الصفحة الاولىسلايد الجريدةصحيفة البعث

أكد في مقابلة مع قناة “آر تي انترناشيونال وورلد” أن روسيا تساعد سورية لأن الإرهاب وأيديولوجيته لا حدود لهما الرئيس الأسد: نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية انتهت صلاحيته.. وعالم القطب الواحد لم يعد صالحاً للعمل الحرب في سورية حربٌ عالمية ثالثة مصغّرة.. وواشنطن تخوض حرب بقاء لأنها فقدت هيمنتها

أكد السيد الرئيس بشار الأسد أن أغلب الشعب السوري يدعم حكومته، ولهذا السبب مازلنا موجودين هنا منذ 9 سنوات رغم كل هذا العدوان من قبل الغرب والبترودولارات في المنطقة العربية، موضحاً أن الشعب السوري يعرف القصة برمتها، ويعرف أين تكمن مصلحته، وشدّد، في مقابلة مع قناة “آر تي انترناشيونال وورلد” الروسية على أن لا أحد يمكن أن يموت من أجل شخص، فالناس يمكن أن تموت للدفاع عن بلادها ووجودها ومستقبلها، وأضاف: إن روسيا تساعد سورية في مكافحة الإرهاب لأنها تدافع عن شعبها، فالإرهاب وأيديولوجيته لا حدود لهما، ولا يعترفان بالحدود السياسية، والعالم اليوم بات ساحة واحدة للإرهاب، كما أن روسيا تتبنى وتطبّق القانون الدولي انسجاماً مع مصالحها القومية ومصالح شعبها ومع الاستقرار العالمي، وأيضاً مع مصلحة سورية والاستقرار فيها.
وأشار الرئيس الأسد إلى أن اتهامات الكيميائي لم تكن أكثر من مزاعم، وإن من تحدّث عن حصولها ينبغي عليه إثبات روايته وأن يقدّم الأدلة، وخصوصاً أن منظمة “الخوذ البيضاء” التي فبركت المسرحيات هي أحد فروع “جبهة النصرة” الإرهابية، وبيّن أن لتنظيم “داعش” الإرهابي شريكين في سرقة النفط السوري منذ العام 2014، وهما رئيس النظام التركي رجب طيب أردوغان وزمرته والأمريكيون، الذين يحاولون دائماً نهب البلدان الأخرى، مضيفاً: إن النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية انتهت صلاحيته، ولم يعد عالم ذو قطب واحد صالحاً للعمل، والولايات المتحدة لا تقبل بأي شريك لها في قيادة العالم، وعليه، فإن الحرب في سورية هي حربٌ عالمية ثالثة مصغّرة، إن جاز التعبير، لكن دون سلاح، ومن خلال الوكلاء. ثمة عوامل مختلفة، والنفط هو أحد هذه العوامل.
وأكد الرئيس الأسد أن الإسرائيليين هم أعداء سورية، ويحتلون أرضها، وعلاقتهم مباشرة بالإرهابيين، وفي كل مرّة كان الجيش السوري يحقق تقدّماً ضد إرهابيي “جبهة النصرة” في الجنوب كانت “إسرائيل” تقصف القوات السورية، فالصلة واضحة جداً، وهناك تلازم بين العمليات الإسرائيلية وعمليات الإرهابيين.

لا أحد يموت من أجل شخص.. الناس يمكن أن تموت للدفاع عن بلادها ووجودها ومستقبلها
الروايات الغربية مضللة ومنفصلة عن الواقع.. وتهدف لإظهار الجيش السوري بأنه يقتل المدنيين

وفيما يلي النص الكامل للمقابلة:
أنا أفشين راتانسي في القصر الرئاسي في دمشق. أهلاً بكم في هذه المقابلة الحصرية لمحطة “آر تي انترناشيونال وورلد”، وأنا في ضيافة الرئيس السوري بشار الأسد. سيادة الرئيس، شكراً لكم لمنحنا هذه المقابلة، وأود أن أبدأ بسؤالكم لماذا تجرون مقابلة الآن بينما لم تفعلوا ذلك منذ عام ونصف العام؟.
الرئيس الأسد: أهلاً بكم في سورية. لقد دفعت الأحداث في العالم، بشكل عام، وفي المنطقة وسورية بعد الغزو التركي، إلى وضع سورية في الصدارة مرة أخرى. هذا سبب. السبب الثاني هو أنني أعتقد أن الرأي العام العالمي، وخصوصاً في الغرب، يشهد تحوّلاً خلال الأعوام القليلة الماضية. إنهم يعرفون أن مسؤوليهم أخبروهم بالعديد من الأكاذيب حول ما يجري في المنطقة، في الشرق الأوسط، في سورية وفي اليمن. هم يعرفون أن هذه كذبة، لكنهم لا يعرفون الحقيقة، ولذلك أعتقد أنه حان الوقت للتحدّث عن هذه الحقيقة. ثالثاً، أجريت العديد من المقابلات مع وسائل إعلام غربية، ووجدت أنهم لا يحاولون الحصول على المعلومات، بل يريدون أن يحققوا سبقاً صحفياً. إنهم لا يحاولون أن يكونوا موضوعيين، وينقلوا إلى جمهورهم ما يحدث في العالم، ولذلك توقّفت عن إجراء المقابلات لسنوات.
في رحلتنا من مطار دمشق، رأينا أعمال إعادة الإعمار. ما عدد الجنود الذين قتلوا؛ الجرحى أو المهجّرين من بلادكم في الفترة الماضية، منذ العام 2011؟.
الرئيس الأسد: إن الاستقرار الذي شاهدتموه خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية منذ وصولكم إلى دمشق هو نتيجة تضحيات أكثر من 100 ألف جندي سوري استشهدوا أو جرحوا. خسرنا العديد من الأرواح، ناهيك عن الآلاف، وربما عشرات آلاف من المدنيين أو الأبرياء الذين قتلوا بسبب قذائف الهاون، أو عبر الإعدامات، أو خطفوا وقتلوا لاحقاً أو اختفوا، وأُسرهم مازالت تنتظرهم حتى الآن. لقد كان هناك الكثير من التضحيات التي بُذلت في مواجهة أولئك الإرهابيين. ولهذا السبب ترى هذا الاستقرار وإعادة الإعمار.
الدول التي دعمتكم تشمل إيران وروسيا بالطبع، وقبل أن أتحدّث عن الدعم البريطاني والأمريكي الفعلي لـ “داعش” والقاعدة في بلادكم، ما الذي يمكن أن تقولوه للأسر الروسية التي فقدت جنودها الروس الذين خاطروا وضحّوا بحياتهم من أجل “ديكتاتور”، من أجل “ديكتاتور شرق أوسطي”؟ ما الذي يمكن أن تقوله لهم، بمعنى ما الذي يدفع فلاديمير بوتين لإرسال جنوده لمساعدة حكومتكم؟.
الرئيس الأسد: لقد أشرت إلى نقطة مهمة جداً، فحتى في سورية لا يمكن لأحد أن يموت من أجل شخص، الناس يمكن أن تموت – وخصوصاً بأعداد كبيرة – من أجل قضية، وهذه القضية هي الدفاع عن بلادهم.. الدفاع عن وجودهم وعن مستقبلهم، فما بالك بشخص يأتي من بلد آخر ليموت من أجل شخص آخر، سواء كان ديكتاتوراً أو مهما أردت تسميته! وبالتالي، ومما ينافي المنطق أن يأتي أحد ما، فقط لأن الرئيس بوتين أرسله، كي يموت من أجل شخص آخر، أو أن يضع الرئيس بوتين كل مصالح بلاده على المحك من أجل شخص واحد. هذا غير منطقي. في الواقع، فإن روسيا، وطبقاً لما يقوله مسؤولوها، أعني الرئيس بوتين ولافروف وآخرين، تدافع عن مصالحها بطرق مختلفة، وأحد وجوه هذا الدفاع يتمثّل في أن محاربتهم الإرهاب في بلد ما، سواء كان سورية أو أي بلد آخر في المنطقة، تعتبر دفاعاً عن الشعب الروسي لأن الإرهاب وأيديولوجيته لا حدود لهما، ولا يعترفان بالحدود السياسية. لنقل إنها ساحة واحدة، فالعالم اليوم بات ساحة واحدة للإرهاب. ثانياً، إنهم يتبنّون ويطبّقون القانون الدولي. ومن وجهة نظرهم، فإن القانون الدولي، إذا نُفّذ، يتطابق مع مصالحهم القومية، وبالتالي فإن تطبيقه في سائر أنحاء العالم سيساعد في تحقيق مصالح الشعب الروسي. إذاً، هم يفعلون ما يفعلونه انسجاماً مع مصالحهم القومية، والاستقرار العالمي، ومع مصلحة سورية والاستقرار فيها.
