دراساتصحيفة البعث

روسيا كوسيط صادق في الشرق الأوسط

 

ترجمة: لمى عجاج
عن استراتيجيك كلتشر 18/10/2019

أثبتت جولة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الأخيرة في الشرق الأوسط تفوق روسيا كوسيط موثوق ومحترم، وربما محوري للسلام في المنطقة. هذا التفوق يأتي في الوقت الذي تتعثّر فيه الولايات المتحدة بفعل سياساتها المفلسة القائمة على الهيمنة.

بعد عقود من انتهاء الحرب العالمية الثانية هيمنت الولايات المتحدة على المنطقة الغنيّة بالنفط، ولم يكن هذا من باب المصادفة بل كان جزءاً من خطتها السياسية والتي عُرفت في تلك الفترة بما يُسمّى بـ “باكس أمريكانا” أي “السلام الأمريكي” والتي تقوم على فكرة التفوق الأمريكي، فآلية عمل السياسة الخارجية لواشنطن تنبع من الأهداف الإمبريالية التي تقوم في الأساس على السطوة والهيمنة، وهي في الغالب سياسة عواقبها الخسارة والخروج صفر اليدين. وتستخدم الولايات المتحدة في هذه السياسة عملاءها وأدواتها في المنطقة تحت مسمّى “حلفاء” و”شركاء”، أو تلجأ إلى استهداف الدول التي تزداد فيها الصراعات والفوضى لقلب أنظمتها وتحقيق غاياتها. وكان الشرق الأوسط شاهداً حياً على هذه السياسة، فقد كان بكلّ ما تحمل الكلمة من معنى حلبة للصراعات والنزاعات الطائفية والحروب التي لا نهاية لها، وكلها كانت من صنيعة النظام الأمريكي الذي زرع النزاع والشقاق والدمار لتحقيق أهدافه الأحادية الجانب لإرضاء هيمنته الإمبراطورية.
على المقلب الآخر وعلى النقيض مما سبق نستطيع أن نلمس كيف تتحرك الجغرافيا السياسية لروسيا مدفوعة بالتعددية والالتزام بالقانون الدولي، فقد أعلنت موسكو التزامها بمبادئ احترام السيادة الوطنية على النحو المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة الذي أنشئ في عام 1945، والسياسة الخارجية لروسيا ليست امبريالية بل قائمة على تبادل المنفعة، ويمكننا ملاحظة ذلك في الطريقة التي احتضنت بها روسيا الصين، ووقفت إلى جانب العديد من الدول الأخرى في مجال التعاون من أجل الشراكة الاقتصادية والتنمية المنبثقة من العقيدة العسكرية التي تتبناها موسكو، وتستند بشكل أساسي إلى الدفاع على عكس الولايات المتحدة وعلاقتها الإمبريالية بالعالم التي ترتبط بالجريمة والعدوان وتقوم على القوة التي تعتمد على الهيمنة وإخضاع الآخرين لخدمة أهدافها، القوة التي سيكون مصيرها عاجلاً أم آجلاً التضاؤل والتلاشي لسببٍ بسيط، وهو أن حلفاء الولايات المتحدة المفترضين فقدوا ثقتهم بواشنطن التي لا تفكر سوى بإقليمها، لأجل ذلك طغت الازدواجية والخيانة على السياسة الأمريكية.
يبدو أن عجز واشنطن أصبح أكثر وضوحاً في ظل إدارة ترامب، الذي كان له دور كبير في إظهار حجم هذا الضعف الذي أصاب القوة الأمريكية بفعل هذه السياسة التي كانت لعنة حقيقية على الشرق الأوسط وبقية العالم، وعلى التعاون والتعددية واحترام السيادة والدبلوماسية. بالمقابل استطاعت روسيا أن تحجز لنفسها مكانة مميّزة على المستوى العالمي، وذلك بفضل تنامي أهمية الرؤية الجيوسياسية التي تطرحها وتتبناها، وهذا ما تبدى بشكلٍ جليّ في الاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس فلاديمير بوتين في السعودية والإمارات المتحدة على الرغم من شعورها بالخزي والهزيمة بعد الخسائر المادية الضخمة التي تكبدتها نتيجة رعايتها للحرب على سورية وتمويلها للجماعات الإرهابية وتزويدها بالأسلحة.
الرئيس الروسي كان الداعم الأكبر لسورية في حربها على الإرهاب، كذلك وقفت روسيا بقوة في دعم إيران وحقوقها السيادية في وجه العقوبات الأحادية التي فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية، فالخصومة المستمرة منذ عقود بين إيران والسعودية والخليج العربي هي إلى حدّ كبير نتيجة للسياسة الأمريكية المتمثّلة في “فرق تسد”. الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هو الآخر كان أيضاً مثالاً آخر على التصادم بين الأهداف الامبريالية المتّبعة في السياسة الخارجية، وبين السياسة التي تتبناها روسيا بشأن الحرب على سورية. فبعد أن دعمت أنقرة حملة تغيير النظام غير القانونية التي أشعلتها واشنطن وعملاؤها في الناتو خسرت تركيا الرهان، حالها كحال الأنظمة العربية الأخرى في الخليج. في المقابل أنجزت روسيا عملاً رائعاً في سورية استحقت عليه لقب “التحفة الدبلوماسية”، وهذا ما أوضحه كاتب المنتدى الصحفي فيدريكو بيراتشيني.