الصفحة الاخيرةزواياصحيفة البعث

ندى الذاكرة

 

 

 

 

سلوى عباس

اضطرته ظروف العمل للسفر لأيام قليلة إلى مدينة مجاورة، وهناك وجد نفسه وحيداً يرهقه الحنين فكتب لها يصف لها حاله ورغبته بأن تكون معه فقال: وكأنك ظلي ترافقين سكناتي واتقادي.. كل حركاتي ولحظات توحدي فيك آن يلتهب شوقي إليك فتملئين أحاسيسي بالحبور.. ما حاولت الانفلات للحظة من طيفك الآسر إلا اعتراني عبيرك مكتنفاً ضلوعي وذاكرتي، عمراً مضى وأعماراً ستأتي من بيادرك السموحة، وأقماراً سألبسها أصابعك الوديعة.. وأنسج من مسامي لكتفيك وشاحاً، وألف جيدك بعنقود المحبة.. كم مرة أحببت لكنني لم افتضح كما وأنا معك.. ما غمس أحد أصابعه الندية في وجداني كما فعلت، وما انفتح هذا القلب بضفتيه مرة.. يا امرأة العشق والأسرار.. ضمي هذا الخفقان إليك ولملمي موجه الوردي في يديك.. حركيه كما أرجوحة المساء لتهمي إليك غبطتي كوردة.. ودعي عبيرك ينسج على كتفي خميلته البديعة.. كلما التفت إليك في كتفي أينع ربيع ذاكرتي.
****
أخذت حياتها تمضي رتيبة باهتة، ينتابها الوقت الذي يمضي ويجرّ طيفه على أدراج لم تقوَ على صعودها.. سياج من إحساس ورهبة يحيط بها فيحيلها إلى سجينة على حدود مرسومة بالترقب والانتظار.. ليست تغيب لحظات تسمّرت في ذاكرتها مشحونة بتوتر العاطفة واستذكار أوقاته الجميلة.. كان يلوّن حياتها بأزاهير الحب وينسج خميلة حبه على روحها ألقاً من رغبة واشتياق، تعيش لحظاتها على وقع نبضها، فتسبقه وتسبق الزمن الأرضي إلى زمن من ضوء ومسرّات، لا يوقفها شيء، ولا يهدّها تعب، تشعر أنه بين نبضة متسارعة وأخرى سيخرج من وراء أستار البعد الحالك ويومي لها بابتسامة شذية، فتلتصق بالهاتف تنتظره أن يرن، أن يرسل لها صوتاً، حرفاً، سلاماً.. تنتظره أن يرن ويغرق روحها بالسلام، فكم تتوق وقع حروفه، وكم تحن أن يضمها فيه فلا يبقى بينهما من الكلام شيء، ويتركا لقلبيهما أن يتلامسا ويفضيا لبعضهما ما عجزا هما عن البوح به، لكنها تستفيق من الحلم على مكان موحش، وزمن بطيء لا تجد فيه مؤنساً إلّا أن تعدّ الثواني فتخطئ في العد لتعود من جديد، عسى أن يمرّ الوقت بالسرعة التي تودّ، وتقترب لحظة يعود فيها، لكن الوقت يمرّ دون عودته، وبقيت هي على حافة الانتظار لا ليلها انتهى، ولا شمسها طلعت، وليس من شيء ينفع في إنقاذ ما تبقى من رمادها.
****
هو السؤال المر يجر وراءه الكثير من الأسئلة التي تحتاج لإجابات تفسرها وتوضحها، ليبقى هؤلاء الناس، ونبقى نحن معهم، على قيد أمل أن تهب رياح على نبتة الروح المتوهجة في محاولة عاصفة لاستلاب تلك الحياة، وتتفجر الشكوى أنيناً مكبوتاً بأن هناك شيئاً عزيزاً يتسرب من بين شراييننا نحاول الإمساك به، قد نستطيع وقد لا نستطيع.. إنها المحبة التي يحولها إيقاع الحياة السريع إلى كائن يكاد ينزوي جوعاً، إنها المشاعر التي تجعل للعيش مذاقاً لاذعاً وحميماً، والتي بدونها لن نستطيع الحياة، فالمشاعر المتبادلة خارج إطار المصالح والحاجات والمواقف الصغيرة في حياتنا كالكلمة الرقيقة واللمسة الحانية التي تعتبر شرياناً حقيقياً للحياة أخذت تتوارى بفعل الحرب والدمار وطغيان العلاقات المادية والتقادم، وكأن الزمن هو المقياس الحياتي الأصدق للعلاقة الإنسانية، فأيامنا بحاجة إلى زيادة مساحة الحب تجاه الآخرين وترجمتها إلى سلوكيات فاعلة واهتمام وجداني صادق، وفي قفرة العمر هذه مازلنا بحاجة إلى اتكاءات روحية ومشاعر متجذرة لا إلى أكوام ومستوردات مزيفة.. إننا بحاجة إلى إشراقة شمس حقيقية تنير عتمة أيامنا.