ثقافةصحيفة البعث

“ديمة قندلفت”.. عندما يُمثل البهاء السوري

سيصيبك الإرهاق صديقي القارئ وأنت تحاول أن تحصي أو تتذكر الأعمال الفنية والشخصيات الدرامية المتنوعة والغنية التي جسدتها بإحساس عال الفنانة السورية “ديمة قندلفت”؛ رقم صعب من أرقام الدراما السورية، وأحد وجوهها الأكثر ألفة في وجدان الجمهور، حتى يكاد موسم درامي تغيب عنه، يبدو عليه العيّاء، إنها الممثلة القادرة على منح شعور آخر مختلف عما تقدمه الشخصية التي تؤديها، عدا عن كونه من خارج كل عوالم العمل الفني، وهو شعور الألفة، وهذا ليس بالأمر السهل أو حتى الممكن للممثلين عموما، ويقتصر محليا وعالميا على نجوم قلة في هذا العالم الكبير والواسع، وهي ربما صفة اكتسبت تصديرها كشعور حسي للمتلقي، عندما كان الغناء هو الذي يعبر عنها، حنجرتها وإحساسها المرهف بما تقدمه من أغان لها منحاها الروحي، عندما بدأت خطواتها الفنية بالغناء مع “جوفة الفرح”، تلك الخطوات لن تلبث أن تصبح أجنحة حلقت بها وبزمن قياسي لتحط بثقة بين نجوم الصف الأول في فن الدراما عموما والتلفزيونية منها بشكل خاص، والحياة العملية التي تخللتها سنوات دراستها للتمثيل في الأكاديمية السورية للفنون المسرحية، كانت بمثابة تلميع لموهبتها وأمام طموحها الكبير في هذا الوسط، فالموهبة التي تحوزها تغلي كمرجل بداخلها، وهذه الطاقة تريد أن تنبلج وبقوة، وهذا ما كان، ففي الوقت الذي كان العالم بأسره يُنجّم عن أن نهاية للوجود البشري ستحل مع بداية الألفية الثانية، كانت “ديمة” تقف على الخط الأبيض متأهبة كغزالة للانطلاق في غمار عالم الفن الذي صارت من أشهر وجوهه،ولتبدأ سباقا بلا انقطاع مع الحياة وما شَغَفَ قلبها ولها فيها، لتتوالى الأعمال الدرامية المنوعة التي قدمتها، ذاهبة في تقديمها لأكثر الشخصيات النسائية جرأة، “غزلان في غابة الذئاب، ما ملكت أيمانكم، علاقات خاصة، 24 قيراط، قاع المدينة، سحابة صيف”، والأخير نالت عليه جائزة أدونيا كأفضل ممثلة دور ثاني عن دورها “شهد”. وفي عالم الدراما بأنواعها –مسرح/ سينما/ تلفزيون، اختطت “قندلفت” طريقها الخاص الذي لا يشبه أحدا، إنها ملامح مستقرة اليوم على الهيئة التي أرادتها، والتي عملت بدأب على تجميعها وكأنها لوحة بزل ضخمة، لم تزل مستمرة في وضع قطعها الأهم في كل دور تقدمه.

ما من شخصية قدمتها صاحبة مقولة “سأظل متمردة حتى الموت”، إلا وتآلفت مع روحها،فتمكنها من أدواتها كممثلة، وقدرتها على منح الدور حياة نابضة بكل ما فيها، جعلت من حضورها في الدراما التلفزيونية المحلية، ضرورة ملحة، خصوصا وأنها لا تعتمد المظهر الخارجي للنجاح في تأدية هذا الدور أو ذاك، فخلال الطريق الفني الذي اختطته، لم تكن عمليات التجميل بأنواعها هاجسها، كما لم يكن الجمال الصارخ في بدايتها الفنية، جواز عبورها لعوالم الفن، كما يحدث عادة، وفي مرور عام على ألبوم الشخصيات التي قدمتها، سنجد أنها قدمت أهم أدوارها وأكثرها أهمية وجرأة، باعتمادها على أدائها فقط، لإدراكها الذكي، بأن ما تعتمد عليه فنانات أخريات لتعويضهن ضعف الأداء، هي ليست بحاجته، فلا ابتسامة هوليوديّة تلمع في دور ما، تضرب مصداقيته تلك الابتسامة، ولا أي عمليات تجميل أخرى، إنها تتعامل مع الشخصية من كل جوانبها، فلا “أوفرة” في الأداء ولا في حاجات الشخصية، ولا فتور يترك مسافة لا مرئية، لكنها مُدركة بعين المشاهد بينها وبين الشخصية، الأمر الذي يسهو عنه أو لا يتقنه العديد من الفنانين، الفنانات بشكل خاص.

مؤخرا عادت “قندلفنت” من “أم الدنيا”، وبين الأشياء المرتبة في حقيبتها، غفت جائزة أفضل ممثلة التي نالتها في مهرجان الإسكندرية السينمائي في دورته الـ 35، وأن تُنافس ممثلة سورية، وسط كل المشاركات النسائية الفنية من مختلف الدول المشاركة بالمهرجان، ومنها مصر بطبيعة الحال، والتي عدا عمن فيها من فنانات يُعتبرن من أهم فنانات العالم العربي، فهذا بحد ذاته إنجاز مهم، فما بالنا وهي الفائزة بالجائزة!

ديمة قندلفت فنانة سورية شغوفة بما تعمل، تقدم ما لديها من قلب ورب، أحبها الجمهور منذ بداياتها في العمل الدرامي، وذلك الحب لمّا يزل دافقا في قلوب محبيها ومحبي فنها، لأنها لم تخذله يوما، بل حرصت كل الحرص على جعل جذوته متقدة، مشعشعة، وبهية.

تمّام علي بركات