دراساتصحيفة البعث

أسرار الرحلة الخاصة من تل أبيب إلى الرياض

إعداد: هيفاء علي

تقول آخر المعلومات إن هناك طائرة خاصة  تابعة للكيان الإسرائيلي حلقت ليل الثلاثاء 22/10/2019  من تل أبيب لتحط في الرياض حيث توقفت لمدة ساعة قبل العودة إلى مطار بن غوريون، وذلك بالتزامن  مع زيارة وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر إلى الرياض، ما دفع المراقبين إلى التكهن بأن رئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أو مسؤولين إسرائيليين آخرين ربما هم من كانوا على متن الطائرة  لحضور اجتماع وزير دفاعهم مع الأمراء السعوديين. وعليه، من المحتمل أن تفسر هذه الزيارة السريعة والسرية سبب تلكؤ نتنياهو وإعاقته لتشكيل حكومة جديدة. وتضيف نفس المعلومات أن هذه الطائرة قامت بعدة رحلات من تل أبيب إلى القاهرة في الأشهر الأخيرة.

بكل الأحوال يجب ألا تفاجئنا مثل هذه المعلومات بعدما خرجت العلاقات بين مملكة آل سعود والكيان الإسرائيلي إلى العلن حتى قبل وصول محمد بن سلمان إلى قمة السلطة، وهو الذي اتخذ من إيران الذرائع للمضي قدماً في التوصل إلى اتفاق بل وتحالف مع الكيان الإسرائيلي بدليل المقابلة التي أجراها موقع إيلاف السعودي مع قائد جيش الكيان الإسرائيلي والتي نشرتها صحيفة “هاارتس” العبرية في نفس اليوم بعدما كانت سرية منذ عدة أعوام حين تم تكليف العديد من المسؤولين السعوديين للالتقاء بمسؤولين إسرائيليين على مستويات مختلفة وفي مختلف المنتديات الدولية، حتى أنهم قاموا بعدة زيارات للكيان الإسرائيلي، كما فعل الرئيس السابق للمخابرات السعودية، الأمير تركي بن فيصل، واللواء أنور عشقي، ضابط الاستخبارات السابق.

ولكن بعد وصول بن سلمان للبلاط الملكي عمل على تسريع وتيرة تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي بعدما شهد المشهد السياسي العربي والإقليمي تغييرات واضطرابات عدة، وبعد هزيمة ما يسمى بالربيع العربي الذي استهدف دول محور المقاومة المناصر للقضية الفلسطينية الرافض للهيمنة والاملاءات الأمريكية. وبعد الفشل الذريع في سورية واليمن والعراق، شعرت مملكة أل سعود بفقدان مكانتها على الساحة العربية ولم تعد مترددة في تأكيد رؤيتها المشتركة مع الكيان الإسرائيلي حول عدائهما لمحور المقاومة، ما رسخ العلاقة بينهما أكثر من أي وقت مضى. وتشير معلومات استخباراتية إلى أن الأمير السعودي الغامض الذي زار الكيان الإسرائيلي منذ عامين لم يكن سوى بن سلمان نفسه الذي عمل على إقصاء المثقفين والباحثين والأكاديميين والأمراء رفيعي المستوى من قطاع الأعمال والإعلام من المشهد ظناً منه أنه أزال جميع العقبات من طريق التطبيع. وقد كشفت مجلة “تايمز أوف” الإسرائيلية النقاب عن عمق العلاقات التجارية والسياسية والعسكرية والاستخباراتية بين الكيان الإسرائيلي والنظام السعودي حين قالت في مقال لها إن الوضع الإقليمي في العلاقات بدأ يتحول منذ ما يقرب من عقدين من الزمن. وقالت على لسان مسؤول استخباراتي صهيوني:”إن تغييراً هناك يحدث ، إنه تغيير جذري وحقيقي، ففي هذه الأيام، عندما يحاول ولي العهد السعودي تغيير صورة بلده، فإن إحدى الطرق لتحقيق ذلك هي التقارب مع إسرائيل واليهود”. وهي الخطوة التي ابتدأها بن سلمان  عبر قائمة علاقات وثيقة مع جاريد كوشنر صهر ترامب وكبير مستشاريه. وأشادت المجلة بالتقارب بين نظام آل سعود والكيان الإسرائيلي، قائلةً: “إن التحريض والكراهية انخفضتا ضد إسرائيل واليهود بشكل كبير على مدار الخمسة عشر عاماً الماضية، ما يدل على اندثار الفكر المعادي للكيان الإسرائيلي لدى الجيل الشاب في السعودية”.

ولفتت إلى أنه في عام 2005، من أجل تسهيل انضمامها إلى منظمة التجارة العالمية، أعلنت مملكة آل سعود عن إنهاء الحظر المفروض على السلع والخدمات الإسرائيلية، وفي أواخر عام 2008، اعتقلت السلطات السعودية الشيخ عوض القرني، بتهمة التحريض على العنف ضد الأهداف الإسرائيلية وضد الغرب.

وأكدت المجلة أن مسؤولي الاستخبارات والسياسيين في إسرائيل والسعودية تعاونوا بشكل مكثف، وكثيراً ما التقوا في أماكن سرية بعيداً عن أعين الإعلام، بالإضافة لتحسن العلاقات مع دول الخليج الأخرى. وأضافت إن هذا التطبيع السعودي-الإسرائيلي يحظى بدعم وتأييد الرأي العام الإسرائيلي، فوفقاً لمسح أجرته اللجنة اليهودية الأمريكية مؤخراً، يعتقد 62 % من الإسرائيليين أنه ستكون هناك سفارة سعودية في تل أبيب وسفارة إسرائيلية في الرياض في غضون خمس سنوات من الآن.

بالتوازي مع ذلك، تواصل سلطات آل سعود إقناع الشعب السعودي بشكل متواصل بأهمية تطبيع العلاقات مع الكيان الإسرائيلي. كما أن العديد من المراقبين السعوديين يشهدون أن التغيير في الموقف تجاه الكيان الإسرائيلي حقيقي و لا يمكن إنكاره  حيث يعتقد البعض أيضاً أن إقامة علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين بات قاب قوسين أو أدنى، وهذا ما شدد عليه المحلل والصحفي السعودي “عبد الحميد غبين” الذي أشار في تصريح صحفي لمجلة “التايمز أوف إسرائيل” بالقول : “لا شك في أن موقف العرب، وخاصة السعوديين، قد تغير كثيراً، وأن إسرائيل لم تعد دولة معادية، بل جزء من المنطقة، أعتقد أنه ستكون هناك علاقات دبلوماسية واقتصادية وثقافية مع إسرائيل قبل نهاية عام 2020، فلليهود الحق الكامل في هذه الأرض التي كان يعيش عليها أسلافهم منذ آلاف السنين، وقصص الملوك والأنبياء في القرآن دليل واضح على ذلك “. وأضاف: “قريباً جداً، سيكون هناك طلاب سعوديون يدرسون في الجامعات الإسرائيلية بالإضافة إلى طلاب إسرائيليين يدرسون في الجامعات السعودية، و ربما سأكون أول شخص  يفعل ذلك “.