دراساتصحيفة البعث

جدار برلين والنقاش الدفاعي

 

ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع بوليتيكو 9/11/2019
أجبرت الذكرى السنوية لسقوط جدار برلين قبل 30 عاماً الألمان على مواجهة الاختلافات حول قضية رئيسية “كيف وصلنا إلى هذه الحال؟”، يكون ذلك التأمل محفوفاً بالمخاطر عندما يتعلق الأمر بمسألة الأمن، وهو تحدّ كان يأمل الكثيرون في عام 1989 أن يتمّ حلّه مع نهاية الحرب الباردة.
وبدلاً من ذلك، عادت الشواغل الأمنية إلى صدارة الأجندة السياسيّة، حيث تكافح البلاد مرة أخرى لتحديد دورها في التحالف عبر الأطلسي، في أوروبا وخارجها. وإذا كان هناك شيء واحد يتفق عليه السياسيون والمحاورون في ألمانيا، فهو حاجة بلادهم إلى “تحمّل المزيد من المسؤولية”، الأمر الذي يكرّره الجميع، من الرئيس الألماني إلى المستشار إلى وزراء الخارجية والدفاع المتعاقبين مرة تلو أخرى منذ سنوات.
ببساطة، نظراً للدور الكبير الذي تلعبه ألمانيا في أوروبا، فهذا يتوجّب عليها أن تلعب دوراً أكثر نشاطاً على جبهة الأمن العالمي بدلاً من التلطي خلف عباءة الولايات المتحدة. إلى الآن، يدور صراع النخب السياسيّة في ألمانيا حول كيفية القيام بذلك. كانت هذه الانقسامات بارزة في الأيام الأخيرة قبل وبعد التصريح الذي أطلقه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بأن الناتو في حالة “موت سريري”.
إذا كانت المناقشة بفحواها ووتيرتها شيئاً يمكن القياس عليه، فإن ألمانيا مازالت بعيدة عن “تحمّل مسؤولية أكثر” عما كانت عليه عندما أصدر الرئيس السابق يواكيم جوك الدعوة في مؤتمر ميونيخ الأمني ​​في عام 2014.
بدأ النقاش الأخير بعد أن دعت وزيرة الدفاع أنغريت كرامب كارينباور، رئيسة الحزب المسيحي الديمقراطي مؤخراً إلى مزيد من مساهمات الجيش الألماني في الخارج. وقالت: “يجب علينا ألا ننتظر فقط لمعرفة ما إذا كان الآخرون يتخذون إجراءات ثم يقررون المشاركة أو عدمها، علينا أن نقدم مقترحات ونستنبط الأفكار ونقدّم الخيارات”. إلاّ أن روبرت هابيك زعيم حزب الخضر، يرى أن الأفكار الأمنية لكرامب- كارينباور كانت خاطئة وستقوّض ثقة الناس بالحكومة. ويرى هايبك الذي قد يحظى بفرصة أن يصبح مستشار ألمانيا المقبل أن تركيز ألمانيا يجب أن يكون على تطوير هياكل دفاعية أوروبية مشتركة، وقال إنه يشارك ماكرون رؤيته حول حلف الناتو، رغم أنه كان سيستخدم لغة مختلفة.
وأضاف: “طالما (دونالد) ترامب هو رئيس (للولايات المتحدة)- ومن يدري ما الذي سيحدث بعده- لم يعد بإمكاننا التعويل على الناتو والأنظمة الأمنية للعقود الماضية للعمل بشكل موثوق، لذلك يتعيّن على الدول الأوروبية أن تتحد وتقوم بإعداد استراتيجيات مشتركة”.
وعلى نطاق أوسع، قال هابيك على ألمانيا أن تقرّر مهمة الجيش الألماني، وبدلاً من الوعد بإنفاق المزيد من المليارات أكثر على الجيش، يتوجّب على برلين العودة إلى التخطيط ومناقشة التهديدات التي يجب أن يكون الجيش مجهزاً لمواجهتها، بغض النظر عن أن وزارة الدفاع فعلت ذلك قبل ثلاث سنوات.
وأضاف وزير الخارجية هيكو ماس، وهو ديمقراطي اشتراكي ومنتقد صريح لمقترح كرامب كارينباور: “علينا تحمّل المزيد من المسؤولية من أجل ضمان أمننا في أوروبا وألمانيا”. ويعارض ماس وحزبه النهج الحركي لـ كرامب كارينباور، لكنهم يشعرون بالقلق أيضاً من المسار الأوروبي الأول الذي دفعه ماكرون وهابيك في حال أضرّ بالتحالف عبر الأطلسي.
وحذّر ماس من اتخاذ خطوات من شأنها “تقويض الناتو”، مضيفاً أنه لن تكون ألمانيا ولا حتى أوروبا قادرة على الدفاع عن نفسها بشكل فعّال دون دعم من الولايات المتحدة.
جدار برلين، وهو اللقاء الذي يبدو أنه ترك انطباعاً قوياً. إذن، إلى أين قادهم هذا الجدل الأمني ​​في ألمانيا بلا دفة، مشوشين وغارقين في التناقض، كما كانت الحال في أي وقت مضى؟.