الآن، تعرفون أنه في وسائل إعلام دول حلف الناتو، فإن بلدكم، وحكومتكم، وأنتم شخصياً، ترتبطون بشكل مترادف مع الهجمات بالأسلحة الكيميائية. لنعد إلى الحادي والعشرين من آب 2013، في الغوطة. هل أسقطت حكومتكم أسلحة كيميائية على الغوطة في ذلك التاريخ، في الحادي والعشرين من آب 2013؟.
الرئيس الأسد: الأمر المضحك أنه في ذلك التاريخ نفسه، وصل أول وفد دولي كُلّف التحقيق بالحادث في سورية إلى دمشق، وكانوا على بعد بضعة كيلومترات من هذا المكان. منطقياً، لو افترضنا أن الجيش السوري يمتلك أسلحة كيميائية، وأراد استعمالها، فإنه لن يستعملها في ذلك اليوم. هذا أولاً. ثانياً، تحدّثوا عن مقتل مئتي مدني؛ في حين إنك لو استعملت الأسلحة الكيميائية فإنك قد تقتل عشرات الآلاف في تلك المنطقة المكتظة بالسكان. ثالثاً، هذه الحادثة ليست موجودة إلّا في أذهان المسؤولين الغربيين. إنها رواية استعملوها كذريعة لمهاجمة سورية. هذا ما أعنيه. فهم لم يقدّموا أي دليل ملموس لإثبات حدوث مثل ذلك الهجوم، وظهرت تقارير كثيرة تدحض ذلك التقرير أو تلك المزاعم. وبالتالي، فقد كانت مجرد مزاعم؛ فالجيش السوري لم يستعمل الأسلحة الكيميائية إطلاقاً قبل أن يُسلّم كل ترسانته إلى اللجنة الدولية.
بالطبع، ثم اتخذت القرار بدعوة منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للتخلّص من الأسلحة الكيميائية.
الرئيس الأسد: في الواقع، نحن من دعاهم للقدوم لأننا كنا نعتقد أنهم ينبغي أن يأتوا ويحقّقوا، ولأننا كنا متأكدين مئة بالمئة أنها مجرد مزاعم. لكن هذه الوفود ليست حيادية دائماً، بل هم غالباً منحازون.
الصحفي: حسناً، رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فيرناندو أرياس، ربما يواجه الآن مشاكله الخاصة مع المشتكين من داخل منظمته. فلا شك في أن المدير العام للمنظمة أحمد أوزومجو الذي راقب عملية تدمير الأسلحة هنا قال: إن هناك فجوات، وحالات عدم يقين، وتناقضات في عملية تدمير الأسلحة الكيميائية التي راقبتها المنظمة هنا في بلادكم.
الرئيس الأسد: ثغرات في التقرير الخاص بنا؟.
الصحفي: نعم.
الرئيس الأسد: ولماذا لم يظهروها؟ نحن نواجه هذه المزاعم نفسها منذ العام 2013. بعد ست سنوات ألم يكن بإمكانهم إثباتها؟ وفي كل مرة يقولون: إن سورية استخدمت الأسلحة الكيميائية، هل يمكننا، في ظل هذا الإشراف أو لنقل هذه المراقبة الدقيقة من قبل العالم الغربي بأسره، أن نستخدم هذه الأسلحة مرّةً بعد مرة! هذه القصة برمتها غير منطقية. نحن لا نحتاج الأسلحة الكيميائية، إننا نحقق تقدّماً. في كل مرة يتحدّثون عن استخدام الأسلحة الكيميائية نكون في حالة تقدّم، وليس عندما نخسر. حتى من الناحية العسكرية، منطقياً قد تستخدم مثل تلك الأسلحة -وأنا لا أتحدّث عن الجيش السوري بالطبع لأننا لم نعد نمتلك مثل تلك الأسلحة- عندما تكون في حالة خسارة للأرض، وليس عندما تكون في حالة تقدّم.
الصحفي: إذاً، أنتم تنكرون استخدامها في جوبر، والشيخ مقصود، وسراقب، وفي حلب، وأفترض أنكم تنكرون استخدامها في خان شيخون في الرابع من نيسان 2017. تنكرون استخدام الحكومة السورية للأسلحة الكيميائية في جميع هذه المناطق؟.
الرئيس الأسد: كل واحدة من هذه القصص لم تكن أكثر من مزاعم. إن من تحدّث عن حصول استخدام للأسلحة الكيميائية ينبغي عليه إثبات روايته، وهو من يجب أن يقدّم الأدلة على أنه قد تمّ استخدامها.
الصحفي: لكن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية دفعت بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا إلى الاعتقاد بأنه ينبغي عليها ضرب بلادكم على أساس ذلك التقرير.
الرئيس الأسد: لكن الاعتقاد شيء وتقديم الأدلة شيءٌ آخر. نحن نتحدّث عن الأدلة. ما هي الأدلة التي يمتلكونها لإثبات روايتهم؟ لا شيء.
ألا توجد أي حقيقة في تلك الشائعات.. ألا يمكن القول من جانبكم: إن الأدلة في الفيديوهات قد فبركت من قبل المتمردين باستخدام الأسلحة الكيميائية عبر الحكومة السعودية.. وأن الأسلحة الكيميائية استخدمت بالفعل، لكن من قبل من يُسمون “المتمردين”؟..
الرئيس الأسد: نعم إنها موجودة على يوتيوب وتستطيع مشاهدتها. لقد فبركوا مسرحيةً كاملة، حيث يلعب شخصٌ ما دور الضحية في العديد من الحوادث، ليس فقط في مجال الأسلحة الكيميائية، بل حتى في حالات القصف، يفبركون مسرحية تُظهر أن أحدهم كان ضحيةً، وعند نهاية التصوير يظهر أنه شخصٌ عادي، يقف ويتحرّك بشكلٍ طبيعي. تستطيع مشاهدة ذلك على يوتيوب. إنها واضحة جداً. نستطيع أن نريك هذه الأدلة.
الصحفي: لكن ليس هناك دليل غير ذلك، لأن (الخوذ البيضاء) المدعومة من وزارة الخارجية البريطانية، والتي مُنحت مؤخراً دعماً إضافياً من قبل إدارة ترامب تدعي أن الفيديوهات حقيقية تماماً، وأن الأشخاص الذين ينتجون هذه الفيديوهات أنقذوا حياة 50 ألف شخص في بلادكم حتى العام 2018.
الرئيس الأسد: مرةً أخرى، من السهل جداً رؤية وجوه نفس هؤلاء “الملائكة”، (الخوذ البيضاء).. الوجوه نفسها، والشخص نفسه الذي كان يعمل في (الخوذ البيضاء) كان في الواقع مقاتلاً مع القاعدة. تستطيع أن تراه، فالصور واضحة جداً. الشخص نفسه الذي كان يقطع الرؤوس، أو يأكل قلب جندي. هذه المقاطع منتشرة جداً وبوسعك مشاهدتها على الانترنت. لا أعتقد أن أحداً في هذه المنطقة يُصدّق هذه المسرحية، مسرحية العلاقات العامة لـ (الخوذ البيضاء). إنهم أحد فروع (جبهة النصرة).
حسناً، هيئة الإذاعة البريطانية التابعة للدولة البريطانية، ومنظمة العفو الدولية تزعمان أن حكومتكم قتلت أحد عشر ألف شخص باستخدام ما يُسمى “البراميل المتفجّرة” منذ العام 2012، فيما يُعد انتهاكاً لقرار مجلس الأمن رقم 2139، وفي الواقع تُشير هيومن رايتس ووتش إلى صورٍ التقطت بالأقمار الصناعية، وأنتم تتحدّثون عن مقاطع الفيديو على يوتيوب وتقولون إنها مفبركة. هذه أكبر وسائل إعلام في دول حلف الناتو وأكبر المنظمات غير الحكومية.
