ثقافةصحيفة البعث

الشـــــاعر غســـــان مطــــر: نـــزفـــت شــــــــعراً كـــــان خَـــــلاصـــــي

 

 

اعتبر الشاعر اللبناني غسان مطر وجوده وتوقيع أعماله الكاملة في مكتبة الأسد الوطنية ضمن معرض الكتاب وساماً على صدره، وقد جاءت الأعمال الكاملة في مجلدين من القطع الكبير وضمت خمسة عشر ديواناً أصدرها مطر خلال مسيرته الشعرية الطويلة الممتدة من منتصف ستينيات القرن الماضي، وعبّر مطر عن سعادته بإقامة معرض الكتاب لأن هذا يعني أن سلاح دمشق في نجاتها وانتصارها ليس بالرصاص وحده بل بالكلمة أيضاً، مبيناً في حواره مع “البعث” أن إقامة المعرض بحد ذاته كانت دلالة على أن سورية تجاوزت الحرب وأكدت انتصارها على المؤامرة الكبرى التي أريد من خلالها تدمير كل ما هو جميل.

سورية وطني
ولا يخفي مطر أن جل ما كان يخشاه أن تضيع سورية لهول المؤامرة التي حيكت لها، ولكن في السنوات الثلاث الأخيرة وعندما بدأ الهجوم المضاد من قِبَل سورية من أجل تطهيرها من رجس الإرهاب أصبح أمله كبيراً في أن الانتصار بات قريباً على الأراضي السورية كافة، مؤكداً أنه لا يبالغ إن قال أنه يشعر في دمشق وكأنه في بيته، فسورية وطنه لأنها تعني بالنسبة له بلاد الشام عامة، وهي بذلك تاريخه وثقافته التي يؤمن بها، وهي مستقبله ومستقبل الأجيال القادمة، معترفاً أنه وفي ذروة الألم نتيجة ما حدث في سورية عجز عن التعبير عن هذا الألم، ولكن مع بداية انكسار المشروع المعادي وبداية تباشير الانتصار كبر عنده التفاؤل وأصبح قادراً على قراءة المستقبل بشكل مختلف .

الشعر ليس وثيقة
هل يمكن أن يكون الشعر وثيقة توثق ما يحدث سواء في سورية أو لبنان أو العراق؟ هنا يرى مطر أن الشعر ليس وثيقة لأن الوثيقة لها مفهوم علمي خاص، في حين أن الشعر هو إضاءة وقد أضاء في كتاباته الشعرية على ما كان يحدث في البلاد العربية، ففي العام 2006 وخلال حرب تموز في لبنان كتب مجموعته “لمجدك هذا قليل” عن المقاومة ولبنان، وحينها سجل يوميات الحرب وكان النصر واضحاً أمامه، فكان في كل قصيدة يكرر: لن نموت وسننتصر، وهذا ما فعله أثناء الحرب على العراق عندما كتب “دماء فوق النخيل” مشيراً إلى أنه ومنذ العام 1967 يلتقط المناسبات الهامة في تاريخنا ويكتب عنها لتكون مجموعاته لمن يقرأها من البدايات وحتى النهايات دليلاً على الأحداث والمناسبات التي مررنا بها .
الغضب والحزن حبر الشعراء
ولأنه لا شيء يشفي كالكتابة أمام الفقدان الموجع الحقيقي كان شعر غسان مطر خلاصاً وحاجة عَبَّر من خلالها عن آلامه وأوجاعه، فكان ينزف شعراً، مبيناً أنه وعند استشهاد ابنته الوحيدة بسيارة متفجّرة كتب 3 مجموعات خلال سنة واحدة، فكتب “على قبر لارا” و”بكاء على دم النخيل” و”هوامش على دم القصيدة” وكلها في سنة واحدة، ولا يدري إن كانت هذه القصائد مرثيات، ولكنها بالتأكيد كانت وسيلته لمواجهة حزنه الكبير الذي لازمه دائماً ولا يزال وهو حزن ممزوج بالغضب، فمن يقرأ شعره يشعر بحزنه ونقمته على ما نعاني منه في بلادنا العربية، معتبراً الغضب والحزن حبر الشعراء .

