دراساتصحيفة البعث

أين القانون الدولي من تركيا؟

ترجمة: هناء شروف
عن التايمز 9/11/2019
ذكرت منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية أنها تجمع أدلة على استخدام تركيا للفوسفور الأبيض في حربها على شمال شرق سورية وذلك استعداداً لإجراء تحقيق حول استخدام هذه الأسلحة المحرّمة دولياً، لكن فجأة أعلنت عن قرارها بعدم التحقيق بالأدلة المقدّمة، وهو ما أثار قلقاً كبيراً على الساحة الدولية.
برّرت المنظمة تراجعها عن إجراء تحقيق بالقول إن الفوسفور الأبيض ليس مادة كيميائية محظورة وهذه ذريعة مضلّلة، لأنه على الرغم من أن الفوسفور الأبيض هو أحد المكونات الرئيسية لقذائف الدخان في معظم جيوش حلف شمال الأطلسي ، إلا أن استخدام هذه المادة الكيميائية تحكمه اتفاقية جنيف بشأن الأسلحة الكيميائية، التي تسمح باستخدامها في القنابل اليدوية والذخيرة، ولكن لا يُسمح باستخدامها بصورة مباشرة كمادة حارقة.
الخوف هو أن ترديد المنظمة الدولية لحظر انتشار الأسلحة الكيميائية هذه العبارات ليس إلا انعكاساً لعدم رغبة الغرب في إحراج حليف وعضو في حلف شمال الأطلسي، في وقت تتوتر فيه العلاقات مع تركيا، ولكن إذا لم يحرك الغرب ساكناً رداً على استخدام تركيا للمواد المحظورة، فسيؤدي ذلك إلى مزيد من الانتهاكات للقانون الدولي، وإلى استخدام هذه الأسلحة في النزاعات المستقبلية دون خوف من العواقب.
كنّا كصحيفة أول من تناول مزاعم استخدام تركيا للفوسفور الأبيض، بعد أن أبلغ طبيب لديه خبرة كبيرة بإصابات الحروق الناتجة عن استخدام الأسلحة الكيميائية أنه وجد ما بين 15 و20 من مصابي الحروق الذين يعتقد أن إصاباتهم ناجمة عن استخدام الفوسفور الأبيض.
كما أظهرت الخسائر الناجمة عن القصف التركي لشمال وشرق سورية استخدام الجيش التركي للفوسفور الأبيض، حيث أكدت قواته استخدام قنابل الفوسفور المحرقة المحظورة دولياً، وكان التحقيق مدعوماً بشهادات الضحايا وأقاربهم في مواقع القصف، فضلاً عن آراء الخبراء ونتائج التحليل، ما يستلزم اتخاذ إجراءات دولية لمحاكمة المسؤولين عن الجريمة البشعة والمأساة الإنسانية هناك. فقد قال الطبيب عباس منصور (69 عاماً) الذي عالج ضحايا الحروق في مستشفى الحسكة لصحيفة التايمز: “رأيت الكثير من الضحايا من الغارات الجوية.. لديّ خبرة سابقة في طبيعة وشكل الجروح الناتجة عن الحروق والانفجارات، والتي تصيب عادة الأشخاص بسبب الغارات الجوية، لكن هذه الحالات مختلفة. إن الحروق العميقة وأشكالها والرائحة التي تنبعث منها تتفق تماماً مع الإصابات الناجمة عن الأسلحة الكيميائية الحارقة”.
ومن الحالات التي ظهرت حالة محمد حميد الذي ظهر في شريط فيديو يصرخ من الألم وجسده يحترق في مستشفى تل تمر بسبب تأثير الفوسفور الذي استخدمته القوات التركية، وهذه المشاهد تذكّرنا تماماً بالفيديو الذي تمّ تصويره عام 1972 لفتاة تبلغ من العمر تسع سنوات وهي عارية في جنوب فيتنام تصرخ من آلام الحروق التي أصابت جسدها نتيجة النابالم.
لم تنكر تركيا استخدام الفوسفور الأبيض فحسب، بل نفت أنها تمتلكه، لكن الصحف البريطانية ندّدت بهذا التضليل والكذب، حيث كشفت صحيفة “صنداي تايمز” البريطانية أنه ليس صحيحاً إنكار تركيا بأن ليس لديها فوسفور أبيض، مؤكدة أن بريطانيا باعت أسلحة عسكرية لتركيا تحتوي على الفوسفور الأبيض، وبلغت هذه المنتجات أكثر من 70 رخصة تصدير.
إذا كان للقانون الدولي أي معنى، فإنه يجب التحقيق في الجرائم الدولية المشتبه فيها دون خوف أو تحيّز، ودون الأخذ في الاعتبار مَن يُعتقد أنه مسؤول عنها.