الرئيس الأسد: ليست هناك حرب جيدة. هذه حقيقة بديهية. هناك دائماً ضحايا في أي حرب، لكن أن تتحدّث عن جيش أو دولة تقتل المدنيين وتقتل شعبها، فهذا ليس واقعياً لسبب بسيط، وهو أن الحرب في سورية كانت على كسب قلوب الناس؛ ولا تستطيع كسب قلوب الناس بقصفهم. فالجيش السوري كان يحارب الإرهابيين، وإن كان هناك بعض النيران الجانبية التي أثَّرت في بعض المدنيين -وقد يكون ذلك قد حصل، ويمكن إجراء تحقيقات بشأنه- لكن كيف يمكن للشعب السوري أن يدعم دولته ورئيسه وجيشه إن كانوا يقتلونه؟!.
هل كان القصف هو الطريقة الوحيدة لاستعادة شرق حلب.. هل أمر قادتكم أو أنتم شخصياً باستخدام هذا الأسلوب فقط للتخلص من (القاعدة) و(داعش)، اللذين يمكن القول إنهما مدعومان من بريطانيا والولايات المتحدة، هل كانت الطريقة الوحيدة للتخلص منهما عبر القصف الجوي؟.
الرئيس الأسد: بالتأكيد، وقد نجحنا، وهناك مناطق أخرى استعدنا السيطرة عليها دون قتال. أجرينا مفاوضات مع تلك المجموعات، فغادروا تلك المناطق، ومن ثم دخلناها.
الصحفي: لكنكم تشاهدون الصور، التي أفترض أنكم تعرفون أنها صحيحة، والتي تظهر الدمار الذي حصل في شرق حلب. هل كانت تلك فعلاً الطريقة الوحيدة لإلحاق الهزيمة بالمجموعات المرتبطة بـ (القاعدة) و(داعش)؟.
الرئيس الأسد: تلك المجموعات التي تتحدّث عنها في شرق حلب اعتادت أن تقصف المدنيين بشكل يومي، وقد قتلت مئات الآلاف من الأشخاص في حلب، وبالتالي فإن مهمة الجيش ومهمة الدولة هي حماية أولئك المدنيين من هؤلاء الإرهابيين. كيف يمكننا فعل ذلك دون مهاجمة الإرهابيين؟!.
حسناً، هذا لا يُعرض على وسائل الإعلام في دول حلف الناتو، دفاعاً عنكم. الآن، ماذا عن استخدام الضربات المزدوجة من قبل القوات الجوية السورية والروسية، وذلك عندما كنتم تقصفون جزءاً من شرق حلب، وحين يحضر عمال الطوارئ، تقصفون مرة أخرى؟.
الرئيس الأسد: هناك الكثير من الروايات المضللة في الغرب التي تهدف حصراً لإظهار الجيش السوري بأنه يقوم بقتل المدنيين عن عمد ودون مبرر، إضافة إلى تصوير وعرض أولئك الذين يسمونهم (الخوذ البيضاء) أو أي مستشفى حوّله الإرهابيون إلى مقر لهم، فيقولون: إن الجيش السوري يهاجم المرافق الإنسانية وحسب كي يتسبب في معاناة المدنيين. في الواقع، فإن ما كان يحدث هو العكس، فأولئك المدنيون هربوا من تلك الأماكن، وانتقلوا إلى جانب الحكومة في كل المناطق، وليس في شرق حلب وحسب. إذا ذهبت إلى شرق حلب الآن، فستجد أن أولئك الناس مازالوا يعيشون هناك تحت إشراف الحكومة. لماذا لم نقتلهم؟ لماذا لم يهربوا إلى تركيا؟ هذا بحد ذاته يفنّد الروايات الغربية.
الصحفي: لكن كما قلت، فإن رائد صالح، رئيس (الخوذ البيضاء) المدعومة بريطانياً تحدّث إلى برنامجي، وقال: إنهم مجرد منظمة إنسانية، وليسوا إرهابيين على الإطلاق، رغم ما تدّعونه أنتم والحكومة الروسية.
الرئيس الأسد: لكن لديك الصور، ولديك الفيديوهات، ولديك الأدلة، وبالتالي فإن ما نقوله ليس ادعاءات. إذاً كيف عرفنا بذلك؟ من خلال صورهم، ونستطيع أن نقدّم لك كل هذه الأدلة. لدينا أدلة.
أود العودة قليلاً إلى المظاهرات الأولى في درعا، وفي دمشق، ومرة أخرى هناك برنامجٌ شهير على هيئة الإذاعة البريطانية التابعة للدولة البريطانية قال فيه وليد جنبلاط، الزعيم الدرزي في بيروت، أمام الكاميرا: إنكم أمرتم بقتل حمزة الخطيب، البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً. هل هذا صحيح؟ ومن ثم التقى البرنامج عدداً من الناس الذين قالوا: إن الأخطاء التي ارتكبتموها هي التي أدت إلى ما حدث، وليس الدعم البريطاني والأمريكي للقاعدة و(داعش) في بلادكم؟.
الرئيس الأسد: في البداية، وخلال المظاهرات التي خرجت في الأيام الأُولى، خسرنا خمسة من رجال الشرطة بسبب إطلاق النار، بالرصاص. كيف يمكن أن نتحدّث عن مظاهرات سلمية يُقتل فيها رجال الشرطة؟!.
الصحفي: لكن كيف أمكنكم أن تأمروا بقتل طفل في الثالثة عشرة من عمره؟.
الرئيس الأسد: إني أتحدّث الآن عن البدايات الأولى، أعني أنه منذ البداية لم تكن عبارة “المظاهرات السلمية” صحيحة. كان هناك إطلاق نار، ولا تستطيع أن تتعرّف على من يطلق النار على الشرطة، ومن يطلق النار على المدنيين لأنه في معظم الأحداث حينذاك، لم يكن رجال الشرطة يحملون رشاشاتٍ ولا حتى مسدسات.
الصحفي: لكن هذا الطفل تعرّض للتعذيب؟.
الرئيس الأسد: لا، لا، هذا غير صحيح لم نفعل ذلك.
الصحفي: كانت هناك حروق سجائر على جسده..
الرئيس الأسد: لا، لقد قُتل، وكانت هناك مزاعم بأنه تعرّض للتعذيب. لم يعذّب. لقد قُتل ونُقل إلى المستشفى؛ وقد التقيت أهله، وهم يعرفون القصة الحقيقية. هذا ما يُقال في وسائل الإعلام الغربية وحسب. هذه ليست الرواية المعروفة في سورية. ولهذا أستغرب تلك الروايات المنفصلة تماماً عن واقعنا. إنه شخص مات، أما كيف مات، ومن أطلق النار عليه، فلا أحد يعرف. كانت هناك فوضى، وعندما تكون هناك مظاهرات فوضوية، يمكن لأي شخص أن يتسلل إلى المظاهرة، ويبدأ بإطلاق النار في مختلف الاتجاهات، ويقتل رجال الشرطة كي يدفعهم إلى الرد، أو العكس بالعكس.
هل سمعتم بأنور رسلان وإياد الغريب اللذين اعتقلا في ألمانيا؟ يدّعي الألمان بوجود الفرع 251، إحدى وحدات التعذيب لديكم، لتعذيب المتظاهرين.
