دراساتصحيفة البعث

خسرنا سورية.. لنحافظ على لبنان

تحرير: قسم الدراسات والترجمة
عن موقع واشنطن بوست 16/10/2019

بتاريخ 16 الشهر الماضي كتب ديفيد أغناتيوس في واشنطن بوست مقالاً، أي قبل يوم من اندلاع الاحتجاجات، تعكس قلقاً كبيراً لدى بعض النخب اللبنانية السياسيّة من تخلي أميركا عن حلفائها في المنطقة. وكانت التوصية بزيادة التركيز الأمريكي على لبنان مع ضخ أموال خليجية، وترسيم الحدود البرية والبحرية مع “إسرائيل”. ويكشف المقال أن بعض المسؤولين في واشنطن لا يرون بأساً في دفع لبنان إلى حافة الانهيار لإثارة قلق إيران، وهو بالتالي نمط تفكير مختلف عما كان يسمع من ترداد الحرص على استقرار لبنان.
يقول الكاتب:
الهزات الارتدادية لتخلي الرئيس ترامب عن الأكراد في سورية تركت صريراً في المنطقة، وأخبرني عدد من المسؤولين اللبنانيين أنهم يخشون أن يكونوا الحلقة التالية التي يتمّ إهمالها من قبل الولايات المتحدة.
عبّر السياسيون والمسؤولون الأمنيون اللبنانيون، في سلسلة من المحادثات غير الرسمية، عن قلقهم إزاء موافقة ترامب على غزو تركيا لسورية، والكسوف الظاهر للقوة الأمريكية. قال لي أحد الأعضاء البارزين في البرلمان “أشعر بالأسف لأمريكا”، بينما قال مسؤول أمني كبير “نحن نشعر بالشفقة، هذه ليست أمريكا التي كنّا نعرفها”.
كما قال العديد من المسؤولين إن سحب الدعم من جانب أمريكا لحلفائها في سورية يضمن النصر في نهاية المطاف هناك للتحالف الذي يضمّ إيران وروسيا مع الرئيس السوري بشار الأسد.
القلق اللبناني من الانتكاسات الأمريكية في سورية هو إلى حدّ كبير مسألة مصلحة ذاتية، إذ يستمر لبنان على قيد الحياة من خلال الحفاظ على توازن بين الشرق والغرب، إيران والمملكة السعودية، السنة والشيعة، والمسيحيين والمسلمين. وما ساعد على إبقاء هذا الهيكل المحفوف بالمخاطر على قيد الحياة لعقود من الزمن هو الاعتقاد بأن الولايات المتحدة، في النهاية، لن تسمح لأعداء الغرب بالهيمنة الكاملة على البلاد.
لكن أي إيمان متبقٍ بالقوة الأمريكية قد اهتز، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله في اليوم التالي للغزو التركي عندما قال: “لا يمكن الوثوق بالأميركيين على الإطلاق لأنهم يخلفون الوعد مع أي شخص يعتمد عليهم”.
يجادل بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية بأن بيروت هي بالفعل قضية خاسرة: حزب الله هو القوة السياسية والعسكرية، لذلك دعوا إيران تقلق بشأن انهيار لبنان، كما يزعمون. لكن هذه الحجة خاطئة خاصة الآن، لأن آخر ما يحتاج إليه الشرق الأوسط هو دولة فاشلة أخرى، خاصة دولة واقعة على حدود “إسرائيل”.
يقول مسؤولون أمريكيون إن الولايات المتحدة تقدم بالفعل نحو 200 مليون دولار سنوياً من المعدات والتدريب للقوات العسكرية والأمنية اللبنانية، ولكن ينبغي على الولايات المتحدة تشجيع المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة والقوى الإقليمية الأخرى التي تعارض إيران على ضخ المزيد من الأموال في لبنان أيضاً، غير أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إقناع دول الخليج بأن أموالها لن تختفي في مجاري الفساد اللبناني.
كيف ستبدو الدولة اللبنانية قوية؟ أولاً، سيكون من الأفضل تأكيد سيادتها، بدءاً من الحدود. ولتحقيق هذه الغاية، يتعيّن على الولايات المتحدة الضغط لاستئناف مفاوضات القنوات الخلفية لتحديد الحدود البرية والبحرية بين لبنان و”إسرائيل” التي بدأت هذا العام تحت مظلة الأمم المتحدة، ولكن تعثرت بعد ذلك.
ومقابل تعميق دعمها، ينبغي على الولايات المتحدة أن تطالب ببعض الإصلاحات العاجلة، إذ يحتاج لبنان إلى هيئة تنظيم اتصالات حديثة كخطوة أولى نحو خصخصة قطاع الاتصالات المملوك للدولة إلى حدّ كبير والذي يمكن أن يجمع 6 مليارات دولار، وخصخصة شركة الكهرباء غير الكفؤة التي تديرها الدولة والتي قد توفر ما يصل إلى ملياري دولار. لكن هناك رأياً آخر يرى إن إفلاس لبنان للضغط على إيران، كما يشير بعض المسؤولين الأمريكيين، سيكون عملاً آخر من أعمال الحماقة لإدارة ترامب التي ارتكبت بالفعل الكثير من الأخطاء في الشرق الأوسط.