أوركسترا من التفعيلات
لم ينحرف غسان مطر في شعره على صعيد الشكل عن كتابة قصيدة العمود أو التفعيلة، ولطالما ابتعد عن النثر، وهو قرار اتخذه انطلاقاً من إيمانه بأن النثر نثر والشعر شعر، مع إشارته إلى أن النثر قد يحتمل الكثير من الشعر ولكنه في النهاية يبقى نثراً بمضمون شعري، أما القصيدة فهي موضوع آخر ولكنه لا ينفي خروجه عن القصيدة التقليدية في بعض الأحيان باتجاه الشعر الحر، ولا مشكلة لديه في ذلك طالما أن الإيقاع ظل موجوداً، وهذا ما يصر عليه مطر لأن المحافظة على الإيقاع مظهر من مظاهر شعرنا الذي يمتد عمره لـ 3 آلاف سنة وأحد مرتكزاته التي حاول الغرب زعزعتها فأتى بمن يقول لتكتبوا الشعر المنثور، في حين على أرض الواقع لا يوجد شعر منثور وآخر غير منثور، وكل ما في الأمر أن الأبيات الشعرية عند الغرب لا يوجد فيها إلا إيقاع واحد وهو “حركة سكون حركة سكون” وهذا ناتج عن طبيعة اللغة الفرنسية أو اللاتينية بإمكانياتهما التجديدية أو الإبداعية من حيث الصياغة والإيقاع بينما يوجد في الشعر العربي أوركسترا سيمفونية حقيقية من التفعيلات والجوازات وهذا ما يجب المحافظة عليه وعدم التخلي عنه، مؤكداً أن من يحافظ عليه لا يعني انه لا ينتمي إلى الحداثة، ويتساءل: هل الحداثة أن نقضي على كل تاريخنا وعلى ما قدمه من سبقنا؟ هل الحداثة أن نقضي على أدوات الجمال في الشعر العربي وعلى الاحتمالات الرائعة غير الموجودة في اللغات الأخرى؟ لماذا يصر البعض على خيانة كل أدوات الجمال الموجودة في تاريخنا من أجل ما يسمى بالحداثة؟

شاعر المقاومة
نذر غسان مطر نفسه وشعره دفاعاً عن مبادئ الحقّ والحريّة والكرامة الإنسانيّة ورفض الظلم والاستبداد والاحتلال، لذلك يُعد من الشعراء العرب الذين ناهضوا الاحتلال الصهيوني ودعوا للمقاومة ورفض التطبيع مع كيان الاحتلال ونبذ دعوات التخلي عن أي ذرة من تراب الأرض، فجاء شعره مقاوماً على الأغلب، منوهاً إلى أنه هجر شعر الغزل لأن الظروف التي تمرّ بها بلاده هي التي سيطرت على كل هواجسه وأحاسيسه، فأصبحت أرضه هي المرأة الجريحة التي عليه أن يداوي جروحها وهي المعذّبة والمغتصبة والمقسّمة وتستحق منه أن يكتب لها،مشيراً إلى أن قصيدته لا تولد عن سبق إصرار ولا يبحث عنها بل ينتظرها لتدق باب قلبه، حينها يفتح الباب لها، وهو لا يدّعي أنه من صنعها بل هي التي تصنع نفسها بنفسها .
وعن جديده بيّن مطر أنه اليوم بصدد التحضير لمجموعة شعرية مختلفة عما سبق وكتبه من حيث الشكل والمضمون، حيث تدور قصائدها حول التساؤلات الوجودية الكبيرة وهي خلاصة خبرة وتجارب اكتسبها خلال مسيرته .
أمينة عباس