دراساتصحيفة البعث

الرأسماليون لن ينقذوا الكوكب

ترجمة: علاء العطار
عن موقع “ألتيرنت” 19/10/2019

لا تكفّ الأخبار السيئة عن المجيء تباعاً، إذ كشفت الدراسات العلمية عن أدلة تشير إلى أن الكوكب يتجه نحو كارثة لا يُسبر غورها، ونشر في العام الماضي وحده عدد لا يُحصى من المقالات التي تحذّر من وقوع كارثة في المستقبل أهملتها معظم التقارير التي نشرتها الأمم المتحدة وغيرها من المؤسسات الدولية.

نتائج تغيّر المناخ ماثلة أمامنا الآن: مزيد من الأحداث المناخية الحادة والمتكرّرة، كالأعاصير والفيضانات والجفاف وحرائق الغابات وموجات الحر، وارتفاع منسوب مياه البحار الذي يهدّد منازل وأرواح وسبل حياة ملايين البشر، وذوبان الجبال الجليدية والطبقة المتجلدة تحت الأرض القطبية.. وغيرها.
وتجمع التقارير العلمية على أن الأمور تتجه للأسوأ: ندرة الغذاء والمياه على نطاق واسع، زيادة الآفات وأمراض التحسّس، والتدهور الاقتصادي، والأضرار التي لحقت بالبنى التحتية والنظم البيئية والأنظمة الاجتماعية التي توفر فوائد أساسية للمجتمعات المحلية.
وكما قال نعوم تشومسكي: “إن وصف هذه التحديات بأنها حادة للغاية لهو خطأ، فهذه العبارة لا تعبّر عن ضخامة أنواع التحديات التي تنتظرنا”.
بإمكاننا ملاحظة ثلاثة أنواع من الأجوبة على أزمة تغيّر المناخ، أولاً، من الجليّ أن مذهب الفاعلية آخذ بالارتفاع على النطاق العالمي، وعادة ما يقوده الشباب الذين سيتحملون العبء الأكبر من تغيّر المناخ.
شارك الملايين في 20 أيلول الماضي في الإضراب العالمي من أجل المناخ، ووقّعت /530/ مجموعة من جميع أصقاع المعمورة على بيان “لوفوتين” الذي يدعو إلى التخلّص التدريجي السريع من الوقود الأحفوري.
وحشدت إحدى المجموعات الموقعة، “ذي إكستنكشين ربيلين”، ناشطين على مدى أسبوعين ليقوموا بنشاط دراماتيكي مباشر وعصيان مدني في مدن من نيويورك وفيلاديلفيا إلى لندن وباريس وبرلين ومدريد وأمستردام وتورنتو وسيدني، فقاموا بمسيرات ومسرحيات في الشوارع، وتظاهر نحو 200 من الأمهات الفتيات من مدينة ويستمنستر إلى شارع داونينغ وهن يعتنين بأطفالهن الذين يردن حمايتهم من الكوارث المناخية.
ثانياً، أدركت معظم أمم العالم وبعض الشركات الكبرى الآن أن العالم يواجه تحدياً عويصاً، واتخذت حكومات عدة خطوات أولية باتجاه تغيير انبعاث ثاني أكسيد الكربون في بلادها، بل إنها تعهدت القيام بذلك، في حين لم تصدر عن قمة الأمم المتحدة للعمل من أجل المناخ سوى تعهدات متواضعة لعدد قليل من الدول، لذلك إن أراد العالم تجنّب حدوث نتائج كارثية فهذه الخطوات لا تزال غير كافية.
لماذا هذا التقاعس النسبي في مواجهة كارثة عالمية؟. إن القدر الأكبر من انبعاث الغازات الدفيئة يصدر عن الاقتصاديات الرأسمالية المتقدّمة في العالم، وتتصدّر الولايات المتحدة القائمة، ومقابل ذلك، يُعدّ الأناس الذين يعيشون في البلدان التي تمتلك أقل تأثير في تغيّر المناخ أكثر عرضة لآثاره السيئة. وهذا الظلم ليس سوى مظهر من مظاهر الأذى والجور التي تكمن في استغلال العالم الإمبريالي الرأسمالي للعالم النامي، إذ تتنافس القوى الرأسمالية الأساسية مع بعضها للهيمنة على استغلال موارد البلدان النامية.
وعليه، فإن جميع القوى الرأسمالية تكره إضعاف مركزها التنافسي إزاء الاقتصاديات الرأسمالية الأخرى، ففي العالم الرأسمالي، يجب أن تعمل كل وحدة اقتصادية على حماية ما تعتبره مصالحها، ويشكّل القطاع العام القوة المناوئة الوحيدة، لكن كل سلطة عامة مقيدة بالخوف من أن يؤدي ضغطها باتجاه مصالحها إلى هروب رأس المال وتقويض قابلية النمو، ولا أحد ينكر أن الشركات والأثرياء يسيطرون على صياغة السياسة العامة، والولايات المتحدة هي أكثر الدول معاناة من هذه المعضلة. هذه هي الطريقة التي تعمل بها الرأسمالية، ما يشي بمدى أهمية التغييرات وقدرها في حال أراد العالم تجنّب الكارثة.
أخيراً، استهزأت إدارة ترامب وحلفاؤها بالعالم بوقاحة عبر تسريع سباق التدمير المتمثّل بالوقود الأحفوري. ومن بين محاولاته الوقحة للاستهزاء بالإجماع العلمي العالمي تعهدُ ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس، وترويجه لمصالح الوقود الأحفوري في محادثات المناخ عام 2017، وقيامه بحملة لإنهاء “الحرب على الفحم”، ورفعت الإدارة القيود المفروضة على تسرب الميثان من آبار النفط والغاز في البلاد، واتخذت خطوات لتشجيع التنقيب عن النفط في المناطق الساحلية والقطب الشمالي.
والحقيقة هي أن تغيّر المناخ يتسبّب بمقتل 150000 شخص كل عام، ويرجح أن يتضاعف هذا الرقم في غضون عقد من الزمن، ويساهم في إصابة 5 ملايين شخص بالأمراض كل عام. وإذا لم يتمّ ضبط الأمر، فقد يصل عدد ضحايا تغيّر المناخ إلى عدة ملايين، والمتهم الأكبر هم الفاعلون السياسيون ومنتجو الوقود الأحفوري الذين يقاومون التغييرات الأساسية الضرورية، إنهم يرتكبون جرائم بحق الإنسانية.
ليس بوسع العالم انتظار الدول الرأسمالية لفرض قيود كافية على انبعاث الغازات الدفيئة، لذا فإن إضراب المناخ ما هو إلا بداية انتفاضة عالمية لعدد متزايد من الأشخاص، وستزداد المواجهة مع الملوثين الأقوياء ولن تقلّ أبداً، وفي النهاية، سيكون المعيار هو أن تصبح الانتفاضة العالمية قوة منسقة لتغيير منهجي لم يعد بإمكان القوى العالمية إغفاله.