دراساتصحيفة البعث

العدوان التركي يثير تغييرات سياسية

إعداد: علاء العطار

لم يكتفِ عاشق الحروب رجب طيب أردوغان بعدوانين على الأراضي السورية، ليبدأ عملية عسكرية جديدة سمّاها “نبع السلام” في التاسع من تشرين الأول الماضي بذريعة إنشاء “منطقة آمنة” في الأراضي السورية القريبة من الحدود التركية، واستخدم في عدوانه هذا الجماعات الإرهابية التي كانت تدعمها تركيا بالمال والعتاد ضد الحكومة السورية، وحاول عبثاً إخفاء هدفه الحقيقي العنصري المتمثّل بالتطهير العرقي لبعض مكونات المجتمع السوري وإحداث تغيير ديمغرافي مهول على طول حدودها مع سورية.

والحقيقة أن الآفاق التي يحملها هذا العدوان تتعدى حدوده الجغرافية، إذ قد يؤدي إلى تغيير الوضع القائم في الشرق الأوسط بشكل كبير، لأسباب ليس أقلها حقيقة أن العلاقات بين اللاعبين الرئيسيين تتغيّر على الدوام.

أثار العمل العسكري التركي داخل الأراضي السورية معارضة شديدة من بلدان الشرق الأوسط، ولاسيما السعودية والإمارات، ليس بدافع خوفهما على سورية وشعبها كما تتدعيان، بل على خلفية الضغينة التي تحملانها على التركي والقطري المنافسين اللدودين لأطماعهما في المنطقة، وقال العديد إن سياسة تركيا التوسعية قد تغيّر ميزان القوى في المنطقة لأن هجومها زاد من تعقيد الوضع فيها.

ولم يكن الموقف القطري الداعم للعدوان مفاجئاً، وإنما أتت الصدمة من الموقف الأمريكي، فرغم كونها حليفاً مقرباً للمجموعات المسلحة، خاصة في مسرحية “محاربة الإرهاب” الذي تدعمه، إلا أنها سحبت قواتها من الشمال السوري مفسحة الطريق أمام تركيا لتنفيذ عملياتها الإرهابية في الشمال السوري، وتخذل بذلك “حلفاءها” وتتركهم حائرين ومشدوهين، ليشنّوا بعد صحوتهم من الصدمة انتقادات لاذعة على واشنطن. لكن ما يثير التساؤل هنا هو انتقاد واشنطن، إذ أن فكرة “المنطقة الآمنة” أتت على خلفية شهور من المحادثات بين أنقرة وواشنطن، وهو الذي شجّع الأولى على بدء هذه العملية العسكرية. والملفت أيضاً أن الولايات المتحدة بذلت ما في وسعها لتهدئة التوترات مع حليفها التركي، وزار نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس أنقرة في 17 تشرين الأول ووقّع على صفقة مع تركيا تجبر المجموعات المسلحة على الانسحاب من “المنطقة الآمنة” خلال 120 ساعة، ووافقت الولايات المتحدة على رفع العقوبات عن تركيا مقابل إعلان الأخيرة “هدنة دائمة” بعد انسحاب تلك المجموعات من المنطقة المحدّدة، لكن هذا الاتفاق وسّع فجوة الخلاف مع هذه المجموعات.

بعد انتهاء الصفقة التركية- الأمريكية التي استمرت لمدة 120 ساعة، التقى رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان بالرئيس الروسي في سوتشي، وأبرم صفقة جديدة تتضمن انسحاب المجموعات المسلحة من المنطقة المحدّدة خلال 150 ساعة، وأن تقوم القوات السورية والروسية بدوريات في الجانب السوري من الحدود التركية- السورية، وتقوم القوات الروسية والتركية بدوريات مشتركة في الجانب التركي من الحدود.

لا يزال الوضع في الشرق الأوسط مضطرباً ولا يمكن التنبؤ به، خاصة وأن وجود القوات السورية والروسية في منبج وعين العرب شمال سورية قد يخلق مشكلات بين روسيا وتركيا، وخاصة بعد تقديم المجموعات المسلحة تنازلات ومغادرة الشمال السوري، ورفضها في الوقت ذاته تسليم حقول النفط التي تسيطر عليها، وتقديمها للولايات المتحدة التي بدأت بإرسال قوات لاحتلال حقول النفط السورية.