دراساتصحيفة البعث

أصداء الانسحاب الأمريكي في الإعلام الروسي

إعداد: لمى عجاج

كانت الفترة الرئاسية الماضية للرئيس ترامب بمثابة الهدية السماوية التي ساقها القدر وسخّرها لما فيه الخير والفائدة لروسيا، ولعل هذا هو السبب الحقيقي الذي جعل من ترامب الخيار الأنسب من بين المرشّحين الرئاسيين المحتملين لانتخابات 2020 الرئاسية في أمريكا حسبما ورد عن مسؤولي البروباغندا الإعلامية داخل الكرملين.

تبجح الرئيس ترامب وتباهى بحصوله على قدر كبير من المديح والثناء لقراره المفاجىء بسحب القوات الأمريكية من شمال سورية، وتخليه عن الانفصاليين الأكراد- الحلفاء المعهودين بولائهم ودعمهم لترامب، والذي كانت نتيجته الطعنة القاتلة التي تلقوها منه بعد أن استخدمهم طوال الفترة الماضية كأداة لغزو تركيا على الجبهة الداخلية، هذه الخطوة أثارت الكثير من الجدل، وقوبلت بالنقد الشديد من كافة أطراف الطيف السياسي الأمريكي، لكن ردود الأفعال في موسكو كانت ثابتة، فمنذ اللحظة الأولى لإعلان ترامب عن هذه الخطوة وحتى هذه اللحظة كانت لدى موسكو ثقة تامة بأنها ستحمل في طياتها الكثير من الفوضى التي ستعم الشرق الأوسط، لكن قرار ترامب المتسرّع صبّ كالعادة في مصلحة روسيا للدرجة التي جعلت الكرملين يحتفي بهذا القرار ويعتبره نصراً محققاً لروسيا.

“لقد كسب بوتين الرهان، انتصرت روسيا بشكل غير متوقع في الشرق الأوسط”، كتب ميخائيل روستوفسكي في مقاله لصحيفة موسكوفسكي كومسوموليتس الروسية، “أولئك الذين كانوا مقتنعين بعدم جدوى ترامب لروسيا، يجب أن يعيدوا التفكير مرة أخرى، فالخطوة الغريبة التي اتخذها ترامب، والتي اعتبرها الكثيرون خطوة غير مفهومة، كانت على العكس من ذلك بالنسبة لروسيا التي أدركت مدى أهمية هذه الخطوة، والفائدة منها، خطأ ترامب في سورية هو نصر محقق لروسيا،  لأنه ببساطة عزز مكانة موسكو في الشرق الأوسط، وقوض مكانة أمريكا كلاعب سياسي متسرّع، وشريك غير موثوق”.

لقد ذُهل مكسيم يوسين  محرر السياسة الدولية في صحيفة “كوميرسانت” الروسية الرائدة في مجال الأعمال، وشعر بالدهشة من عاصفة الانتقادات التي رافقت هذه الخطوة غير المتوقعة التي قام بها الرئيس الأمريكي ترامب، وكيف عادت بالفائدة على الكرملين، وأضاف متعجباً: “كل هذا يصب في مصلحة روسيا، لقد كنت مؤخراً أراقب سلوك ترامب، وقد راودتني أفكار في غاية الغرابة حرّضت مخيلتي ودفعتني لأسأل نفسي هذا السؤال: هل يعقل أن يكون ترامب عميلاً روسياً؟!.. وما استدعاني لأطرح هذا التساؤل هو أن ترامب لا يوفر أي جهد في سبيل تعزيز الصورة الدولية لروسيا بصورة عامة، وبوتين بصورة خاصة، لقد وقعت أمريكا في فخ تسرّعها وغضبها الذي أعماها عن رؤية “المشكل العويص” الذي أوقعت نفسها فيه، والذي صبّ في النهاية في مصلحة روسيا، لتكون الولايات المتحدة الأمريكية هي الخاسر الأكبر”.

كما ابتسمت أولغا سكابييفا المضيفة للبرنامج التلفزيوني الحكومي الروسي “60 دقيقة”، ابتسامة عريضة، وأردفت: “إنها لمتعة كبيرة”، “لقد حصل الجنود الروس على قاعدة أمريكية جاهزة دون قتال!”، ليضيف زميلها في تقديم البرنامج يفغيني بوبوف على الفور: “لقد كسبنا الرهان”، لترد عليه سكابييفا: “طبعاً بكل تأكيد، هذا فعلاً ما حصل، إنها قاعدة أمريكية، والأمريكان انسحبوا منها، لقد هرب ترامب، منذ وقت طويل لم تتعرّض أمريكا لمثل هذا الإذلال”، هذا ما قاله المحلل السياسي ميخائيل سيلينيكوف-اوريشاك: “لقد انسحبوا يجرون ذيول الخيبة والعار، لا أذكر أنني شهدت مثل هذا السيناريو منذ حرب فيتنام”، وأضاف: “بالنسبة لنا هذا أمر بالغ الأهمية، لقد خسرت أمريكا موقعها في الشرق الأوسط، وعززت من دور روسيا في المنطقة”، ليؤيده عالم السياسة أندريه نيكولين في هذا الرأي قائلاً: “هذا أمر محزن بالنسبة لأمريكا، إنه نموذج مصغر شبيه  بذلك الذي حصل في فيتنام”.

