقافية موجودة في كل بلاد العالم”.
ملده شويكاني