الرئيس الأسد: ليس لدينا وحدات تعذيب. وليس لدينا سياسة تعذيب في سورية. لماذا نستخدم التعذيب؟ هذا هو السؤال، لماذا؟ هل هو وضع نفسي؛ لمجرد أنك تريد أن تعذّب الناس بهذه الطريقة السادية؟ لماذا نمارس التعذيب؟ هل لأننا بحاجة إلى المعلومات؟! لدينا كل المعلومات. غالبية الشعب السوري دعمت حكومتها. ولهذا السبب مازلنا موجودين هنا منذ 9 سنوات رغم كل هذا العدوان من قبل الغرب ومن قبل البترودولارات في المنطقة العربية. هذا هو السبب الوحيد. وبالتالي، لماذا تعذّب الناس، هذا هو السؤال. إنها ليست سياسة. إذا تحدّثت عن حوادث فردية، فإنها مجرد حوادث فردية يمكن أن يقوم بها أي شخص بدافع الانتقام، أو لأي سبب آخر، ويمكن لذلك أن يحدث في أي مكان في العالم. لكن ليس لدينا مثل هذه السياسة، إننا لا نعتقد أن التعذيب يمكن أن يجعل وضعنا أفضل كدولة، بمنتهى البساطة، ولذلك فإننا لا نستخدمه.
ماذا فعلتم عندما أرسلت الحكومة البريطانية الأسطول الملكي لاعتراض ناقلة إيرانية.. قالوا: إن إيران كانت فعلاً تُرسل وقود التدفئة إلى سورية. هل ستلحق العقوبات التي يفرضها الاتحاد الأوروبي الضرر بالشريحة الأكثر فقراً في سورية هذا الشتاء؟.
الرئيس الأسد: بالضبط. أولاً، هذه قرصنة. هذه قرصنة من قبل نظام المملكة المتحدة، وهذا هو المعنى الجوهري لكلمة “نظام”، لأن النظام والقرصنة والعصابات هي أمور متشابهة. ثانياً، نعم، لقد أرادوا إلحاق الضرر بالناس في سورية. لماذا؟ لأنه كان يُتوقّع من أولئك الناس أن ينتفضوا ضد الحكومة خلال المراحل المختلفة من الحرب، لكنهم لم يفعلوا. كان يفترض أن يقدّموا الدعم للإرهابيين: “المعارضة المسلحة المعتدلة”، “ملائكة الخوذ البيضاء”، لكن الناس لم يفعلوا، بل وقفوا مع حكومتهم، ولذلك كان يجب أن يعانوا.. كان يجب أن يدفعوا الثمن. أرادوا تلقين الناس درساً بأنه كان عليهم تأييد أجنداتهم.. هذا أولاً.. ثانياً، ربما كانت تلك القرصنة هي المحاولة الأخيرة لدفعهم للتحرّك ضد حكومتهم. لكنهم حاولوا ذلك في الشتاء الماضي، حاولوا ذلك من قبل، ولكن ذلك لم ينجح، لأن الشعب كان يعرف القصة برمتها، ويعرف أين تكمن مصلحته.
حتى وإن اعتقد نصف العالم الجنوبي، وأنتم ووزراء حكومتكم، أنه من الطبيعي اتهام حكومات الناتو بدعم القاعدة أو (داعش)، فإن مشاهدي هذه المقابلة في تلك الدول الأعضاء في الناتو قد يعتبرون أن هذا سخيف. فلماذا قد ترغب الحكومة البريطانية أو إدارة أوباما -لأني أفترض أن دونالد ترامب أدرك فجأة ما يحدث- بدعم القاعدة و(داعش)؟.
الرئيس الأسد: لماذا؟ لأن الوقائع تقول ذلك.. وهذه الوقائع بدأت بحقيقة أن المسؤولين الأمريكيين، قبل أي أحد آخر، قالوا ذلك هم أنفسهم وبعظمة لسانهم، مثل جون كيري وهيلاري كلينتون وغيرهم كثير، عندما أقروا بدورهم في دعم القاعدة في أفغانستان كي تكون أداةً لهم ضد الاتحاد السوفييتي حينذاك. هم قالوا ذلك. هذا منهاج عملهم، وليس أمراً اخترعناه نحن.
الصحفي: لقد رأوا ما حدث في الحادي عشر من أيلول، فلماذا يرتكبون الخطأ نفسه مرة أخرى؟.
الرئيس الأسد: لأن السياسة الأمريكية تعتمد عموماً على العمل بمبدأ التجربة والخطأ. غزوا أفغانستان ولم يستفيدوا شيئاً. غزوا العراق ولم يستفيدوا شيئاً، وبدؤوا بغزو بلدان أخرى ولكن بطرق مختلفة. لقد غيّروا الأسلوب. المشكلة مع الولايات المتحدة الآن أنها تخوض حرب بقاء، من وجهة نظرهم، لأنهم يفقدون هيمنتهم، ولذلك أرادوا محاربة الروس، والإيرانيين، والسوريين، وكل من يقول لهم “لا”، حتى حلفاؤهم إذا قالوا “لا”، مثل الحكومات الغربية، فإنهم سيحاربونهم. هم بحاجة إلى أدوات. حاولوا ذلك في العراق، لكنهم لم ينجحوا من خلال إرسال جيشهم. وخسروا كثيراً، ودفعوا ثمناً باهظاً حتى داخل الولايات المتحدة. ولذلك، من الأسهل عليهم إرسال وكلائهم. وبالتالي، القاعدة هي وكيلتهم ضد الحكومة السورية، وضد الحكومة الروسية والحكومة الإيرانية. لهذا يستعملونها، لكن هناك أدلة. إذ كيف ظهر تنظيم (داعش) فجأة في العام 2014؟ من العدم؟! ومن اللا شيء؟! وفي العراق وسورية بالوقت نفسه؟! وبأسلحة أمريكية؟! هذا واضح جداً. كيف كان بوسعهم تهريب ملايين براميل النفط إلى تركيا تحت إشراف الطائرات الأمريكية؟ كيف؟ لأن الأمريكيين أرادوا استخدامهم ضد الجيش السوري. هذا ليس ما قلناه نحن. الأمريكيون قالوا ذلك، والحقائق أكدت القصة ذاتها.
لكن بينما يجري هذا، كنتم تتحدّثون إلى هيئات دولية وجهات مختلفة. ما رأيكم بما قاله مبعوث الأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، عندما تحدّث في الأيام القليلة الماضية قائلاً: “بعد أن وقفت فعلاً ضد ما حدث في حلب، وإدلب، وداريا، لم يكن بوسعي أن أصافح الأسد، وأقول “معلش”. هؤلاء هم الأشخاص الذين تتحدّثون إليهم بوصفهم مراقبين حياديين. عندما تنظرون إلى الماضي، هل كان أيٌ من هؤلاء الناس حيادياً؟.
الرئيس الأسد: لا يمكن أن يكون في ذلك الموقع إذا كان حيادياً لأن الولايات المتحدة لا تقبل إلّا بالدمى فقط. هذا هو سلوكهم.
الصحفي: لكنكم صافحتموه؟.
الرئيس الأسد: نعم. وطلب لاحقاً أن يجتمع بي، فرفضت. وبالتالي، نعم أراد أن يصافحني. هو كان ينفّذ الأجندة الأمريكية، ربما بطريقة أذكى قليلاً، لكن ذلك لم ينجح، فقد كان منحازاً. ولذلك فشل.
وماذا عن مسار جنيف هذا؟ لقد أفادت التقارير بأن الوفد السوري مدعومٌ من حكومتكم، لكنه لا يمثّل الحكومة السورية. إذاً ما هو مسار جنيف هذا؟ هل هو مسار ما بعد الصراع؟ لست متأكداً أنه يُوصف بذلك.
الرئيس الأسد: إنها خدعة أمريكية تقوم على أن يكسبوا بالسياسة ما لم يستطيعوا كسبه من خلال المظاهرات أولاً، ومن خلال الإرهابيين لاحقاً، وبالتالي تحقيق ذلك عبر العملية السياسية. ولهذا السبب مرة أخرى لم ينجح ذلك. لهذا فشلت جنيف لأنها كانت تهدف إلى إسقاط الحكومة عبر “هيئة مؤقتة” – ليس من المهم ما تسميتها.. ثم يأتي تغيير الحكومة سلمياً ويسيطرون على سورية كما فعلوا في العديد من البلدان الأخرى. لذلك فشلت جنيف، ولذلك ذهبنا إلى سوتشي مع الروس. هذا هو السبب. سوتشي يحقق نجاحاً. أرسلنا الوفد الشهر الماضي، وبدؤوا الأسبوع الماضي بالتفاوض حول الدستور.
الصحفي: إذاً، عندما يعلن دونالد ترامب..