وفي البرنامج التلفزيوني المسائي “المسائية مع فلاديمير سولوفيف، تحدث المحلل السياسي ايفغيني ساتانوفسكي عن الطريقة التي أثّر فيها قرار ترامب بالانسحاب من سورية على صورة الولايات المتحدة وهزّ مكانتها، وقال: “لقد خانت أمريكا الجميع، وكيف أن ترامب عمل على تزكية النزعة المعادية لأمريكا داخل تركيا عندما وعد بتدمير الاقتصاد التركي”، ورأى ساتانوفسكي بأن اللوم سيُلقى على الولايات المتحدة في أية مشاكل اقتصادية، أو تقلبات في العملة التركية ستحدث في تركيا، فهي بالنسبة للشعب التركي المسؤول المباشر عن حصولها، لذلك عمدت الكثير من الصناعات، وعلى رأسها النسيج والتبغ والصلب وغيرها من الصناعات، إلى مقاطعة السوق الأمريكية: “إن معاداة أمريكا في تركيا كانت خارج المخططات الأمريكية “، تابع ساتانوفسكي: “السياسة الأمريكية متشابكة مع المصالح الاقتصادية والاستثمارية في تركيا كما تتشابك أربطة الحذاء، أمريكا نجحت في خسارة المنطقة”.

علاوة على ذلك حمل توقيت هذه الخطوة الكثير من الحظ السعيد، والصدفة غير المتوقعة التي لم تكن في الحسبان، “لقد فقدوا فرصتهم الوحيدة لقلب النظام في سورية، وهذا ما عبّر عنه عضو مجلس الفيدرالية الروسية أوليغ موروزوف بكل ثقة لدى ظهوره في البرنامج التلفزيوني “60 دقيقة”، فضلاً عن أن رسائل ترامب الساذجة والمفتقرة للبروتوكول التي يوجهها للرؤساء الأوربيين والآسويين تشكل مادة خصبة للسخرية في الأوساط الإعلامية الروسية، وهذا ما أشارت إليه أولغا سكابييفا مضيفة برنامج “60 دقيقة” عندما انتقدت بكل سخرية خطاب ترامب، وأوضحت بأنه لا يفقه شيئاً عن القواعد الأخلاقية المتعلقة بالبروتوكول الذي يجب اتباعه عادة بين رؤساء الدول، وأضافت: “يجب أن نرسل رسالة إلى الرئيس الأمريكي “لا تخاطب الرؤساء بأسمائهم، لا تقاتل، لا تحشر أنفك فيما لا يعنيك، إنه أمر كريه وغير مقبول”، وأضافت ساخرة: لكن الشيء الوحيد الذي فاتنا أن نذكره كيف خاطب ترامب أردوغان بصيغة “يا صاح”.

ولدى مناقشة وتحليل الرسائل المتبادلة بين الرئيس ترامب والرئيس أردوغان، كان لرئيس لجنة الدوما الحكومية الروسية للدول المستقلة “الكومنولث” ليونيد كلاشنيكوف التعليق التالي: “لا يهمني أن يقوم هذان المهرّجان بكتابة مثل هذه الرسائل إلى بعضهما البعض، يمكنك فقط الشفقة عليهما، هل هو من الأفضل لنا أن الأمريكيين غادروا سورية؟ بالطبع هو كذلك، هل سنبرم صفقات مع أردوغان؟ طبعاً سنفعل”.

أمعن النقاد في مختلف الأوساط الإعلامية الحكومية الروسية بالتفكير ملياً في مزايا “الحكمة اللامتناهية” التي أظهرها ترامب بقراره في سحب القوات الأمريكية من شمال وشرق سورية، وخلصوا إلى أن القرار كان بمثابة ضربة عنيفة ساهمت في تقويض موقف أمريكا الراهن وتحالفاتها المحتملة.

ولدى ظهوره في برنامج “60 دقيقة” أعلن فرانز كلينتسيفيتش عضو لجنة الدفاع والأمن التابعة لمجلس الاتحاد أن روسيا سوف تستفيد استفادة كاملة من انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط، لأنها ستصبح اللاعب الرئيسي في المنطقة، وصدّق كلينتسيفيتش على حقيقة أن انسحاب أمريكا من سورية هو بمثابة “نصر عالمي” لروسيا، وأكد بأنه “برهان واضح على التفوق المطلق لأسلحة روسيا ودبلوماسيتها وسياستها الخارجية”.

وخلال البرنامج نفسه عبّر المحلل السياسي ميخائيل سينيلنيكوف-أواريشك عن شكره وامتنانه للرئيس الأمريكي وقال: “عندما أراقب أفعال ترامب وأمعن التفكير فيها أتمنى في نفسي “عسى أن يمنحه الله صحة جيدة، وفترة ولاية رئاسية إضافية، لأن هذا سيصب في مصلحة روسيا، يمكننا في الحقيقة أن نجلس وننتظر أن نجني الأرباح مما يفعله الآخرون، وفي الوقت نفسه، إنه الإنجاز الوحيد الجيد الذي قام به ترامب خلال فترته الرئاسية الحالية، ولهذا أتمنى له الصحة الجيدة لتزدهر إنجازاته وتتضاعف عندما يُعاد انتخابه، ترامب هو مرشّح عظيم لروسيا، أحييه  وأثني عليه، لكنه ليس بالرئيس الجيد بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية.