ثقافةصحيفة البعث

“فن الحرب”.. كتاب جديد دائما

كتاب “فن الحرب” لمؤلفه الصيني “سون تزو” الذي عاش منذ 27 قرنا، مواليد 551 ق.م-496 ق. م، هو ضابط صيني وخبير عسكري وفيلسوف، سيكون لنصائحه بعد 25 قرناً تأثير كبير على “نابليون بونابرت”، الإمبراطور الفرنسي الذي وجد ضالته في حضارات الصين القديمة، ولاحقا ستعتمد الأركان الألمانية العامة على نفس الكتاب في فهمها لطبيعة الحروب، بل ويُقال أنه مقرر دراسي في الجامعات العسكرية البريطانية والأمريكية، وقد تُرجم إلى 29 لغة عالمية، منها العربية، فما هو هذا الكتاب الغريب، والذي تبدأ غرابته من عنوانه “فن الحرب”، وهل هناك للحرب فنون؟

تروي المخطوطات الصينية القديمة أن “سون تزو” أو كما يُلفظ في أوروبا “صَنْ تسو”، كان محاربا في مملكة “تشي” وبعد انتشار شهرته في فنون الحرب والتكتيك، طلب منه الملك أن يضع خلاصة خبرة تجاربه الحربية في كتاب، فكان أن عرفت البشرية الكتاب موضوع كلامنا.

يًقال إن الملك بعد أن قرأ الكتاب، قال لمؤلفه: “لقد انتهيت من قراءة كتابك فن الحرب، فهل نبدأ بتجربة نظرياتك على إدارة الجنود؟”، ليجيب “تزو” ب: “نعم”، وهنا أراد الملك إحراجه أكثر، فسأله مرة ثانية: “وهل يمكننا إجراء الاختبار على النساء؟”، فلم تتغير إجابة صاحب الكتاب: نعم.

لا بد من أخذ العلم أن الملك كان يريد تعجيزه بهذا الطلب، لأن النساء في الصين القديمة في ذاك العهد، كان من المستهجن أن يدخلن الجيش أو يشاركن بالقتال، ومع ذلك فقد كان جواب المؤلف ب “نعم” تأكيدا بأنه حتى الذي لا يقاتل عادة، فإن نظريات كتابه في فنون الحرب، تجدي معه نفعا.

وهكذا بدأت التجربة، قاموا بتجهيز قرابة 200 من جواري قصر الملك، قسمهن “سون تزو” إلى فصيلتين، ووضع على رأس كل فصيلة، واحدة منهن قائد للفصيلة، وقال: “لا بد أنّكنّ تعلمن الفرق بين الأمام والخلف واليد اليمنى واليد اليسرى، فقالت النسوة: نعم، ثم قام بتعليمهن الدوران لليمين واليسار وللخلف، وعلى صوت دقات الطبول إلى اليمين. لكن النساء انفجرن بالضحك، وبطبيعة الحال لم ينفذن أوامره، فعقّب قائلا بجدية: “إذا كانت الكلمات في إصدار الأوامر غير واضحة ومفهومة فهما شاملا وجيدا، فيقع اللوم وقتها على الذي يصدرها”، فأعاد إصدار الأمر ولكن إلى اليسار هذه المرة، موضحا ما يريد تماما، لكن النساء قمن بالضحك من جديد، فقال: “إذا كانت الأوامر مفهومة وواضحة ولم ينفذها الجنود، فاللوم يقع وقتئذ على الجنود”، وأمر بضرب عنقي قائدتي الفصيلتين أمام الجميع.

الوزير كان يراقب من بعيد إلى جانب الملك، وعندما رآهم على وشك قطع عنقي الجاريتين، توسط بسرعة للرجوع عن الأمر، فأرسل الملك إلى “سون تزو” قائلا: “لقد أصبحت واثقا من قدرتك على إدارة الجنود، ولكن اصفح عن هاتين الجاريتين”، فكان جوابه: “بعد تكليفكم لي قيادة جنودكم، فهناك أوامر لا يمكنني قبولها تحت هذا التكليف”، وبالفعل تم إعدام الجاريتين، وفورا قام بتعيين من تليهن كقائدتين للفصيلتين، وتم استئناف التدريب، لكن أحدا لم يضحك هذه المرة، فأرسل إلى الملك قائلا: “لقد تم تدريب وتنظيم جنودكم، اصدر لهم الأمر فيخوضوا بالماء والنار”.

القصة البسيطة السابقة واردة في الكتاب الذي يتكون من 13 فصلا، والتي على بساطتها لا تخلو من جوهر “فن الحرب”، الذي يقوم أصلا وفي الأساس على إصدار الأوامر، وقابلية وتنفيذها.

الكتاب الصادر عن دار الريحاني للطباعة والنشر، ترجمة “سمير الخادم”، وأيضا أصدرته دار القدس للطباعة والنشر بترجمة “محمود حداد”، وهناك طبعة جَيب صغيرة مختصرة باللغة الإنكليزية، لم تُترجم للعربية بعد، وذكرت بعض الصحف الأمريكية، كان جنود الغزو الأمريكي في حرب الكويت 1990، يحملونه.

مما جاء في الكتاب المهم: “كل الحرب تعتمد على الخدعة، لذا عندما تكون قادرا على الهجوم، عليك أن تبدو غير قادر على ذلك، وعندما نستخدم قواتنا، علينا أن نظهر خاملين، وعندما نكون قريبين، علينا أن نجعل العدو واثقا بأننا بعيدون، إننا عندما نكون بعيدين، يجب علينا أن نقنع العدو بأننا قريبون وقريبون جدا”.

تمّام علي بركات