الرئيس الأسد: آسف، هل كان سؤالك عن اجتماعات جنيف هذه المرة؟!.
الصحفي: كنت أتحدّث عن مسار جنيف الحالي.
الرئيس الأسد: الآن إذا تحدّثنا عن جنيف هذه، فإنها فقط المكان، الجغرافيا، أعني أن العملية السياسية ما تزال عملية سوتشي. إنها سوتشي. لا يهم أين تُعقد هذه الاجتماعات، أو أين تبدأ المفاوضات، فهي في كل الأحوال سوتشي.
لكن ما يقال في وسائل الإعلام الغربية الرئيسة في دول حلف الناتو هو أن المسار هو مسار جنيف.. وليس سوتشي. عموماً.. هل تصدّقون هذه القصة المثيرة للاهتمام عندما يقول الروس: إن الولايات المتحدة تسرق نفطاً بقيمة ثلاثين مليون دولار شهرياً من شمال شرق سورية!.. هل هذه ورقة مساومة يستعملها ترامب في محادثات جنيف؟ لماذا تهتم دولة مصدّرة للنفط مثل الولايات المتحدة بكمية من النفط بثلاثين مليون دولار شهرياً؟.
الرئيس الأسد: منذ بدأ “داعش” بتهريب النفط السوري وسرقته في العام 2014.. كان لديه شريكان.. أردوغان وزمرته.. والأمريكيون.. سواء كان ذلك من خلال الـ(سي آي ايه) أو أطراف أخرى، وبالتالي.. فإن ما فعله ترامب هو أنه أعلن الحقيقة فقط. إنه لا يتحدّث عن أمر جديد. فحتى عندما بدأ بعض الأكراد يسرقون بعض النفط السوري.. كان الأمريكيون شركاءهم.. فالقضية قضية مال ونفط.. وهذا ما قاله ترامب مؤخراً. هذا ليس جديداً على الإطلاق، ولا علاقة له بهذه المحادثات أبداً.
الصحفي: لكن لماذا لا تبدون غضباً أكبر.. فمن الواضح أن هذا انتهاك لاتفاقية جنيف الرابعة بشأن نهب موارد البلدان؟.
الرئيس الأسد: نحن بالطبع غاضبون.. وكل سوري غاضب. بالتأكيد. هذا نهب.. لكن لا يوجد نظام دولي.. ولا قانون دولي.. بصراحة هذا ليس جديداً.. ليس خلال الحرب وحسب.. فالأمريكيون يحاولون دائماً نهب البلدان الأخرى بطرق مختلفة.. ليس فيما يتعلق بنفطها أو أموالها أو مواردها المالية فقط.. بل إنهم يسرقون حقوقها.. حقوقها السياسية.. وكل حقوقها الأخرى. فهذا دورهم التاريخي.. على الأقل بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فإن هذا الأمر ليس جديداً.. وليس غريباً ولا منفصلاً عن سياساتهم السابقة، لكنه يتّخذ أشكالاً مختلفة بين وقت وآخر، وهذا الشكل المتمثّل في نهب النفط.. هو الشكل الصارخ للسياسة الأمريكية.. أي نهب حقوق الشعوب الأخرى.
هل كان جزء كبير من الحرب يتمثّل في وصول أنبوب الوقود الأحفوري من الشرق الأوسط إلى أوروبا، والذي بدوره سيمنع وصول الأنابيب الروسية إلى الاتحاد الأوروبي؟.
الرئيس الأسد: هذا واقعي جداً، لكنهم يقولون: إن البعض طلب من الرئيس أن يفتح سورية أمام خط يمر من الجنوب إلى الشمال، وإنه قال: “لا” من أجل الروس. في الواقع، ذلك لم يحصل. هذا غير صحيح، لكن كان هناك خط أنابيب من الشرق إلى الغرب، من إيران، عبر العراق، فسورية إلى البحر المتوسط. إذا كان هذا سبباً، فهذا محتمل، وإذا كانت الحرب تتعلّق بالنفط كعامل، فمن المرجّح أن يكون هذا صحيحاً. لكن هذا ليس هو العامل الوحيد؛ فلا تنسَ أن ثمة حرباً بين الولايات المتحدة وباقي العالم. ما نشهده اليوم هو تحرك للصفائح التكتونية محدثة زلازل، لأن النظام العالمي الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية انتهت صلاحيته، خصوصاً بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ولم يعد عالم ذو قطب واحد صالحاً للعمل، وبالتالي هناك قوى صاعدة مثل روسيا، والصين والهند ودول أخرى، والولايات المتحدة لا تقبل بأي شريك لها في قيادة العالم، حتى بريطانيا، وفرنسا، وحتى الدول الكبيرة الأخرى، التي لن أسميها قوى عظمى، لأن ذلك له معنى آخر، فهي لم تعد دولاً عظمى. إنهم لا يقبلون الشركاء، ولهذا يقاتلون الآن، وعليه فإن الحرب في سورية هي حربٌ عالمية ثالثة مصغّرة، إن جاز التعبير، لكن دون سلاح، ومن خلال الوكلاء. ثمة عوامل مختلفة، والنفط هو أحد هذه العوامل دون أن يعني ذلك أن الحرب تُخاض من أجل النفط. لا أعتقد أن ما يحدث هو بسبب النفط فقط.
قد يقول البعض طبعاً: إن سورية تاريخياً، والدكم وأنتم، دعمتم دائماً الفلسطينيين وقرارات الأمم المتحدة بشأن الفلسطينيين. هل ترون أن “إسرائيل”، التي يعتقد كثيرون أنها تمتلك أسلحة نووية للدمار الشامل، تؤثّر في سياسة المفوضية الأوروبية، وفي وزارتي الخارجية والدفاع الأمريكيتين؟.
الرئيس الأسد: بالتأكيد، فالإسرائيليون أعداؤنا، هم يحتلون أرضنا؛ ومن البديهي أن يكونوا جزءاً من أي شيء يمكن أن يحدث ضد سورية: أي خطة، أو تحريض، ومباشرة عبر علاقتهم بالإرهابيين، فنتنياهو كان يزور الإرهابيين الذين كانوا يعالجون في مستشفياتهم..
الصحفي: هل تعتقدون أن تلك الصور كانت حقيقية، وأن الحكومة الإسرائيلية كانت تقدّم الدعم المباشر للمسلحين المرتبطين بالقاعدة و(داعش) الذين يحاولون تدمير حكومتكم؟.
الرئيس الأسد: الإسرائيليون أنفسُهم نشروا رسمياً هذه الصور كأخبار. لم تكن ادعاءاتنا. ثانياً، في كل مرة كان الجيش السوري يحقق تقدّماً ضد إرهابيي (جبهة النصرة) في الجنوب كانت (إسرائيل) تقصف قواتنا، وكلما كنا نتقدّم في منطقة أخرى في سورية، كانت طائراتهم تبدأ بتنفيذ ضربات جوية ضد جيشنا. هذا ما يحدث، وبالتالي فإن الصلة واضحة جداً. إذاً، كان هناك تلازم بين العمليات الإسرائيلية وعمليات الإرهابيين. كانت تلك العلاقة تتمّ أولاً عبر الإرهابيين مباشرة، وثانياً من خلال الأمريكيين، وثالثاً من خلال الأوروبيين. لديهم أجندة واحدة ومصلحة واحدة؛ وكان ذلك قائماً قبل الحرب، وليس خلال الحرب فقط. إذاً، من الطبيعي والمتوقّع والمرجح أن تكون “إسرائيل” جزءاً من كل هذا.
بالطبع، في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا، والولايات المتحدة، والقوى الأوروبية تقصف بلادكم جواً لتدمير حكومتكم، كانت الأخبار المهمة في وسائل إعلام دول الناتو عن اغتيال البغدادي من قبل الفوج الأمريكي الخامس والسبعين في محافظة إدلب. هل تعتقدون، وبناء على ما قلتموه، أن البغدادي قد تمّ تدريبه أساساً من قبل الولايات المتحدة في سجن التعذيب في أبو غريب بالعراق؟.
