ثقافةصحيفة البعث

كلاديس مطر .. الحبّ والحرب في  “قانون مريم”

“لا أحد يتحدث عن حقوق المنتظر الواقف الذي مازال يضع إصبعه على الجرس منذ أكثر من خمسين عاماً” الجرس الذي مازال يعلو صوته ويرن برواية (قانون مريم) الصادرة عن دار عقل في دمشق، للكاتبة السورية كلاديس مطر التي وقّعت الطبعة الثانية منها في معرض الكتاب بدورته الأخيرة الواحدة والثلاثين في جناح دار عقل، وطرحت الكثير من القضايا الفكرية والاجتماعية والسياسية ضمن مرحلة تاريخية حرجة تناولت مقتل رفيق الحريري، المرحلة التي ربطت بين مصيري سورية ولبنان بشكل درامي، عائدة بذاكرتها آلاف السنين إلى الوراء مروراً بكل الأحداث والحقب الهامة التي عاشتها المنطقة، إلى الحرب الأهلية اللبنانية وصولاً إلى لحظة الاغتيال وخروج الجيش السوري من لبنان.

بنت الكاتبة عملها الروائي على علاقة الحب بين مريم السورية (كاتبة) وحازم اللبناني (الصحفي وابن الحرب الأهلية اللبنانية)، التي أثرت عليها بشكل مباشر حادثة الاغتيال. أما الزمن الفعلي لأحداث الرواية فلا يتجاوز الشهر وهي الفترة بين مقتل الحريري وعودة الجيش العربي السوري  من لبنان.  وتقاطع الماضي والحاضر بشكل تناوبي خلال الرواية لتسدل الستارة في الصفحة الأخيرة على المشهد الأخير.

وتستحضر الكاتبة كلاديس مطر في حديثها العمل الجراحي الكبير ( سايكس بيكو) وقبله الاحتلال العثماني المدمر على حياة هذه المنطقة بحيث تقطعت أوصالها وجعل البلد الواحد بلداناً تتصارع ولا تستقر، وتوقفت عند اغتيال الحريري ووصفت هذا الحدث بالقشة التي قصمت ظهر البعير، إذ فجر كل شيء وجعل الصراع يظهر بشكله الأعنف، وتحولت العلاقة بين البلدين إلى علاقة اتهام متبادل وظلم كبير تجاه سورية، الأمر الذي أثر على علاقة مريم وحازم اللذين كانا حددا موعد الزفاف، فالتقيا في لحظة خارجة عن الزمن في مجلس عزاء وانتهيا باللون الأسود والفراق.

وتابعت مطر بأن الاختلاف العقائدي واختلاف قراءة التاريخ ومفهوم الوطن لدى كل منهما، جعل من المستحيل أن تكتمل مسيرة الحب. فمريم تؤمن بأن القناعات لدى الرجل وموقفه الوطني هما يحركان أية عاطفة فيها تجاهه، بينما يرى حازم أن ما يحركه هو هذه المعاناة الطويلة التي عاشها خلال الحرب الأهلية التي صنعت منه هذا الرجل.

وسألتها عن قانون مريم فأجابت بأنها وضعت قانونها الخاص المبني على المبادئ والثوابت الوطنية والسياسية والاجتماعية، فهي ابنة مجتمع يضع قضاياه السيادية فوق أية قضية أخرى، بينما كان حازم ابن الحرب والأحزاب والمليشيات التي تتصارع خلال الحرب، كما أنه خرج إلى السياسة من عباءة الإعلام، فهو موشوم بليبرالية من دون حواف وقناعة مختلفة عن مفهوم الحرية الذي يتناقض مع مفهوم البطلة.

العمالة السورية

الموضوع الهام الذي أدرج ضمن الرواية هو العمالة السورية في لبنان وبدا هذا المحور في الرواية من خلال شخصية عبد الرحمن، بواب البناية التي تقطن فيها مريم والذي أتى إلى لبنان عند دخول قوات الردع واستقر فيها دون أوراق نظامية وعمل دون أي ضمان، ليترك كل شيء ويعود إلى مدينته الرقة بعد أن هز اغتيال الحريري كل أمان باق لدى العمال السوريين في لبنان.

شخصيات متناقضة

أما عن الشخصيات فأوضحت مطر بأن الرواية حفلت بشخصيات كثيرة ، فهناك شخصية الأب جوزيف الذي داوى جرثومة الحرب بالتدين بعد أن حمل السلاح للدفاع عن حارته خلال الحرب الأهلية ضد الحارة المجاورة، ويتضح خطّ فلسطين والمقاومة الذي يأخذ مكانه في الرواية من خلال شخصية جواد البروفسور الفلسطيني في جامعة ليون الفرنسية، ابن المخيم وأحد الذين حملوا السلاح خلال الحرب ثم رحل إلى فرنسا ليكمل دراسته ونضاله وأصبح أكاديمياً معروفاً. وقد عبّرت شخصية جواد في الرواية ضمن المتن الحكائي عن موقفها الإيجابي النقيض لشخصية حازم وحملت دلالاتها بالمقاومة بساقه المبتورة.

أما عن الوصف فكان بعداً أساسياً  في الرواية سواء لوصف المكان (بيروت – اللاذقية) أو الطبيعة أو وصف الشخصيات، شخصيات الجنرالات الفرنسيين والإنكليز والشخصيات الدينية. وتطرق السرد أيضا إلى العديد من القضايا من أهمها التدخل غير المقبول للدين في السياسة والدور الذي لعبه رجال الدين في تلك المرحلة، وربما في العديد من المراحل التاريخية التي مرت على هذه المنطقة في إقحام الكثير من العوامل الاعتباطية على المجتمع الذي لم يستقر إلى اليوم.

وركزت مطر على أهمية أن تكون الرواية متموضعة في مكان وزمان محددين للتأريخ، وإلا فإن الرواية تفقد الكثير من قيمتها الفنية ومن توجهها الدرامي.

تقنيات السرد

وفيما يتعلق بتقنيات السرد، اعتمدت على ضمير المتكلم لأن شخصية مريم، كما تقول، قريبة من شخصيتها كإنسانة وككاتبة وتتماهى معها في الكثير من الخصائص، وجاءت الحوارات بسياقها الطبيعي بين الشخصيات الأخرى مع اقتحام السرد الوصفي والنفسي والذاتي بشكل متقاطع.

وبعيداً عن(قانون مريم)، ترى الأديبة كلاديس مطر بأن الرواية عامةً مازالت، نسبياً، قليلة الحضور في المشهد الأدبي وإن كانت الآن تعد الجنس الأدبي الأول، وعلى الرواية، كما تذكر، أن تتصدى لأحداث معينة مؤثرة في المجتمع وفاعلة فيه. واليوم نحن كشعوب عربية نعيش مرحلة انتقالية من الحروب إلى الاستقرار، وفي المراحل الانتقالية قد نلتقط أنفاسنا من أجل استعادة جديدة للأفكار والأحداث.

ملده شويكاني