دراساتصحيفة البعث

الكل يهدد بالحروب التجارية

ترجمة وإعداد: عائدة أسعد

تسبّبت الحرب التجارية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين بإلحاق أكبر ضرر بالاقتصاد العالمي، ولكن الخلاف التجاري بين اليابان وكوريا الجنوبية يشير إلى أن العالم بانتظار مواجهة مشكلات كبرى.

في أواخر عام 2018 بدأت شرارة التوتر بين البلدين بعد أن قضت المحكمة العليا لكوريا الجنوبية بأنه يتعيّن على عدد من الشركات اليابانية دفع تعويضات لمجموعة من الكوريين الجنوبيين (أو أحفادهم) ممن أُجبروا على العمل لمصلحتها، واستخدموا كسخرة خلال الاحتلال الياباني لشبه الجزيرة الكورية من عام 1910 إلى 1945، ورفضت اليابان ذلك، وبدلاً من ذلك دفعت حينها 800 مليون دولار كمساعدات وقروض لكوريا الجنوبية وبقيت تجادل على أنه تمّت تسوية كل تلك الادّعاءات والمطالبات بموجب معاهدة 1965 بين الجانبين، لكن المحكمة العليا في كوريا الجنوبية لم توافق على ذلك، وأصرّت إدارة الرئيس (مون جاي إن) على أنه ليس لديها أية سلطة لإبلاغ القضاء المستقل في البلاد بإلغاء الحكم. ولشعور اليابان بالإحباط من الإجراءات، ولأنها مصمّمة على ممارسة الضغط على حكومة مون للتدخل بطريقة ما، قامت في شهر تموز الماضي بتشديد القيود المفروضة على العديد من صادرات التكنولوجيا الفائقة إلى كوريا الجنوبية، وفي بداية شهر آب الفائت خفّضت تصنيف كوريا الجنوبية كشريك تجاري موثوق به بإزالتها من القائمة التفضيلية للشركاء التجاريين والتي تشمل 27 دولة. وبالمقابل ردّت كوريا الجنوبية على ذلك بعزمها على إزالة اليابان من القائمة نفسها، وفجأة اندلعت الحرب التجارية بين البلدين الأكبر اقتصادياً في آسيا.

في 4 تموز 2019 قامت اليابان بفرض قيود على تصدير ثلاث مواد كيماوية مهمّة تدخل في تصنيع أشباه الموصلات، ورقائق الذاكرة وشاشات العرض، مع العلم أن الشركات الكورية تعتمد بصورة شبه كاملة على تصدير اليابان لهذه المواد، وهي: البلوميد، المادة المستخدمة في صناعة شاشات الهواتف الذكيَّة والشاشات المسطحة ومادة فوتوريسست التي تدخل في صناعة الرقائق التي تستحوذ اليابان على إمداد 90٪ من كل منها، ومادة فلوريد الهيدروجين التي تستحوذ اليابان على إمداد 70٪ منها وهي تستخدم في صناعة رقائق الذاكرة.

ومنذ بداية شهر تموز 2019 انتظمت حملة مقاطعة كوريا للسلع والمنتجات اليابانية في الأسواق الكورية تحت اسم “قاطعوا اليابان” على وسائل التواصل الاجتماع كردّ على الإجراءات اليابانية الأخيرة، ونتيجة هذه الحملة تراجع عدد السيارات اليابانية التي بِيعت في السوق الكورية بنسبة 32٪ خلال الشهر نفسه، وتراجعت مبيعات شركة تويوتا أيضاً بـنسبة 32٪، وتراجعت مبيعات شركة هوندا بنسبة 34٪. وأشارت الأرقام الصادرة عن جمعية مستوردي وموزّعي السيارات في كوريا الجنوبية إلى تراجع مبيعات سيارات لكزس بنسبة 25٪ والتي تعدّ الثالثة الأكثر مبيعاً في الأسواق الكورية، وهكذا تأثرت مبيعات السيارات اليابانية سلباً جراء المقاطعة الشعبية الناجمة عن التوتر الدبلوماسي والتجاري بين طوكيو وسيؤول، وذلك عدا عن تأثر القطاع السياحي في اليابان، فقد استحوذت كوريا الجنوبية على 24٪ من إجمالي الزائرين الأجانب لليابان في عام 2017، وفي 2018 بلغ عدد زوار اليابان من كوريا الجنوبية نحو 7.5 ملايين نسمة.

حبل الودّ بين اليابان وكوريا الجنوبية مقطوع من الأصل، فقد مضى 75 عاماً على انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومازال الطرفان يجادلان حول مسألة حجم وكيفية ومقدار ما يجب على اليابان دفعه بالشكل الأنسب بسبب انتهاكاتها السابقة.

إن اندلاع الحرب التجارية بهذه السرعة يثير القلق حول إرضاء الغضب الشعبي، ففي نهاية الصيف سبعة من أصل عشرة من اليابانيين أيّدوا القيود المفروضة على سيؤول وأكثر من نصف الكوريين الجنوبيين وافقوا على الطريقة التي تتعامل بها إدارة مون مع اليابان، وبوجود أرقام كهذه من غير المحتمل أن يقوم الرئيس مون أو رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي بالخطوة الأولى نحو المصالحة.

في الأول من شهر تشرين الأول الجاري اتهمت سيؤول طوكيو بوضع طلب موافقة شركة يابانية لإرسال شحنة من فلوريد الهيدروجين السائل في الأدراج وتجاهله، وهو أمر بالغ الأهمية في مواصلات كوريا الجنوبية، مما زاد من القلق بشأن سلاسل الإمداد التكنولوجي، وحتى في آب الماضي امتدت الحرب التجارية لتطال الشأن الأمني حين أعلنت سيؤول أنها لن تجدّد اتفاقية تبادل المعلومات الاستخباراتية مع طوكيو مما أثار استياء الولايات المتحدة الأمريكية.

لا يمكن لواشنطن أن تقول الكثير عن ذلك في هذه الأيام، فالولايات المتحدة هي التي قرّرت حزم مجموعة من النزاعات الأخرى مع الصين وتحويلها إلى حرب تجارية وهدّدت بزيادة الرسوم الجمركية على المكسيك حتى تعزّز أمن الحدود، وذلك ما يشكّل سابقة مقلقة لمن كانوا في السابق حذرين من فعل الشيء نفسه، وهكذا أصبحت التجارة سلاحاً مقبولاً في الترسانة الدبلوماسية لأي بلد، ففي آب الماضي هدّد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بإلغاء اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأوروبي وميركوسور بسبب رفض الرئيس البرازيلي جاير بولسونارو التعامل مع الحرائق في غابات الأمازون، ومع قرار الولايات المتحدة بالتوقف عن لعب دور القيادة العالمية والتوسط في النزاعات قد يواجه العالم المزيد من الشكاوى والمظالم التي تعكّر صفو الاقتصاد والتجارة بين الدول.