الرئيس الأسد: لقد كان في سجونهم وتحت إشرافهم، والأمريكيون هم من أطلقوا سراح البغدادي؛ وبالتالي ما كانوا ليطلقوا سراحه دون أن يكلّفوه بأي دور، فجأة أصبح البغدادي خليفة للمسلمين في العالم كما نصب نفسه. لقد تم إعداده من قبل الأمريكيين للعب ذلك الدور، ونحن لا نصدّق هذه القصة الأخيرة حول قتله. قد يكون قُتل، لكن ليس كما ذكروا. القصة الكاملة تتعلّق بغسل أيدي الأمريكيين من التواطؤ مع الإرهابيين، ليس فقط في السنوات القليلة الماضية، بل خلال العقود الأخيرة. هذا أشبه بما يحدث في الأفلام الخيالية عندما يقومون بمحو ذاكرتك. أرادوا أن يمحوا ذاكرة الرأي العام لديهم حول علاقتهم المباشرة مع أولئك الإرهابيين، وخصوصاً القاعدة، و(داعش) و(جبهة النصرة). عندما ألقي القبض على صدام حسين، قاموا بعرضه، وعندما أعدم عرضوا عملية الإعدام، وعندما قُتل أبناؤه، عرضوا أجسادهم، وحدث الشيء نفسه مع القذافي. لماذا إذاً لم يعرضوا علينا جثة بن لادن؟ ولماذا لم يعرضوا علينا جثة البغدادي؟ إنها مجرد قصة مفبركة عن كونهم ضد الإرهابيين، وعن هذه العملية المعقدة جداً. قد يكون قُتل لأن صلاحيته انتهت كشخص؛ وكانوا بحاجة لشخصٍ آخر، وربما أرادوا تغيير كل اسم (داعش)، وإعطاءها اسماً آخر لإخراج (داعش) أخرى وتقديمها كمنظمة معتدلة تستخدم مرة أخرى في السوق ضد الحكومة السورية.
الصحفي: مرة أخرى، وسائل الإعلام لم تنشر هذا، لكن إدارة ترامب بالطبع شكرت حكومتكم فيما يتعلق باغتيال البغدادي.
الرئيس الأسد: نحن لسنا جزءاً من أي عملية.
الصحفي: ألستم في حوار معهم؟.
الرئيس الأسد: على الإطلاق، فليست هناك أي علاقة بين أي مؤسسة سورية وأي مؤسسة في الولايات المتحدة.
الصحفي: ولا مع ممثلي الاتحاد الأوروبي في محادثات جنيف الأخيرة؟.
الرئيس الأسد: لا، أبداً. ليس لنا علاقة مع أيٍ منهم على الإطلاق. ليست لدينا علاقات مع معظم الدول الغربية التي تلعب دوراً مباشراً ضد سورية.
الصحفي: أعلم أنكم في حالة عداء مع تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو، لكن لا بد أن أردوغان، وربما أنتم، تعون أن تداعيات السياسة الغربية قد ترتد على الاتحاد الأوروبي. برأيكم كيف سيكون رد الحكومات الأوروبية على احتمال تدفق مقاتلي (داعش) البريطانيين إلى الاتحاد الأوروبي؟ وما مدى خطورة أن يكون المرء الآن في لندن أو باريس أو برلين؟.
الرئيس الأسد: في الواقع، العلاقة بين أردوغان والاتحاد الأوروبي علاقة باتجاهين؛ فهم يكرهونه، لكنهم يريدونه. يكرهونه لأنهم يعرفون أنه إسلامي متعصّب. إنهم يعرفون هذا، ويعرفون أنه سيرسل إليهم أولئك المتطرفين أو ربما الإرهابيين.
الصحفي: لقد استقبل الكثير من اللاجئين من بلدكم.
الرئيس الأسد: العديد منهم من سورية، وهناك آخرون لا، بل أتوا من مناطق مختلفة في العالم، وليس من سورية فقط، لكن للحقيقة فإن الأكثرية سوريون، وهؤلاء ليس جميعهم متطرفين، وليست غالبيتهم إرهابيين، لأن معظم السوريين الذين غادروا إلى تركيا غادروا في الواقع بسبب الإرهاب في سورية.. بسبب عمليات القصف التي كان الإرهابيون يقومون بها وما إلى ذلك. إذاً، لا يريدون أردوغان، وفي الوقت نفسه يخشونه. لكن من ناحية أخرى، إذا قلنا: إن إرسال أولئك السوريين واللاجئين الآخرين خطر على أوروبا، فالأخطر من ذلك عليها هو دعم الإرهابيين في سورية. هذا هو الجزء الأكثر خطورة، وبالتالي فإن هذا نفاق، فكيف يمكن أن تخشى بضعة ملايين من الناس، أغلبيتهم معتدلون وبينهم بضعة إرهابيين، في حين تقدّم الدعم لأولئك الإرهابيين بشكل مباشر، وهم بعشرات الآلاف، على الأقل، وربما مئات الآلاف في سورية، ولا تخاف من عودتهم إلى بلادك.
يقال إن الحكومة البريطانية تسحب الجنسية من المقاتلين البريطانيين السابقين في (داعش). لكن هناك قتال يدور حالياً في إدلب، والطائرات الروسية ناشطة هناك. ما هو الإطار الزمني لاستعادتكم إدلب؟  هل سيكون هناك عفوٌ عن أولئك الأشخاص الذين حاولوا إسقاط الحكومة السورية؟.
الرئيس الأسد: عسكرياً لن يستغرق الأمر طويلاً إذا بدأنا بتحرير إدلب، لكن ما نفعله، أو مخططنا، هو أن نعطي الفرصة للمدنيين للمغادرة، وهذا ما يحدث. لكنهم، في الواقع، لا يغادرون بحرية نحو مناطق الحكومة، بل يجري تهريبهم، أو لنقل إنهم يتسرّبون على شكل بضع عائلات كل أسبوع، لأنهم يمكن أن يُقتلوا إذا أرادوا المغادرة.
الصحفي: جنوباً أو غرباً؟.
الرئيس الأسد: جنوباً نحو مناطق الحكومة.. في الواقع إنهم يتحرّكون جنوباً أو شرقاً، وهذا مهمٌ جداً لنا لإعطاء الفرصة لأولئك المدنيين للمغادرة كي لا يتعرضوا للأذى.
الصحفي: لكن هناك ضربات جوية مدعومة من روسيا ومن قواتكم العسكرية، وتقول التقارير: إن مدنيين قتلوا في الأيام القليلة الماضية. متى ستتم استعادة إدلب؟.
الرئيس الأسد: ببساطة شديدة، تلك الضربات الجوية توجّه ضد منشآت الإرهابيين.
الصحفي: مقرات المنظمات الإنسانية؟.
الرئيس الأسد: في الرواية الغربية، وفي وسائل الإعلام الغربية، وعلى مدى سنوات الحرب التسع كانت كل ضربة جوية سورية أو روسية لابد أن تكون موجّهة ضد المدنيين والمرافق الإنسانية. للأسف، وطبقاً لروايتهم فإن رصاصنا وصواريخنا وقنابلنا تستطيع قتل المدنيين فقط، ولا تقتل المسلحين. هذا ما يحدث دائماً كما نرى. بالطبع لا، هذا مرة ثانية جزء من الرواية الغربية، وأعتقد أن مجرد مناقشة هذه الرواية ما هو إلا مضيعة للوقت. ومرة أخرى أقول: إن هذا يتعارض مع مصالحنا. فمصلحتنا تكمن في قتل الإرهابيين من أجل حماية المدنيين، وليس ترك أولئك المدنيين والأبرياء تحت سيطرة الإرهابيين كي يُقتلوا من قبلهم.
حسناً، لكن ما هي طبيعة اتفاقكم مع قوات سورية الديمقراطية؟ هناك الكثير من الأسماء للمنظمات الموجودة في بلادكم.. العديد منها.. كذوي القبعات البيضاء “الرجال الطيبون” في خطاب وسائل إعلام دول الناتو. هل هناك صيغة لتقاسم السلطة؟ ومن هي قوات سورية الديمقراطية؟.
