ثقافةصحيفة البعث

الثقافة والإعلام بين ضجيج السؤال وصمت الجواب

 

 

لطالما كانت العلاقة بين الثقافة والإعلام وجهان لعملة واحدة لا يمكن الفصل بينهما، وقد قدم فرع دمشق لاتحاد الكتاب العرب في الذكرى الخمسين لتأسيس الاتحاد، ندوة بعنوان “على سكتي الغاية -الثقافة والإعلام- بين ضجيج السؤال وصمت الجواب”، وأدار الندوة سامر الشغري الذي قال:

إن ترابط الثقافة والإعلام عضوي لدرجة لا يمكن الفصل بينهما، فكلاهما يحتاج للآخر، فالثقافة من دون إعلام يوصلها إلى أوسع شريحة ممكنة من الجمهور تصبح عملاً لا طائل منه، والإعلام من دون ثقافة تهذب محتواه وتعطيه قيمة ينحدر إلى ما يسمى صحافة صفراء، ومن هنا تأتي أهمية الندوة حيث جمعت بين باحثين مختصين في الشأن الإعلامي والاجتماعي وصحفيين يكتبون في الإعلام الثقافي ولهم خبرة في هذا المجال.

إشكالية العلاقة
يعرّف د.محمد ياسر شرف الثقافة بأنها مجموع المنتجات اللامادية في مجتمع معين، ضمن شروط زمكانية ومادية قابلة للتعيين، أما الإعلام فهو مجموع الآليات العملية التي تنقل معلومات محددة من مصدّر إلى مستقبل باستخدام وسائط وأدوات قابلة للتعيين، تحت عنوان “إشكالية العلاقة وأولوية المصالح والمبادئ” وأضاف: العلاقة بينهما تتم باتجاهين يتضمنان إمكان التأثر والتأثير تبعاً لمجموعة من المواقف النظرية والفاعليات العملية، وربما تكون واحدة من أهم نقاط التمييز في أسبقية أحدهما على الآخر ممثلة في احتياج الإعلام إلى وجود ثقافة يعتمد عليها بما هي منظومة أفكار وتصورات قابلة للتنفيذ. والوعي هو واحد من المداخل لبحث هذه العلاقة ويجب توافره لدى منتجي الثقافة، والمقصود بالوعي هو مقدار المعلومات القابلة للتحقيق. وفي الواقع الثقافة تقدم معلومات متناقضة يتداولها الإعلام على غير صعيد، وبهذا يتحول الإعلام إلى أدوات تزييف وإخضاع ومقاومة للاكتشافات، أو إلى إعلام معزول عن الناس الذين يجب أن يتوجه إليهم، وأغلب الإعلام العربي الحالي جمع بين هذين الموقفين السلبيين بما دفع للانصراف إلى مصادر معلومات أخرى، وللخلاص التدريجي لا بد من تغيير محتوى الوعي بين أفراد المجتمع مهما كانت الأعمال الوظيفية التي يؤدونها أو المهارات التي يتقنونها وهذا لا يتم بعيداً عن الاستفادة من منجزات التكنولوجيا في المجالات كافة، ويتطلب الوعي الإعلامي اعتماد آليات وطرق تطبيقية تنطلق من أن النسق الثقافي لأي مجتمع هو عرضة للتغيير بصورة دائمة ومستمرة، بل تجب المشاركة في تغييره بصورة ارتقائية دائماً.

المنتج الثقافي
ولايوجد إعلام بلا ثقافة ولا ثقافة بلا إعلام فهما جناحان لطائر واحد لا يمكن أن يطير دون أحدهما، وعلى هذا كل إعلامي يجب أن يكون بالضرورة مثقفاً وليس كل مثقف إعلامياً، وحول المنتج الثقافي والعلاقات الشخصية قال الإعلامي ديب علي حسن: بدأت الصحافة في العالم بالثقافة وكان محرروها كبار الكتاب والشعراء والمبدعين ومازالت تحتفظ بشيء من هذا، وهي ستعود ثقافية فكرية تقدم رأياً، إذ لا يمكن الآن انتظار خبر من صحيفة ورقية فثمة فضاء آخر معك بكل ثانية مع ما له وعليه، وهناك علاقة شخصية في النشر، والسؤال يبقى عن جودة المنتج؟ وندخل هنا في عالم التقييم، وبالتالي الحكم على منتج أدبي ونحن لسنا نقاداً والسؤال ليس منطقياً، فالصحافة اليومية ليست ناشراً للإبداع بل هي تتابع حراكاً ثقافياً وانتقلت من التغطية إلى المشاركة بالنقاش، وقد تحول النشر إلى الصحف والمجلات الأدبية، وفي النهاية الحكم على جودة المنتج تقاس من خلال وسيلة النشر والموضوع نفسه. واليوم ثمة متغير آخر هو الفضاء الأزرق الالكتروني، فهناك آلاف الإصدارات الالكترونية المرخصة وغيرها تضخ ما يقرأ أو لا يقرأ، هنا يجب أن نبحث عن الجودة والمعايير فقد تجد من لا يجيد ألف باء الكتابة ينشر وينشر، فالعالم الافتراضي كسر كل مألوف وأضاع المعايير، وأيضاً المراكز الثقافية والمهرجانات وغيرها استسهلت كل شيء وضاع الصالح بالطالح، وبكل محبة نقول هناك منتج رديء جداً سوقه موجود وهناك ألف محاباة، ولكن يمكن لهذا الركام أن يكون مفيداً ولو من ناحية اقتصادية من حيث دورة عمل للعامل والمطابع، ويبقى العامل الأكثر تأثيراً هو العامل المادي فالأدب لا يطعم خبزاً، لا إعلام بلا مال وكذلك لا ثقافة، وجودة المنتج مصطلح مادي نقل إلى عالم الأدب، والجودة تقتضي وجود مواصفات قياسية محددة سلفاً يقاس عليها، ولكن الأمر مختلف هنا تماماً، فكل حالة أدبية لها ذوقها فمن يقبل قصيدة النثر لا يقبل التفعيلة وعلى العكس.

جمان بركات