ثقافةصحيفة البعث

“حلم” يجسد الحياة بألوانها المشرقة

 

 

لم يتردد لحظة واحدة في تسمية معرضه بـ”حلم” الذي أنجز أغلب أعماله في أحلك الظروف وأقساها، والتي كانت بعيدة كل البعد عن حالة الحلم والرومانسية التي تعيشها شخوص أعماله، لذلك كان لا بد للفنان علي حسين من وسيلة للدفاع عن الروح التي كسرتها الأحداث المؤلمة، ولكي يعود إلى فرشاته وألوانه قدم معرضه الفردي في صالة “ألف نون” فكانت ذاكرته هي السبيل الوحيد للخروج من هذا الواقع، وفي تصريحه لـ”البعث” قال الفنان حسين: أنا أول من رسم الحلم في سورية والوطن العربي، لقد تناولت الموضوع بغزارة ومنذ زمن طويل، فـ”حلم” له علاقة بالطفولة عندما حملت مذياعي الصغير وصعدت إلى سطح بيتنا القديم في عتمة الليل واستلقيت على بساط قديم أفقدته الشمس ألوانه وبدأت أتأمل السماء والقمر والنجوم، وتلك الزرقة التي لم تفارق مخيلتي أبداً، بقيت في ذاكرتي إلى أن حولتها إلى لوحات استخدمت فيها الألوان الدافئة وأحياناً ألوان متناقضة لخلق عمل فني جميل.

حضور المرأة
المرأة موجودة في أغلب لوحات المعرض بأحجام كبيرة، وعن هذا الجانب أجاب الفنان حسين: أنا أرسم المرأة بغض النظر عن أي شيء، فحركتها جميلة مثل حركة شعرها أو منديلها، وأرسم المرأة الريفية والكثير من حياتها، ولوحاتي ليس لها علاقة بزمان أو مكان وبعيدة عن الأجواء المغلقة وتندرج دائماً ضمن إطار التكوين المفتوح بالهواء الطلق.
وعن رسالته عبر المعرض أضاف: هناك الكثير من مقاطع الفيديو عبرت عن الحرب بطريقة أفضل بكثير من الرسم، وشاهدنا وتابعنا على الشاشة المأساة الحقيقية بما يكفي، لذلك أرى أن الفنان لا يستطيع التعبير عن الحرب بريشته أكثر من ذلك، فوجدت في هذه الفترة أن مهمتي هي نقل الصورة الجميلة عن الحياة والصورة السعيدة والفرحة المليئة بالألوان، وعنونت المعرض بـ”حلم” لكي نحلم بأيام قادمة أجمل.

أمل وحياة
الحلم والحياة والأمل هي مايميز لوحات الفنان علي حسين، وهذا ما عبرت عنه المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية د.بثينة شعبان بالقول: أنا سعيدة بحضور كل هذه الألوان الصاخبة المليئة بالحياة والأمل، والتي تعبر بالوقت نفسه عن ذوق الفنان ومحبته وبأن المرأة هي جزء أساسي وجميل في هذه الحياة، ويمكن إيصال العديد من الأفكار من خلالها.
وأضافت: من خلال الإعلانات الطرقية أفكر دائماً فيما يقوله الأجانب والزوار إلى سورية ويتفاجؤون بأننا بعد هذه الحرب الطويلة لدينا من يرسم بهذه الطريقة والألوان والثقافة، خاصة من خلال الرموز الواضحة في لوحات المعرض مثل “الرمان”، والفنان علي يمثل حصيلة تراث ثقافي وروحي آمل بالمستقبل أن يتحدى ويتجاوز كل زمان ومكان ويزرع لدى الأجيال القادمة حلم أننا باقون ومنتجون، ولا يستطيع أحد اقتلاعنا من هذه الأرض الطيبة.

سورية الأصالة
وفي فضاء “ألف نون” استقبل الفنان بديع جحجاح معرض “حلم” وتحدث عن الفنان قائلاً: علي حسين فنان أصيل من روح متجذرة بالأرض، ونلاحظ هذا الشيء من خلال ارتباط لوحاته بالمرأة، وهي رمز لسورية وبهذا التجلي نحكي عن حلم الأرض واللون والانبعاث الجديد والخروج من هذا القبح الممارس على هذه البلاد الآمنة، والولوج إلى عالم الأنوثة من خلال اندماجها في عالم الطبيعة والحلم المسكون فيه، حيث التجارب على جنبات الطرق ممتلئة بثمار المعرفة مثل المصادفات غير المتوقعة والأخيلة المنثورة كغبار الذاكرة والأحلام المتبدلة التي تنمو مع كل ولادة بيوم جديد شمسه أكثر حرارة وحميمية وأوضح رؤية، وفي “ألف نون” استطعنا إقامة جسر من العلاقة الراقية، وهذا التمازج والتلاقي يبشر بأن الحلم سيصبح حقيقة بفضل انتصارات الجيش العربي السوري، ودائماً الثقافة هي بوابة للمعرفة والنور وهذا ما نشاهده في لمسات القمر الموجودة عند الفنان حسين في بعض الأماكن من اللوحات، ونرى الأنثى بشكل بروفيل جانبي أو مواجهة تخبرنا السرد والأخبار، وفي المحصلة هذا المحتوى هو سورية الجميلة والنبيلة، واللون يعطي قيمة مضافة للعمل التشكيلي، والحلم عند فناننا هو حلم ملون وموجود من خلال المثلثات والأشكال الموشورية وكأننا داخل بنية فيها تعشيق من الزجاج الملون، وأهم ما في اللوحات والأعمال التي ضمها المعرض أنها تأخذك عبر الأنثى لتثبت للجميع أن هذا البلد عظيم ومقدس، ويجب العمل على قيمنا الروحية وإعادة إحيائها من جديد بعيداً عن الهجمة المادية في كل الأشياء ولنعد إلى المشرق والدفء.

هدوء وسلام
ويرى الناقد والفنان التشكيلي سعد القاسم أن تجربة علي حسين هي تجربة خاصة وفريدة ومتطورة وغير متكررة في الفن التشكيلي السوري إذ قال: نرى لوحات بأشكال متعددة وغنية، فهو يعمل بالواقعية التي يحبها الناس وأعماله تحمل شيئاً من التأمل والهدوء، وحالة من السلام والسكينة التي تترجم طبيعته الحقيقية، وقد رسم الأيقونة التي تعتبر جزءاً من تاريخنا التشكيلي الفني، ولطالما كانت المرأة الموضوع المحبب دائماً عند الفنانين التشكيليين فهي هم أساسي بالنسبة للرجل وتشغل الجانب الجميل من تفكيره، وغيابها هو الذي يلفت نظرها، والواضح في اللوحات أيضاً الحضور اللوني، والحالة الإنسانية العميقة الموجودة عند أكثر فناني حلب.
جمان بركات