الرئيس الأسد: لا، الأمر يتعلق باستعادة السيطرة الكاملة على الأراضي التي ينتقل إليها الجيش السوري ويُدخل معه الخدمات الحكومية، وبالتالي يتم بسط السيادة الكاملة على هذه المناطق، لكن هذا الاتفاق هو بخصوص انسحاب “قوات سورية الديمقراطية” جنوباً لمسافة 30 كيلومتراً، من أجل نزع الذريعة من يد الأتراك لغزو سورية. لنقل إننا في مرحلة انتقالية، لأنهم سيحتفظون بأسلحتهم الآن، لكننا دعوناهم للانضمام إلى الجيش السوري. بعضهم رفض. لكن في الأيام القليلة الماضية قال بعضهم: إنهم مستعدون للانضمام إلى الجيش السوري، وبالتالي لا نعرف حتى الآن ماذا سيحدث، إلّا أننا دعوناهم للانضمام إلى الجيش كي نعود إلى الوضع الطبيعي الذي كان سائداً قبل الحرب، عندما كانت هناك حالة من سيادة القانون وسيادة الدولة، ولا أحد غيرها.
بالنسبة للقوات الكردية، هل باتت متعبة بعد هذه السنوات الطويلة؟ أنتم تعتقدون أنهم تلقوا الأموال من الولايات المتحدة والـ “سي آي إيه”؛ وأنتم ترحّبون بعودتهم الآن.
الرئيس الأسد: أولاً، “قوات سورية الديمقراطية” لا تتكون من أكراد وحسب؛ بل إنها مزيج من الأكراد والعرب وآخرين. ثانياً، عندما نتحدّث عن “قوات سورية الديمقراطية”، فإن الأكراد فيها يمثّلون جزءاً من الأكراد ككل. في حين إن أغلبية الأكراد كانت لديهم علاقة جيدة مع الحكومة، وهذه الأغلبية من الأكراد تدعم الحكومة، إلّا أن هذا الجزء المُسمى “حزب الاتحاد الديمقراطي” هو الذي دعمه الأمريكيون علناً، بالسلاح والمال، وهرّبوا النفط معاً. معظم هؤلاء هم بصراحة عملاء للأمريكيين، لا أقول كلهم كوني لا أعرفهم جميعاً. لكن سياستهم خلال السنوات القليلة الماضية تمثّلت في دعوة الأمريكيين للبقاء، والغضب عندما يريد الأمريكيون الرحيل، والقول مؤخراً إنهم لا يريدون الانضمام إلى الجيش السوري.
الصحفي: أليس ما تقولونه شبيهاً تماماً بما قد يقوله أردوغان لي عن “قوات سورية الديمقراطية”؟.
الرئيس الأسد: فيما يتعلّق بهم؟ في الواقع أردوغان لديه أجندته المؤلفة من جزأين: أجندته بوصفه إخونجياً، والأجندة الأمريكية بوصفه دمية لها. إذاً، هذه الأجندة مكوّنة من جزأين، لكنهما يعملان بالتوازي، وفي الوقت نفسه فإن تلك المجموعات التي يتكوّن منها “حزب الاتحاد الديمقراطي” وفّرت له العذر والسبب لغزو سورية. هذا لا يعني أن الغزو شرعي. إنه غير شرعي بكل ما للكلمة من معنى. لكنهم وفّروا له الذريعة، لأنه كان يعلن منذ سنوات أنه يرغب بغزو شمال سورية، وأنه يريد تطهير المنطقة من الإرهابيين، ويعني بذلك “حزب الاتحاد الديمقراطي”. واستمروا في منحه هذا العذر، وهذا ما حدث. لهذا السبب فإنهم ملامون على ذلك، لكن أردوغان غازٍ.
الصحفي: حسناً، لكن ألا ترون أن حلف الناتو، أو بعض الناس في دول الناتو قد يقولون: إن الشيء الوحيد الذي لا نرغب به هو تحقيق السلام بين أنقرة ودمشق؟ ألا تساهمون بذلك في تنفيذ مقولة “فرّق تسد”، التي صممت في العواصم الغربية؟ هل هناك فرصة لعقد أي اجتماعات مع أردوغان؟.
الرئيس الأسد: معه موضوع الاجتماع ليس مطروحاً، ولا أعتقد أنه في الوقت الذي يحتل فيه شخص ما أرضك سيكون الشخصَ المفضل للاجتماع به. لقد عقدنا بضعة اجتماعات…
الصحفي (مقاطعاً): أنت تتفاوض مع أعدائك، لا مع أصدقائك.
الرئيس الأسد: نعم، لكن ليس مع أردوغان، وليس بيني وبينه. تحدث الاجتماعات على المستوى الأمني؛ وقد حدثت من خلال الروس. أعني أنه كان اجتماعاً ثلاثياً، وقد حدث ذلك مرتين أو ثلاث مرات، لكنها لم تفض إلى شيء، وبالتالي نحن لسنا ضد مبدأ التفاوض مع الأعداء، وخصوصاً أننا لا نعتبر الأتراك أعداء. فالشعب التركي شعبٌ جار، ولدينا تاريخ مشترك، ولا نستطيع أن نجعلهم أعداءً لنا. العدو هو أردوغان وسياسته وزمرته. وبالتالي، فأن نكون متفقين ضد تلك المجموعات في تركيا وفي سورية لا يعني أننا متوافقون في مسائل أخرى، خصوصاً بعد أن غزا سورية علناً ورسمياً.
بلدان كسورية امتلكت دائماً قرارها السياسي.. بما يخص الفلسطينيين.. والدعم التاريخي لما يُنظر إليها على أنها حركات تحرّر في النصف الجنوبي من الكرة الأرضية. بدأت تتحوّل إلى الاقتصادات النيوليبرالية. في زيارتي السابقة، كان كل الحديث في دمشق بين وزرائك عن الخصخصة. كانوا يتحدّثون عن النخب في المجتمع السوري، عن أولئك الذين درسوا في كليات الأعمال في جامعة هارفرد في الغرب. ألم تكن تلك بداية الصراع في سورية، عندما بدأتم بتنفيذ خطط الخصخصة النيوليبرالية التي دمّرت نسيج هذا المجتمع؟.
الرئيس الأسد: في الواقع كان هناك نقاش حول الخصخصة، ونحن كحكومة وكدولة بشكل عام رفضناها، حتى النقابات في سورية رفضتها. الأغلبية رفضت السياسات النيوليبرالية لأننا نعرف أنها ستدمّر الفقراء. كان ذلك قبل….
الصحفي: الجميع كان يتحدّث عن هذا هنا في العام 2009.
الرئيس الأسد: لا، تحرّكنا خطوات نحو تحرير الاقتصاد، لكن ما يزال لدينا قطاع عام، حتى هذه اللحظة، وهو الذي حمى الاقتصاد في سورية. كما أن الخدمات جزء من القطاع العام؛ ولولا القطاع العام، لما تمكّنا من تجاوز هذه الحرب. دور القطاع العام مهم، لأننا حكومة اشتراكية على كل حال…
الصحفي (مقاطعاً) اسمياً!
الرئيس الأسد: لا، فمازال لدينا قطاع عام، ومازلنا ندعم الفقراء، ونقدّم الدعم للخبز، والمحروقات، والمدارس، وكل شيء. هناك أشياء مجانية، فالتعليم مجاني في سورية. لم نغيّر تلك السياسة، لكننا فتحنا الأبواب أكثر أمام القطاع الخاص، وبالتالي لا تستطيع تسمية ذلك تحريراً للاقتصاد.
هل كان من قبيل المصادفة أن يبدأ الصراع مباشرة بعد فتحكم الأسواق؟.
الرئيس الأسد: لا، لم يكن الأمر كذلك.
الصحفي: يمكن القول إنه الفساد، المزيد من الفساد؟.
الرئيس الأسد: لا، كانت هناك تفسيرات لأسباب الصراع، ولا علاقة لها بهذا. قالوا: إن ذلك حدث بسبب أربع سنوات من الجفاف وإن الناس أصبحوا أكثر فقراً، لا.
الصحفي: والتغيّر المناخي؟.
الرئيس الأسد: لا، ليس هذا هو السبب. هذا غير صحيح. هذه مجرد تفسيرات نظرية. في الواقع، فإن المشكلة بدأت عندما تدفقت الأموال القطرية إلى سورية، وقد تواصلنا مع العمال لنسألهم لماذا لا تداومون في ورشكم، فقالوا: إننا نحصل في ساعة واحدة على ما نحصل عليه خلال أسبوع من العمل. كان ذلك في غاية البساطة. كانوا يدفعون لهم خمسين دولاراً في البداية ولاحقاً باتوا يدفعون لهم 100 دولار في الأسبوع، وهو ما كان يكفيهم للعيش دون عمل، وبالتالي بات من الأسهل عليهم الانضمام إلى المظاهرات، وبعد ذلك بات من الأسهل دفعهم نحو التسلّح وإطلاق النار.
الصحفي: أنا متأكّد أن الحكومة القطرية ستنكر ذلك.
الرئيس الأسد: بالطبع، بالتأكيد..
أعني أن ذلك قُدّم حينذاك، وبشكل غريب لكل من يعرف تعقيدات العالم العربي والربيع العربي، ابتداء من حرق البوعزيزي نفسه في تونس. هل للربيع العربي علاقة بهذا الصراع؟ أم أن ذلك؟!..
الرئيس الأسد: بالطبع، فثمة تداخل في هذه المنطقة لأن الثقافة هي نفسها، والخلفية نفسها، والظروف نفسها، إلى حدٍ ما وليس بشكل كلي. بصراحة، بعض المظاهرات كانت سلمية في البداية ولم يتمّ اختراق كل مظاهرة من قبل المسلحين. ذلك غير صحيح. في بعض المناطق حدث ذلك. بعض الأشخاص شاركوا لأنهم يريدون تحسين أوضاعهم، والبعض كان لديه أفكاره الخاصة حول تحسين النظام السياسي، والمزيد من الحرية، وطُرحت شعارات مختلفة في تلك المظاهرات. نعم، كان ذلك بشكل أساسي بسبب تأثير ما حدث في بلدان أخرى، كموجة جديدة. لكن لم يكن ذلك سبب استمرارها، ولذلك السبب فإن الأشخاص أنفسهم الذين أتحدّث عنهم توقّفوا عن المشاركة في المظاهرات عندما بدأ إطلاق النار، وأخذ المتطرّفون باختراقها، خصوصاً الإخوان المسلمين الذين شرعوا يقودون المظاهرات بصيحات “الله أكبر” واستخدموا شعارات دينية لفرض عباءة دينية، وأحياناً طائفية، على المظاهرات.
هل يمكن أن يحدث شيء مماثل في لبنان؟.
الرئيس الأسد: لبنان بلد طائفي؛ وكلنا نعرف هذا، لأن لديهم دستوراً طائفياً. في سورية ليس لدينا دستور طائفي، وبالتالي فإن ذلك لم ينجح.
الصحفي: لكني قصدت التأثيرات الخارجية.
الرئيس الأسد: بالطبع، لن يترك أحد المظاهرات العفوية لتستمر في عفويتها، لكن إلى أين تتجه؟ ذلك يعتمد على وعي الشعب.
سأسألكم عن إعادة الإعمار. يقول البعض إنكم ستعتمدون أكثر مما ينبغي على الصين وإيران. تُقدّر كلفة إعادة الإعمار بـ 230 مليار دولار. لا أعرف كيف يحسبون هذا الرقم. هل تتوقّعون رؤية عملية كبيرة لإعادة الإعمار؟ هل هذا ما سيحدث الآن؟.
الرئيس الأسد: ليس في القريب العاجل، لأنه كما تعرف هناك حصار على سورية، وقد حاول الأمريكيون بقوة خلال السنتين الماضيتين منع أي شخص، ناهيك عن الشركات التي تريد أن تستثمر في سورية، من القدوم إليها. وقالوا لهم إنكم ستخضعون للعقوبات مباشرة، وبالتالي فإن الكثير من رؤوس الأموال يخشى القدوم إلى سورية بسبب ذلك الحصار. لكن هذه ليست المشكلة الأكبر. بالنسبة للموارد البشرية، لدينا ما يكفي منها لبناء بلدنا، وبالتالي لسنا بحاجة لأي موارد بشرية. نستطيع أن نبني بلدنا تدريجياً، ولهذا لست قلقاً حيال هذا النوع من الحصار، لكن بالتأكيد فإن بلداناً صديقة مثل الصين وروسيا وإيران ستكون لها الأولوية في إعادة الإعمار.
الصحفي: ليس بلدان الاتحاد الأوروبي؟.
الرئيس الأسد: كل بلد وقف ضد سورية لن يُعطى الفرصة ليكون جزءاً من إعادة الإعمار.
الصحفي: ولا اتفاق تجاري مع بريطانيا؟.
الرئيس الأسد: بالتأكيد لا.
لقد طُرح هذا السؤال فعلياً: هل تعتقدون أن عودة الإرهابيين، كما تسمونهم، والهجرة الكبيرة التي حدثت بعد الحرب في ليبيا وبعد الحرب في سورية أثّرت في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، بسبب الهجرة إلى أوروبا؟.
الرئيس الأسد: بالطبع، فإن اليمين المتطرف تأثّر بذلك بما يخدم مصلحته. أنا أتحدّث بالطبع عن اليمين المتطرّف. الأمر الأكثر أهمية ليس الناحية السياسية للموضوع، بل التغيير الذي يحدث في المجتمع. إلى أي حد أوروبا مستعدة، أو تستطيع إدماج أولئك المهاجرين في مجتمعها، وحتى قبل الهجرة الجماعية الكبيرة خلال السنوات العشر الأخيرة إلى أوروبا، واجهوا مشكلة في إدماج المهاجرين في مجتمعاتهم. الآن، هناك هذه المشكلة وهناك الإرهاب الذي لحق بفرنسا وبريطانيا وبلدان أخرى. هذه البلدان ستتأثّر، لأن قسماً من أولئك المهاجرين متطرّفون، وإرهابيون، وأشخاص لا يريدون الاندماج، لأن ذهابهم إلى هناك كان فقط من أجل مغادرة هذه المنطقة لأسباب مختلفة منها الأمن، والاقتصاد..
الصحفي: ولن يكون هناك تعاون أمني لمساعدة هذه البلدان؟.
الرئيس الأسد: لا، لسنا مستعدين لذلك.. لقد قلنا وبمنتهى الوضوح بأننا لن نساعد أي بلد في المجال الأمني بينما يعمل ضد سورية في كل النواحي الاقتصادية، والأمنية، والسياسية.
الصحفي: رئيس المخابرات الخارجية البريطانية، أليكس يونغر، قال في الخطاب الذي ألقاه عند استلام مهام منصبه: إنكم وبوتين “صنعتم صحراء وسميتموها سلاماً. إن المأساة البشرية تفطر القلوب”.
الرئيس الأسد: إن أي مسؤول بريطاني ليس في موقع يؤهّله للحديث عن الجانب الإنساني في أي مكان من العالم؛ فقد كانوا جزءاً من غزو العراق، وشركاء في قتل أكثر من 1.5 مليون عراقي، وشركاء في الهجوم على سورية بصواريخهم وفرضهم حصاراً عليها، وقتل مئات آلاف السوريين، وما هم في المحصلة سوى دُمى في يد الأمريكيين. إنهم ليسوا مستقلين بصراحة، ولذلك ليسوا في موقع يمكنهم من التحدّث عن القضايا الإنسانية في أي مكان من العالم. ناهيك عن تاريخهم في الهند في الماضي، وناهيك عن الحقبة الاستعمارية. أنا أتحدّث عن موقفهم الراهن في التاريخ الحديث. إنهم ليسوا في موقعٍ يمكنهم من التحدّث عن ذلك.
أخيراً.. ماذا عن الانتخابات هنا؟ هل ستُجرى انتخابات عامة في العام 2021 في سورية؟.
الرئيس الأسد: بالتأكيد.
الصحفي: وهل سيكون هناك أكثر من مرشّح على بطاقة الاقتراع؟.
الرئيس الأسد: في المرة الأخيرة، كنّا ثلاثة، وفي هذه المرة بالطبع سيكون هناك أكبر عدد ممن يريدون الترشح، وبالتالي سيكون هناك عددٌ كبير من المرشحين.
الصحفي: شكراً لكم، سيادة الرئيس..
الرئيس الأسد: شكراً لكَ..